في عام التقليص المقبل، ستكون النسخة المالية قاسية بالفعل. تدور الأحاديث في الأسواق المالية الأمريكية حول برنامج تقليص مشتريات السندات الذي لم يعلن عنه بعد من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يحجب شيئاً مهماً، ألا وهو التخفيض الجاري بالفعل لدعم الحكومة الفيدرالية للموازنة، الذي من المحتمل أن يكون له تأثير أكبر بكثير على النمو الاقتصادي العام المقبل.
ويبدو أنَّ التوسُّع الأمريكي سيتباطأ بشكل حادٍّ في النصف الثاني من عام 2022، عندما تتلاشى التدابير التي دعمت الاقتصاد خلال الوباء، بدءاً من شيكات التحفيز للأسر إلى التمويل بدون تكلفة للشركات الصغيرة.
وسيكون هذا هو الحال حتى لو تمكَّن الرئيس، جو بايدن، من الفوز بموافقة الكونغرس على الجزء الأكبر من أجندة "إعادة البناء بشكل أفضل"، والبالغة 3.5 تريليون دولار، وذلك لأنَّ الإنفاق سيمتد على مدى سنوات، وبالتالي؛ سيكون تأثيره محدوداً في عام 2022، كما سيموّل جزئياً على الأقل من خلال الزيادات الضريبية التي تبطِّئ الاقتصاد بدلاً من تسريع وتيرة نموه.
مسار هبوطي
وقالت ويندي إيدلبرغ، مديرة مشروع هاملتون بمعهد بروكينغز: "نحن مقبلون على بعض من معدلات النمو شديدة الانخفاض..ولن يدهشني إذا كان هناك ربع أو أكثر يتحرَّك فيه الاقتصاد بشكل أساسي في مسار هبوطي".
لم تكن "إيدلبرغ" الوحيدة التي توقَّعت تباطؤاً حادَّاً، إذ يتوقَّع كذلك جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين في "غولدمان ساكس"، أن تتوسَّع الولايات المتحدة بوتيرة 1.5% بحلول نهاية العام المقبل، بانخفاض من 5.7% على مدار عام 2021.
ولن يكون التباطؤ القادم من الأخبار المرحَّب بها من قبل المستثمرين الذين دفعوا أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية.
كما يمكن أن يسبب ذلك مشكلة لـ"بايدن" وزملائه الديمقراطيين في الكونغرس أيضاً، إذ يسعون للاحتفاظ بأغلبية ضئيلة في انتخابات منتصف المدة في نوفمبر 2022، خاصة إذا صاحب التباطؤ ارتفاع البطالة، برغم أنَّ معظم الاقتصاديين لا يتوقَّعون ذلك.
ومع ذلك؛ فإنَّ هناك فائدة محتملة، تتمثَّل في انخفاض التضخم، فقد ارتفعت الأسعار العام الجاري على خلفية عقبات سلاسل التوريد، وطلب المستهلكين المدفوع بالتدابير المالية، وقال "إيدلبرج": "سنحتاج إلى التخلُّص من الغليان"، لأنَّ الانتعاش الأمريكي السريع سيدفع سوق العمل والاقتصاد بأقصى قوة بحلول منتصف العام المقبل.
تأثير مبالغ فيه
من المتوقَّع أن يناقش رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وزملاؤه خطط التقليص التدريجي في اجتماع السياسة الأسبوع الجاري، وقال "باول"، إنَّ بإمكانهم البدء في تقليص شراء السندات العام الجاري، لكن سيظل البنك المركزي يقدِّم حوافز للاقتصاد والأسواق المالية حتى انتهاء برنامج الشراء في وقت ما من عام 2022 على الأرجح.
ولم يكن الأمر كذلك فيما يخص السياسة المالية، التي بدأت بالفعل تبدو كعائق للنمو، ويقدِّر مركز "هاتشينز" التابع لمعهد بروكينغز أنَّ التأثير الاقتصادي من خطط الضرائب، والإنفاق على المستوى الفيدرالي، والولايات والحكومات المحلية قد يكون سلبياً في الربع الثاني، وسيظلُّ كذلك حتى عام 2023.
وحتى إذا حصل "بايدن" على جميع النفقات الإضافية التي يسعى إليها؛ فإنَّ الميل الانكماشي في موازنة الحكومة الفيدرالية خلال العام المقبل سيظلُّ واحداً من أكبر الانكماشات المسجَّلة على الإطلاق، بحسب ما تظهر أرقام البيت الأبيض. ومع ذلك؛ هناك بعض العوامل المُهدّئة.
عززت الأسر الأمريكية مدّخراتها أثناء الوباء بنحو 2 تريليون دولار أو أكثر، وقال المدير السابق لمكتب الموازنة بالكونغرس، دوغلاس هولتز إيكين، الذي يشغل الآن منصب رئيس منتدى العمل الأمريكي (American Action Forum)، إنَّ المدَّخرات "تخفف من أيِّ عائق مالي مزعوم قد يبدو في السجلات"، وهو لا يظن أنَّ تأرجحات الموازنة ستؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد بشكل كبير، وذكر أنَّ الفكرة "مبالغ فيها بجنون".
باب الهروب
كانت حكومات الولايات والحكومات المحلية بطيئة أيضاً في إنفاق بعض المساعدات التي حصلت عليها من واشنطن، مما جعلها تتمتَّع بذخيرة من أجل المستقبل.
لكن من غير المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تعويض الأثر الانكماشي لتلاشي دعم الموازنة.
وقال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في "موديز أناليتيكس": "بدأت الرياح الخلفية الناتجة عن السياسة المالية تتحوَّل الآن إلى رياح معاكسة، ستضرب بقوة بحلول ربيع العام المقبل..وبدون أي دعم مالي إضافي؛ سيشعر الاقتصاد بالهشاشة بعض الشيء بحلول انتخابات 2022".
ومن جانبهم، بدأ المستثمرون القلق بشأن التباطؤ القادم، وأصبحوا أقل تفاؤلاً بشكل ملحوظ بشأن التوقُّعات الاقتصادية في أحدث دراسة استقصائية عالمية لمديري الصناديق أجراها "بنك أوف أمريكا"، بعنوان: "نوبة الدعم المالي تتحوَّل إلى تخبّط مالي".
في الوقت نفسه، يراهنون جميعاً بكل شيء على الأسهم، ويقول ديفيد جونز، مدير استراتيجية الاستثمار العالمية في ذراع الأوراق المالية في "بنك أوف أميركا"، إنَّ هذا الانفصال يترك أسعار الأسهم عرضة للخطر. وقال: "كلما طال هذا الانفصال بين الأسس الاقتصادية والرهانات الاستثمارية، ازداد شبح وقوع حدث عنيف وغير منظَّم في السوق، يجبر الجميع على التدافع إلى باب الهروب".