تحوّل انتباه العالم مرة أخرى إلى نظام غطاء الذهب، أود التوضيح أنني لا أدعم سياسة غطاء الذهب، إلا أنه يجدر بنا التفكير بالأسباب والحالات التي قد تدفع أي شخص إلى دعمها، وعلى الرغم من أنني بطبيعتي أميل لمعارضة الرأي العام، فإن التصريحات الوقحة حول غطاء الذهب تدفعني لأن أسأل نفسي: هل تطبيقه فكرة مجنونة تمامًا؟ أخيرًا وبشكل عام، أنا لا أحب فكرة تطويع المعرفة البحثية لتناسب الخطاب السياسي المفضل في الوقت الراهن.
تشير البيانات التاريخية إلى أن حالة تقلب الإنتاج الصناعي بلغت ذروتها عام 1914م، عندما كانت الولايات المتحدة تطبق غطاء الذهب، مقارنة بالفترة بعد عام 1947م، عندما توقفت الولايات المتحدة تقريبًا عن تطبيق غطاء الذهب.
والأمر نفسه كان قد حدث لمعدلات البطالة أيضًا، ومع أن هذا لا يعد تبريرًا مقنعًا لتطبيق غطاء الذهب، لكنه من شأنه أن يدفع معارضي الفكرة لأن يعيدوا تفكيرهم بهذا الأمر، إذ إنه مهما كانت عيوب غطاء الذهب، فإن السلطات النقدية ترتكب الكثير من الأخطاء أيضًا.
علاوة على ذلك، لا يبدو تطبيق غطاء الذهب أمرًا سيئًا للغاية، وفقًا للسياق التاريخي الأوسع، بما في ذلك الماضي البعيد. فقد كان عصر غطاء الذهب (وغطاء الفضة ونظام المعدنين في بعض الأحيان) في القرن التاسع عشر- الذي استمر منذ عام 1815م وحتى الحرب العالمية الأولى- يسوده السلام والنمو الاقتصادي إلى حد كبير.
عصر النقد الإلزامي
وشكّل عصر النقد الإلزامي، الذي جاء بعد كارثةً، إذ سادت الفوضى النقدية في عشرينيات القرن الماضي، وانخفضت القيمة التنافسية للعملة، وحدثت حالات تضخم كبيرة وحالات انكماش في الأسعار، التي كان الدافع وراء بعضها هو الرغبة في استعادة القيمة الاسمية القديمة للذهب، وفقًا لأسعار غير صحيحة. ويجدر القول إنه لو تمكن العالم من الحفاظ على نظامه النقدي المتمركز حول الذهب عام 1913م، لكان الوضع الآن أفضل.
وحتى اتفاقية بريتون وودز، التي حققت معدلات جيدة من الاستقرار والنمو، تضمنت قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، إلا أنها لم تطبق محليًا، وواجهت الكثير من الضغوط الأجنبية لمنع التحويل الفعلي. وفور توقف ربط الدولار بالذهب تمامًا في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ارتفعت معدلات التضخم، وازدادت الفوائد، وتلت ذلك الفوضى النقدية مرة أخرى. ولذلك، وعند النظر إلى الأحداث منذ عام 1979م، يمكننا القول إنه لو تم تطبيق غطاء الذهب، لكانت الأوضاع أفضل إلى حد ما.
ما لم يكن واضحًا- آنذاك- هو أن السياسة النقدية ستكون جيدة جدًا ومستقرة على مدار العقود الأربعة التالية، مع وجود بعض الأخطاء. وتستند تبريرات تطبيق غطاء الذهب اليوم إلى وجهة نظر تفيد بأن هذه العقود الأخيرة من الإدارة الجيدة للنقد الإلزامي تعد أمرًا غريبًا بات من الماضي، وأنه من الصعب استدامتها، لكنني لا أتفق مع هذا الرأي، ولا أعتقد أيضًا في الوقت نفسه أنه ضربٌ من الجنون أو دلالة على جهلٍ شديد.
لماذا لا أؤيد غطاء الذهب؟
أولًا: للحكومات باعٌ طويل في التدخل في معايير الذهب، سواء لتحقيق ما هو أفضل أو أسوأ، ولذلك، فإن تطبيق غطاء الذهب لن يكون منفصلًا عن الجانب السياسي للموضوع.
ثانيًا: يجب أن تستجيب البنوك المركزية للأزمات المالية مثل التي حدثت عام 2008م من خلال فرضها الضغوط والإجراءات المعاكسة لمواجهة التقلبات الاقتصادية.
ويعد هذا الأمر صعب التطبيق، في حال وجود غطاء الذهب، خاصة أنه عادة ما يتطلب تعليق قابلية تحويل الدولار إلى ذهب.
ثالثًا: يتأثر سعر الذهب الآن إلى حد كبير بحجم الطلب من الصين والهند، وسيكون من غير الحكمة أن يكون هذا دافعًا لجوهر السياسة النقدية الأمريكية. وبشكل عام، ما زلت أعتقد أن من شأن حوكمة البنك المركزي أن تؤدي دورًا أفضل من دور النظام القائم على الذهب، الذي يتسبب أحيانًا بضغوط تُحدِث انكماشات كبيرة في الأسعار.
ومع ذلك، أشعر بأن العالم المعاصر دائمًا ما يختبر إيماني في البنوك المركزية، فكيف ستغدو الأمور عندما لا يتصرف الكثير من قادة العالم بنفس القدر من المسؤولية التي يجب أن يتمتعوا بها؟ هل ستجد عدم المسؤولية طريقًا لها إلى السياسة النقدية؟ في نهاية المطاف، فإن السكان يشيخون والديون في تراكم مستمر. وبالتأكيد، من المنطقي أن نقلق من أن بعض هذه الحكومات ستسعى إلى تسييل ديونها والتحول إلى الأموال سهلة التداول.
ولكن، لحظة، نسيت أحد المبررات الكبيرة لتطبيق غطاء الذهب، وهو "ترامب" شخصيًا. أليست طريقة إدارته لشؤون البنوك المركزية عشوائية إلى حد ما؟ أليست حماية السياسة النقدية من خلال زيادة الاعتماد على الأنظمة والقوانين فكرة جيدة؟
لعلي أفضّل تطبيق قواعد مبنية على تحقيق مستهدفات الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، إلا أن المفارقة هي: في نهاية المطاف، الذين يدعون لتطبيق غطاء الذهب، ووجودهم المحتمل في مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" هم أنفسهم يشكلون أفضل تبرير لتطبيق غطاء الذهب.