قفزت أسعار السلع إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات، وسط ارتفاع تكاليف المواد التي يعتمد عليها العالم في قطاعات البناء والتصنيع والإضاءة.
أسعار السلع، بما في ذلك الألمنيوم والصلب، شهدت قفزات إضافية، في وقتٍ سجلت أسعار الغاز والطاقة أرقاماً قياسية جديدة في أوروبا.
نتيجة ذلك، قفز مؤشر أسعار السلع الفورية إلى أعلى مستوى منذ مايو 2011، ما يهدد بتسارع معدل التضخم، وزيادة التكاليف على المستهلكين، والضغط على البنوك المركزية لكبح إجراءات التحفيز الهائلة التي تقف وراء قسط كبير من ارتفاع أسعار المواد الخام.
تضافر الطلب المتزايد على السلع بفضل الانتعاش الاقتصادي، مع مشاكل تواجه العرض، ناجمة عن حملة الصين على الانبعاثات التي تقلل إنتاج المعادن وعن ضآلة احتياطيات الغاز في أوروبا، لتضييق الأسواق. وتزامن ذلك أيضاً مع ارتفاع تكلفة شحن البضائع.
في ظل هذه الندرة المتزايدة من السلع بالأسواق، يتوقع بنك الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس" ارتفاع الأسعار بشكل أكبر في 2022. وأشار محللو البنك، ومن ضمنهم جيف كوري، في مذكرة أمس الاثنين إلى أن "الطلب الملموس على السلع وصل إلى مستويات مرتفعة - أعلى من اتجاهات ما قبل كورونا لكل السلع باستثناء النفط - أصبح معها النظام مقيداً بشكل متزايد لناحية قدرته على توفير هذه السلع. وبالتالي، أصبحت الأسواق معرضة بشكل متزايد لأي نوع من اضطراب العرض أو لزيادة غير متوقعة في الطلب".
قفزة المعادن
تعمل إجراءات التحفيز الهائلة عالمياً على إبقاء الطلب على المعادن قوياً، وتسهم في بقاء أسعار النحاس على ارتفاع قياسي تاريخياً.
مع ذلك، فقد ألقت تحركات الصين مؤخراً للحد من إنتاج المعادن للجم التلوث، بظلالها على الريادة التي يتمتع بها النحاس. كما أدّى الانقلاب في غينيا، الدولة المُصدّرة الرئيسية للبوكسيت، إلى ارتفاع أسعار الألمنيوم لأعلى مستوى في 13 عاماً، حيث وصل سعر الطن إلى 3000 دولار.
كذلك، دفعت إجراءات تقييد الانبعاثات في الصين أسعار النيكل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2014، وأسعار الصلب المحلية إلى الارتفاع.
وبرأي مصرف "كوميرزبنك" (Commerzbank): "رغم أننا ننظر إلى الأسعار الحالية على أنها باهظة، ورغم أن شراء الألمنيوم باهض من منظور تقني، إلاً أنه لا توجد مطلقا إشارة حتى الآن على أي انعكاس في الاتجاه".
ارتفاع الطاقة
قبل حوالي شهر من بدء موسم التدفئة، وصلت مخزونات الغاز في أوروبا بالفعل إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من 10 سنوات لهذا الوقت من العام، ما أدّى إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء. وتكافح المنطقة لتعزيز الإمدادات مع محدودية التدفقات من النرويج بسبب أعمال الصيانة، في حين أن الإمدادات لا تزال تواجه قيوداً من روسيا.
وتضاعفت أسعار العقود الآجلة للغاز الأوروبي القياسية أكثر من ثلاث مرّات هذا العام إلى مستوى قياسي في هولندا، بينما سجلت أسعار الطاقة الألمانية أعلى مستوياتها على الإطلاق. كما أدّى الارتفاع في سوق الكربون إلى زيادة تكلفة توليد الكهرباء.
تراجع الزراعة
في المقابل، لا ترتفع أسعار كافة السلع بشكل مماثل. فقد انخفضت العقود الآجلة لخام الحديد في سنغافورة بنحو 45% عن الذروة التي حققتها في مايو، حيث قلّلت قيود الصين على الصلب توقعات الطلب.
على صعيد السلع الزراعية، تراجعت العقود الآجلة للمحاصيل في الأشهر الأخيرة وسط توقعات أفضل للحصاد، حتى مع بقاء مؤشر أسعار الغذاء العالمية بالقرب من أعلى مستوى له منذ 10 سنوات.
أما أسعار النفط، فهي مستقرة نسبياً منذ بداية سبتمبر، بعد أن قفزت بنسبة 10% في الأسبوع الأخير من أغسطس عندما ضرب إعصار "إيدا" خليج المكسيك. واستقرت أسعار النفط الخام قرب 70 دولاراً للبرميل في نيويورك منذ مطلع سبتمبر.
في حين تسببت العاصفة في حدوث صدمة صعودية غير عادية، بفعل بقاء كمية كبيرة من النفط الأمريكي بعيدة عن الإنتاج لمدة أسبوعين، فقد تمّ تعويض ذلك من خلال المخاوف بشأن التأثير على الطلب الناجم عن سلالة دلتا المتحولة سريعة الانتشار، حيث تشهد الصين تفشياً جديداً للسلالة المتحورة من الفيروس.
لكن الجدير بالتنويه، أن هناك دلائل على تمرير أسعار السلع المرتفعة بشكل أكبر إلى المستهلكين. فقد أظهرت البيانات الأسبوع الماضي تسارع تضخم أسعار الجملة في الصين إلى أعلى مستوى له في 13 عاماً، في حين زادت الأسعار المدفوعة للمُنتجين الأمريكيين أكثر من المتوقع.