بالرغم من أنَّ الجائحة كادت تقضي على عمليات إعادة شراء الأسهم خلال فترة الصيف، إلا أنَّ الصحوة التي شهدتها الأشهر الأخيرة تبشر خيراً للمستثمرين الأوروبيين المتعطشين للعوائد.
فبعد تراجع عمليات إعادة الشراء في مؤشر "يورو ستوكس 50" (Euro Stoxx 50) بنحو 95% خلال أشهر الصيف بالمقارنة مع العام الماضي، شهد شهر أكتوبر زيادة أيضاً مقارنة مع عام 2019، بحسب ما جمعته "بلومبيرغ" من بيانات. وبالرغم من انخفاض حصيلة شهر نوفمبر بنسبة 17%، إلا أنها لا تزال عند مستويات مماثلة للشهر السابق. هذا يشير، فضلاً عن العودة التدريجية للأرباح المتوقفة، إلى ارتفاع في عوائد المساهمين مع انحسار أسوأ آثار الجائحة.
وعلى الرغم من أنَّ المبالغ المالية بدأت تعود لطبيعتها، لكنَّ المجال لايزال ضيقاً إلى حدٍّ ما، فقد قامت ثماني شركات فقط من بين ال 50 المدرجة في المؤشر بإعادة شراء الأسهم منذ بداية شهر أكتوبر، بما في ذلك شركة "إيه أس أم أل هولدينغ أن في" القابضة (ASML Holding NV) المصنِّعة لمعدات الرقائق، وشركة بيع الأغذية "أهولد ديلهيزي أن في" (Ahold Delhaize NV)، وهو ما يشير إلى الحاجة إلى المزيد من الانتقائية في اختيار الأسهم في عالم ما بعد الجائحة.
كتب المحللون الاستراتيجيون في "باركليز" بقيادة ماغيش كومارشاندراسيكاران، وايمانويل كاو الشهر الماضي في مذكرة حول أرباح الربع الثالث من أوروبا: "لم تعزف الشركات بشكل كامل عن إعادة النظر في سياسات إعادة شراء الأسهم، بالرغم من أنَّ عددهم أقل من الشركات التي لديها سياسة نشطة لتوزيع أرباح ". وأكدوا على أنَّ "نسبة أكبر بكثير من الشركات أعادت عمليات إعادة الشراء في الربع الثالث".
وفي حين بدأ سعر الأسهم في التعافي الاقتصادي على خلفية التقدم الذي تحقَّق في صناعة لقاح ضد فيروس كورونا، فإنَّ مدى قوة العودة إلى إعادة الشراء في الأشهر المقبلة هي الآن قيد الاختبار، خاصة أنَّ الجزء الأول من العام يميل عادةً إلى كونه أكثر زخماً.
لقد كان للجائحة أثر سلبي أيضاً على أرباح الأسهم، التي تحظى بشعبية أكبر من عمليات إعادة الشراء لدى الشركات الأوروبية. وكتب محللون في مؤسسة "يانوس هندرسون" الشهر الماضي، على الرغم من أنَّ العائدات الأمريكية هي الأكثر مرونة في العالم؛ لكنَّ عمليات إعادة الشراء تحمَّلت العبء الأكبر من تحرُّكات الشركات الأمريكية للحفاظ على النقد.
العودة إلى الوضع الطبيعي
وفي ظلِّ البحث عن دخلٍ وسطَ هذا البؤس، يتناول سام ويذرو، من إدارة الأصول في مصرف "جيه بي مورغان" ما يعنيه سيناريو العودة الكاملة إلى الوضع الطبيعي لكلِّ سهم.
ويقول المدير المشارك لصناديق "جيه بي مورغان" للعائدات العالمية وأرباح الأسهم العالمية، إنَّه يبحث عن التقييمات الأكثر تشويهاً بسبب فيروس كوفيد-19. وصرَّح في مقابلة أنَّ التقييمات في أوروبا "لا تعكس توقعات انتعاش توزيعات الأرباح". ويضيف: "سنطلب جميعاً مشروباتنا المفضلة في باراتنا المفضلة، ولكن التقييمات لن تعكس ذلك".
لقد عانت الصناعات التي كانت تعدُّ في السابق مصدراً آمناً للأرباح بسبب الطبيعة الفريدة للأزمة الحالية، وعواقبها التنظيمية. وفي حين تمَّت الإطاحة بالبنوك، وشركات الطاقة في وقت مبكرٍ وسطَ ركود النفط، وتوجيهات البنوك المركزية لدعم رأس المال، فإنَّ تداعيات انقلاب وتغير سلوك المستهلك أصبحت أكثر وضوحاً أيضاً.
وكتب محلِّلو "آر بي سي كابيتال ماركتس" في مذكرة الشهر الماضي، بالرغم من أنَّه لايرجَّح أن تدفع البنوك الأوروبية أيَّ عوائد قبل النصف الثاني من عام 2021؛ فإنَّ فائض رأس مالها يحمل إمكانية ترقيات للإيرادات للسهم الواحد نتيجة عمليات إعادة الشراء، أو إعادة الهيكلة، أو عمليات الدمج والاستحواذ.
ويبدو أنَّ الأكثر تشاؤماً هو سوق المشتقات المالية، فالأرباح الآجلة لمؤشر "يورو ستوكس 50"، المنتهية في شهر ديسمبر في عامي 2021 و 2022 هي أقلُّ بنسبة 19% تقريباً من توقُّعات المحلِّلين لتوزيعات الأرباح لكل سهم. وبالرغم من الأخبار الايجابية بخصوص اللقاح، فإنَّ تداول العقود الآجلة أقل من مستوياتها في شهر يونيو، في حين تمَّ تسجيل ارتفاع المؤشر نفسه بنحو 9% في النصف الثاني.
إنَّ عملية تجريد أرباح الأسهم، هي عملية شراء الأسهم قبل الإعلان عن الدفع والبيع بعد فصلها، ويمكن أن تقدِّم للمستثمرين "بديلًا جذاباً للأسهم في عام 2021"، وهو
ما أشار إليه الاستراتيجيون في مجموعة "غولدمان ساكس"، بما في ذلك كريستيان مولر- غليسمان، في تقرير مؤرخ في 1 ديسمبر.
ويقول ويذرو من "جيه بي مورغان": "علينا فقط إعادة ضبط أدمغتنا للعودة إلى ما كانت عليه الحياة قبل كوفيد-19، لأنَّ هذا هو الواقع الذي سينتهي بنا إليه الحال في معظم الصناعات."