اعترف مسؤولون تنفيذيون في شركة التطوير العقاري الصينية المأزومة "إيفرغراند" أنَّ مليارات الدولارات التي جُمعت من بيع منتجات إدارة الثروات لمستثمرين أفراد استخدمت لسدِّ فجوات تمويل، بل إنَّ بعضها سُخِر لسداد مستحقات مستثمري إدارة ثروات آخرين.
سَوَّق مستشارون ماليون لدى "إيفرغراند" المنتجات على نطاق واسع شمل حتى ملَّاك الشقق في مجمعاتها السكنية، في حين دفع المديرون مرؤوسيهم للاستثمار. لم يسلم مورِّدو "ايفرغراند" أيضاً من ذلك، فقد تلقوا تلك المنتجات بدل الدفعات النقدية في بعض الأحيان.
ألمح أحد المسؤولين التنفيذيين أنَّ المنتجات تنطوي على مخاطر عالية للغاية بالنسبة للمستثمرين الأفراد العاديين، ولا ينبغي عرضها عليهم.
كانت العوائد الآمنة والمستقرة "التي تدعمها (إيفرغراند)" في قلب فورة المبيعات.
قال المسؤولون التنفيذيون في الشركة، إنَّ 80 ألف مستثمر يمتلكون ما قيمته 40 مليار يوان (6.2 مليار دولار) من منتجات إدارة الثروات التي تقدِّمها "إيفرغراند".
الشركة المدرجة في هونغ كونغ هي إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في الصين، وأكبر شركات العالم مديونية.
بلغت قيمتها السوقية 320 مليار دولار هونغ كونغ (41 مليار دولار) في 2020، لكن قيمتها السوقية تراجعت إلى 3.7 مليار دولار مع اقترابها من التخلُّف عن سداد قيمة سنداتها بالخارج، ومسارعة الدائنين لاستعادة مستحقاتهم.
تراجع الأسواق
هزَّت مشاكل الشركة الأسواق العالمية، فقد سجلت "وول ستريت" أسوأ خسارة في يوم واحد خلال أربعة أشهر يوم الإثنين، في حين تراجعت الأسهم الآسيوية مجدَّداً الثلاثاء، علماً أنَّ أكثرها هبوطاً تمثَّل في شركات اليابان.
هبطت أسهم "إيفرغراند" بما يناهز 7% لتصل خسائرها إلى حوالي 85 % منذ بداية 2021.
تشمل قائمة دائني المجموعة الصينية، آلاف المستثمرين الأفراد إلى جانب بنوك، ومورِّدين، ومستثمرين أجانب، ويخشون عدم تحصيل مستحقاتهم فيما لو انهارت المجموعة العقارية.
باع مطوِّرون صينيون آخرون منتجات إدارة الثروات، بما فيهم "باونينغ" (Baoneng)، و "كانتري غاردن" (Country Garden)، و"سناك" (Sunac)، و "كايسا" (Kaisa).
كشفت "ايفرغراند" الأسبوع الماضي أنَّ دينغ يومي، زوجة المؤسس هوي كا يان، اشترت ما قيمته 3 ملايين دولار من المنتجات الاستثمارية للشركة لإظهار الدعم.
قالت ابنة أحد المستثمرين طالبةً التعريف عنها باسم عائلتها شو: "وضع والداي الجزء الأكبر من مدخراتهما، البالغة 200 ألف يوان، وهي ليست كثيرة وفقاً لمعايير (إيفرغراند)، في [منتجاتها لإدارة الثروات]". وبيَّنت أنَّ مستشاراً مالياً لدى "إيفرغراند" يمارس عمله في برج سكني بنته الشركة في وسط الصين، كان قد أقنع والدتها بالاستثمار.
قالت: "لم يكونوا ليثقوا في منتجات الثروة التي تقدِّمها (إيفرغراند)، لو لم يشتروا شقة من المطوِّر... كل مبتغاهم كان تخفيف الضغط المالي من شراء أدوية السرطان باهظة الثمن [لأم شو]، ولا شيء سوى ذلك."
مظاهرات المستثمرين
كانت شو هذا الأسبوع واحدة من مئات الأشخاص الذين سافروا إلى مقر "إيفرغراند" في شينزن على أمل استعادة استثماراتهم.
برغم أنَّ 40 مليار يوان من منتجات إدارة الثروات يتضاءل أمام إجمالي مطلوبات على الشركة تبلغ 2 تريليون يوان (310 مليارات دولار)؛ فإنَّ احتجاجات المستثمرين الأفراد أمام مقر "إيفرغراند"، والتطورات في جميع أنحاء الصين، جعلتهم في مقدِّمة قائمة انتظار استرداد المستحقات، وفقاً لأحد المديرين التنفيذيين للشركة.
استثمرت روزي تشين مع زوجها الموظف في "إيفرغراند" 100 ألف يوان هذا العام في منتج بعائد سنوي تمَّ الإعلان عنه بنسبة 11.5 %، بناءً على إلحاح أحد مديريه.
ذهبت الأموال "لتكملة" رأس المال العامل لشركة تسمى "هيبي جانجدون ماتيريالز" (Hubei Gangdun Materials)، وفق عقد الاستثمار.
أظهر العقد أنَّ شركة تتبع "إيفرغراند" ضمنت المنتج، في حين ضمنت شركة تابعة أخرى أنَّها ستعوِّض تشين، إنْ تخلَّفت "هيبي جانجدون ماتيريالز" عن السداد.
قالت تشين: "في البداية تريثنا، لكن حين وجدنا أنَّنا من بين عائلات وحيدة في قسم (إيفرغراند) بأكمله التي لم تشترِ، قررنا أن نستثمر أيضاً... كنا نعتقد أنَّ (إيفرغراند) لن تغش موظفيها".
شركات صغيرة
أظهرت كشوف العقود والودائع المصرفية التي اطلعت عليها "فاينانشال تايمز" لحفنة من منتجات إدارة الثروات تدفُّق أموال المستثمرين إلى شركات صغيرة في مقاطعة هوبي ومدينة تشينغداو الساحلية. أظهرت السجلات التجارية أنَّ شركات كثيرة مثل "هيبي جانجدون" غيَّرت أخيراً هيكل المالكين، والمديرين التنفيذيين. لم ترد أي من الشركات على المكالمات الهاتفية المتكررة، أو الرسائل التي تطلب التعليق.
قال أحد مستشاري "إيفرغراند" الماليين في مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية، إنَّ المنتجات كانت نوعاً من "تمويل لسلسلة التوريد".
في حين أنَّ أموال المستثمرين الأفراد ربما ذهبت في السنوات الماضية إلى مورِّدي "إيفرغراند"، إلا أنَّ التنفيذيين بالشركة في شينزن الذين استقبلوا المستثمرين الأفراد قالوا، إنَّ هذا لم يعد هو الحال.
لدى سؤاله حول "هيبي جانجدون"، قال المدير التنفيذي لقسم إدارة الثروات في "إيفرغراند"، إنَّها مجرد شركة شكلية، مبيِّناً أنَّ "عائدات منتجات إدارة الثروات استخدمت لسدِّ فجوات التمويل المختلفة التي تواجهها الشركة الأم.". قال معترفاً: "لا حاجة لفحص شامل حول كيفية إنفاق الأموال فعلياً، إذ إنَّ بعض عائدات منتجات إدارة الثروات استعمل لسداد منتجات سابقة، لكنَّ المبيعات تراجعت لتصعِّب الاستمرار بنمط العمل هذا."
قال: "كثير من الناس... قد يُقبض عليهم بتهمة الاحتيال المالي، إن لم تُسدَّد مستحقات المستثمرين... لم تكن منتجاتنا مناسبة للجميع. لكنَّ مندوبي مبيعات عامة الناس لدينا، لم يأخذوا ذلك في الاعتبار عند ترويج مبيعاتهم، واستهدفوا الجميع لبلوغ أهداف المبيعات المحدَّدة لهم".
عقوبة شديدة
قالت "إيفرغراند" الأسبوع الجاري، إنَّ ستة من كبار التنفيذيين سيواجهون "عقوبة شديدة" لتأمين عمليات استرداد مبكِّرة للمنتجات الاستثمارية بعد إخبار المستثمرين الأفراد أنَّهم لن يتلقوا مستحقاتهم في الوقت المحدَّد. ليس معلوماً بعد ما إذا كانت "إيفرغراند" قد أدرجت 40 مليار يوان من منتجات إدارة الثروات ضمن المطلوبات في ميزانيتها العمومية.
قال سيدريك لاي، محلل الائتمان البارز لدى "موديز إنفستورز سيرفيس": "نتوقَّع أن يُدرج جزء منها في إجمالي المطلوبات. مع ذلك؛ لم يكن هناك إفصاح مفصَّل في بيانها المالي، لذلك يصعب التحقق".
وافق ذلك رأي نايجل ستيفنسون من "جي إم تي ريسيرش" (GMT Research) بأنَّه لا يتضح كيف كانت "إيفرغراند" تحتسب منتجات إدارة الثروات، وقال: "بمجرد رفع الغطاء عن بياناتها المالية من المحتمل اكتشاف المزيد من الأهوال".
عرضت "إيفرغراند" على مستثمري التجزئة تأجيل السداد، ومقايضات بشقق مستقبلية، أو أماكن لوقوف السيارات، أو تسوية ديون مستحقة للشركة عن شراء شقة سابقة بدل السداد النقدي الفوري.
قال مستثمر كنيته ’هو’ من مقاطعة آنهوي بوسط البلاد، استثمر 100 ألف يوان، إنَّه يراقب الوضع عن كثب، وشكَّك في قدرة "إيفرغراند" على "تسليم فعلي للشقق المستقبلية" التي عرضتها على المستثمرين كبديل عن السداد. وقال، إنَّه لن يستثمر أي أموال إضافية لشراء واحدة.