يمكنك أن تخشى انهيار السوق، لكن احذر أن تراهن على ذلك.
تمرّ أسواق المال الأمريكية بفترة عصيبة، فقد بلغت غالبية الأصول أعلى قيمة لها على الإطلاق، أو هي بالقرب منها، ويمتد ذلك من الأسهم والسندات إلى العقارات والاستثمارات المباشرة.
والأكثر دهشة من ذلك المكاسب التي تتراوح بين الكبيرة والصغيرة التي كسبها المستثمرون من أسهم "الميم" والعملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال.
ليس منطقياً أن يكسب الناس الثروات بهذه السهولة والأسواق لديها طريقة سيئة لتذكير المستثمرين الذين ينسون ذلك، فالمواقف المماثلة في الماضي في الأسواق الأمريكية وغيرها عادة لم تنتهِ بشكل جيد، إذ تتراجع أسعار الأصول بنهاية المطاف ويُقضى على المضاربين ويُدفع الاقتصاد إلى الركود، وقد حدث ذلك في أثناء أزمة الإنترنت عام 2000، وانهيار قطاع الإسكان عام 2008. وقد تكون عمليات البيع المكثف لأسهم شركات النمو الأمريكية هذا الأسبوع بمثابة تحذير لطيف.
الرهان على التراجع
قد يغري ذلك الارتفاع بالرهان على أن إخفاقاً جديداً يلوح في الأفق، خصوصاً أن من فعلوا ذلك قبل الأزمة المالية عام 2008 حققوا ثروات هائلة، وأبرزهم: جون بولسون الذي ربح 20 مليار دولار لنفسه، والمستثمرون الذين راهنوا على انهيار سندات الرهن العقاري عالية المخاطر، ومايكل بيري الذي ظهر في كتاب "The Big Short" وراهن وقتها على انهيار قطاع الإسكان، وديفيد أينهورن الذي راهن على انهيار "ليمان براذرز" قبل أن يحدث ذلك في سبتمبر 2008.
يرى نفس الثلاثي أن مشكلات جديدة سوف تحدث في المستقبل. يقول بيري إن "أُمّ كل الانهيارات" قادمة لأسهم "الميم" والعملات المشفرة، ويراهن بيري برهانات ضخمة من خلال صندوق "آرك انوفيشن" الذي يدير أصولاً بقيمة 25 مليار دولار على بعض الأسهم الأكثر قيمة في العالم، مثل "تسلا"، و"تيلادوك هيلث"، و"روكو"، و"كوين بيس"، فيما يراهن أينهورن على بعض أسهم التكنولوجيا التي يصفها بالفقاعة "الهائلة". كذلك يتوقع بولسون أن العملات المشفرة "ستذهب إلى الصفر".
الخبير الذي تنبأ بطفرة تداول الأفراد يرى امتحاناً كبيراً أمامهم
العائد العكسي
لم يكن الرهان بأنهم على حق أسهل من أي وقت مضى. لقد أحصيت أكثر من 10 صندوق للمؤشرات المتداولة في البورصات الأمريكية "ذات العائد العكسي" التي تسمح للمستثمرين بالرهان على انخفاض مجموعة متنوعة من الأسهم والسندات والسلع، إذ يسمح بعض وسطاء التداول ممن يتقاضون عمولات قليلة دون تقديم مشورة للمستثمرين وتطبيقات التداول للعملاء ببيع صناديق المؤشرات المتداولة على المكشوف، ويسمح لمعظمهم بتداول الخيارات والعقود الآجلة، ما يعني إمكانية رهان العملاء على تراجع أي شيء تقريباً، بما في ذلك أسهم شركات التكنولوجيا والعملات المشفرة وأسهم الشركات العاملة بمجال العملات المشفرة مثل "كوين بيس".
قد تكون الفكرة سيئة، ولكي تعرف سبب ذلك عليك التفكير في الجانب الآخر من البيع على المكشوف. على سبيل المثال، عند شراء سلة كبيرة من الأسهم من المرجح أن تجني المكاسب بمرور الوقت، إذ تكون هناك فرصة جيدة لارتفاع السوق في المستقبل لأن الاقتصاد الأمريكي يجب أن يستمر في التوسع، ما يدفع أرباح الشركات إلى النمو. وفي ذلك الوقت يمكن للمستثمرين الاستفادة بسهولة من ذلك النمو من خلال الاستثمار في صندوق مؤشر متداول يتبع السوق بتكلفة منخفضة.
الاستثمار طويل الأجل
للمستثمر طويل الأجل ميزتان رئيسيتان قد لا تتضحان في الأجل القصير. الميزة الأولى أن الوقت دائماً ما يكون لصالح الاستثمار طويل الأجل، فكلما طالت مدة حضور المستثمرين في السوق زادت احتمالية ربحهم. الميزة الثانية أن المستثمرين لفترة طويلة تكون مكاسبهم أكبر مما يخسرونه، فلا يوجد حد أقصى لارتفاع السوق، كما تستحيل خسارة قيمة الاستثمار لاستحالة وصول القيمة السوقية إلى الصفر، كما أن السوق دائماً ما تتعافى بعد الانكماش.
ولا يعني ذلك أن كل الاستثمارات طويلة الأجل سيكون لها نفس المردود المحتمل. وبينما يمثل الاستثمار في الأسهم التي تتركز فيها تداولات الأفراد أو العملات المشفرة خطورة أكبر، والمكاسب المحتملة تكون أكثر هشاشة، لكن تبقى المزايا الأساسية للاستثمار طويل الأجل نفسها لا تتغير.
مخاطر البيع على المكشوف
البيع على المكشوف يحوّل تلك المزايا إلى ألغام، فحتى يكون المستثمر آمناً يجب أن يفترض تراجع السوق أو الأصل من وقت لآخر، لكنه لا يمكن تحديد توقيت ذلك التراجع، في الوقت الذي يمكن للسوق أن تواصل الارتفاع لسنوات قبل أن تتراجع لأسباب محددة، كما حدث على مدار أكثر من عقد خلال الفترة بين الأزمة المالية العالمية وانهيار الأسواق بسبب كوفيد-19 العام الماضي.
وفي كل مرة ترتفع فيها السوق يتسبب ذلك في خسائر للبيع على المكشوف، وقد يُقضى عليها. لذلك فإن التوقيت هو كل شيء عندما يتعلق الأمر بالبيع على المكشوف، وهو ما يعتبر مهمة مروعة لعدم وجود طريقة موثوقة لتحديد توقيت تراجع السوق أو حركة سعر أي أصل بشكل مستمر.
تزيد احتمالات خسائر البيع على المكشوف مقارنة بالمكاسب أيضاً، لأن أسعار الأصول لها حد أدنى للهبوط ولكن ليس لها سقف للارتفاع، لذلك يكون الاتجاه الصعودي للبيع على المكشوف محدوداً فيما الهبوط بلا قاع. والأسوأ من ذلك أن مخاطر الارتفاع المفاجئ في الأسعار تكون على الأرجح في ذروتها خلال فترات المضاربة، وهو نفس الوقت الذي يكون فيه البيع على المكشوف أكثر جاذبية.
لقد جرى تذكير صناديق التحوط التي راهنت بقوة ضد "غيم ستوب" في يناير عندما ارتفع السهم 20 ضعفاً في أقل من شهر، وكذلك خلال ذروة جنون الإنترنت عندما تضاعفت قيمة مؤشر "ناسداك 100" ثلاث مرات تقريباً خلال الفترة من نهاية 1998 حتى الانهيار في عام 2000، رغم أن تقييم السوق في نهاية عام 1998 كان مشابهاً لتقييم "آرك" للسوق اليوم.
الخسائر قد تكون فادحة
لهذا السبب يكون البيع على المكشوف أكثر صعوبة حتى بالنسبة إلى أكثر المستثمرين خبرة. وليس صدفة أن الاستثمارات الخاصة بالمستثمرين الكبار مثل وارن بافيت وديفيد تيبر وكريس هون طويلة الأجل لا قصيرة. ولطالما حذر بافيت من أن البيع على المكشوف "دمر كثيراً من الناس وتسبب في إفلاسهم".
في الواقع، لا أعرف مستثمراً واحداً كان قادراً على جني الأموال باستمرار من البيع على المكشوف. يتضمن ذلك الافتراض أداء رواد المستثمرين في البيع على المكشوف منذ عام 2008، إذ بدأ أينهورن وصف أسهم التكنولوجيا بالفقاعة منذ عام 2014 على الأقل، وراهن ضد تراجع سهمَي "تسلا" و"نتفلكس" لسنوات.
في الوقت نفسه، ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا بشكل مغاير لتوقعه خلال السنوات السبع الماضية، مما تسبب في خسائر فاجعة لأينهورن ومستثمريه.
كذلك راهن بيري ضد سهم "تسلا" ولكن دون جدوى حتى الآن، كما انتهى الأمر بكفاح بولسون لإعادة الأداء الساحر الذي حدث في 2008 وقرر أخيراً إغلاق صندوقه العام الماضي.
عندما ترتفع تقييمات الأصول بشكل كبير، كما هي الحال اليوم في الولايات المتحدة، فغالباً ما يعني ذلك أن العوائد المستقبلية ستكون أقل من المعتاد، لكنها لا تعني مساراً محدداً للأسواق على الأرجح أو أن الاسواق قد تتراجع. ولهذا عندما تسمع مستثمراً معروفاً يتحدث عن تحقيق المكاسب من البيع على المكشوف والرهان على تراجع هذا أو ذاك، تذكَّر أنها أمنية أكثر منها خطة.