منع وباء "كوفيد-19" نحو ثلث الطائرات التجارية في العالم من التحليق في السماء، لكن رغم ذلك يرى بعض "خبراء الأميال الجوية" أنّ هذا الوقت قد يكون الأفضل لإنفاق أو جمع مكافأت السفر أو الأميال الإضافية من شركات الطيران. ومن هؤلاء الخبراء أجاي أوتاني، الذي أسّس في 2011 أكبر موقع إلكتروني لخدمات المسافرين في الهند، موقع "لايف فروم إيه لاونج دوت كوم" (LiveFromALounge.com). ويقول: "لا داعي للذعر، بالفعل تراجعت فرص السفر، لكن برامج الأميال الجوية لم تتأثر، فالخطوط الجوية باتت تعطي حوافز أكبر، وعلى الناس الاستفادة من هذه الفرصة، لأن الأميال لم تفقد قيمتها".
فحتى مع وجود أشخاص عالقين في منازلهم، تعلن الناقلات الجوية عروضًا لجمع الأميال بسعر أقل ثمنًا، أو تعرض استردادها مع خصومات كبيرة. من هؤلاء "الخطوط الجوية البريطانية" التي أعلنت مؤخرًا عن عرض ترويجيّ للحجز على رحلات الطيران مقابل 50 في المئة فقط من الأميال المطلوبة عادة.
ومدّد كثير من الشركات صلاحية عضوية برامج النخبة والولاء، وخفّض بعضها من الشروط اللازمة للانتقال إلى مستوى أعلى، كما ألغى بعض الشركات مدة انتهاء صلاحية النقاط. كل ذلك في ظلّ استمرار الدول بفرض القيود على دخول حدودها، وبات السفر أقلّ جاذبية بسبب إجراءات الحجر الصحي الإلزامية.
وتنبع هذه العروض من حاجة شركات الطيران الشديدة إلى كسب الأموال اللازمة للنجاة من تداعيات أزمة كورونا، إذ تُعَدّ برامج الولاء مصدرًا رئيسيًّا لإيرادات هذه الشركات. لذا أصبحت اليوم تقدّم مبادرات جديدة لأعضائها وتحاول جذب مزيد منهم.
كيف تعمل خطط الولاء؟
بينما تختلف التفاصيل من شركة طيران إلى أخرى، تدور غالبية البرامج عادة حول إنشاء تجارة مربحة بالنقاط (الأميال)، إذ تُولَد الإيرادات عن طريق بيع الخطوط للنقاط، سواء لمشغلي بطاقات الائتمان أو الفنادق أو المتاجر. ويجمعها المسافر بشكل دائم عند الشراء أو يستخدمها لحجز تذاكر طيران أو شراء سلع أخرى. وتحقق شركات الطيران ربحًا لبيعها النقاط لهذه الجهات بأكثر من التكلفة المترتبة عليها لاستردادها.
وحاليًّا، بسبب الوباء، باتت هذه البرامج تشكّل دعامة أساسية للناقلات الجوية المتعطشة إلى الأموال، التي تراها تحاول تحقيق الأرباح بكل الطرق، سواء كان بتحويل طائراتها المركونة منذ مدة إلى مطاعم على الأرض، أو ببيع عربات المشروبات للزبائن، أو عرض طائراتها في المدن.
هذه الشركات تتمثل أفضل خططها حاليًّا بحشد المتابعين الذين يتوقون إلى رحلات وترقيات ومكافئات، والذين قد يستطيعون ضخ مئات الملايين من الدولارات لشركات الطيران سنويًّا.
وفي ظل أزمة القطاع غير المسبوقة، تمكنت "مجموعة الخطوط الجوية الدولية" (IAG SA)، المالكة لـ"الخطوط الجوية البريطانية" (British Airways)، من جني نحو مليار دولار عبر بيع نقاط إلى شركة "أمريكان إكسبريس" (American Express)، فيما وضعت شركات أخرى، مثل "دلتا إيرلاينز" (Delta Air Lines) و"يونايتد إيرلاينز هولدينجز" (United Airlines Holdings) برامجها كضمان لمليارات الدولارات من القروض والسندات.
وتحقق بعض شركات الطيران إيرادات أكبر من برامج الولاء مقارنة بالرحلات الجوية، وبالتالي فإنها تعتبر شريان حياة مفيدًا عند انقسام السفر الجوي العالمي مناصفة.
وكان قسم العضوية في شركة "كانتاس الجوية" (Qantas Airways) الأسترالية أكبر مصدر للأرباح في العام المنتهي في يونيو، وتتوقع الشركة أن تحقق تلك الوحدة أرباحًا تصل إلى 600 مليون دولار أسترالي (430 مليون دولار أمريكي) بحلول يونيو 2024، وهو ما يزيد بمقدار الضعف تقريبًا على الرقم الحالي.
وقال ريكو ميركيرت، أستاذ النقل وإدارة سلسلة التوريد في كلية إدارة الأعمال في جامعة سيدني: "الناقلات الجوية الحديثة كاملة الخدمات هي شركات تعتمد على البيانات وتعتمد على برامج الولاء التي تحدث في أثناء التحليق".
وتأتي "الخطوط الجوية السنغافورية" (Singapore Airlines) و"خطوط طيران كاثي باسيفيك" (Cathay Pacific Airways) و"كانتاس" (Qantas) وشركات الطيران الأمريكية الكبرى ضمن عشر شركات طيران أو نحو ذلك تمتلك أكثر برامج الأميال الجوية قيمة، ويرجع الفضل في ذلك إلى علاماتها التجارية القوية وارتباطها ببطاقات الائتمان، وذلك بحسب مؤسسة "أو إيه جي" (OAG Aviation Worldwide) الدولية المعنية بتوفير بيانات السفر.
وقال مايور باتيل، مدير المبيعات الإقليمي لدى مؤسسة "أو إيه جي" (OAG) لليابان وآسيا والمحيط الهادي: "يظل نموذج الولاء قويًّا، فالأفراد الأكثر أهمية، والمنظِّمون سيقومون بمهامّهم دائمًا وجيّدًا، وسنرى أنهم أكثر استباقية".
ويغرق المسافرون بشكل دائم في رسائل البريد الإلكتروني التي تنطوي على رحلات مكافأة ذات أسعار مخفضة للغاية وإقامات فندقية وسلع استهلاكية ونبيذ، والهدف من ذلك هو التأكد من أنّ الإبقاء على النقاط لا يزال أمرًا مجديًا حتى عندما تكون فكرة السفر غير جيدة في الوقت الحالي.
وقالت شركة "كاثي باسيفيك" (Cathay Pacific) إنّ حركة الركاب في سبتمبر الماضي انخفضت بنسبة 98.1% مقارنة بالعام السابق.
وقال فاسو راجا، مدير الإيرادات في "أمريكان إيرلاينز" (American Airlines Group)، في مؤتمر في أغسطس: "التمكن من تحقيق الانتعاش يجلب عملاء جددًا للسفر الجوي ثم يرقيهم إلى مستويات أعلى من الولاء".
يقول باتيل، من شركة "OAG"، إنّ أحد التحديات التي تواجه شركات النقل الجوي هو إمكانية تحوّل إيرادات النقاط (برامج الولاء) لتصبح جزءًا إلزاميًّا في الميزانية العمومية لها، في الوقت الذي لا يمكن فيه التعرف على العائدات الناتجة عن إصدار تلك النقاط، حتى تُستردّ المكافآت أو تنتهي صلاحيتها.
ومع ذلك، يشجّع هذا الجانب شركات الطيران على توفير مزيد من الصفقات لإنهاء العمليات المعلقة، خصوصًا في ظل وجود عديد من الرحلات الجوية ذات السعة المنخفضة.
وأشار جون غرانت، المحلل في "OAG"، خلال ندوة انعقدت عبر الإنترنت مؤخرًا، إلى احتمالية صدور بعض العروض الجذابة للغاية بالنسبة إلى العملاء ليقطعوا أميالًا عندما يصبح السفر أمرًا متاحًا، موضحًا أنّ شركات الطيران قد تحاول تعزيز الإيرادات الناتجة عن رحلات الاسترداد، من خلال تحميل الركاب تكلفة أمور إضافية مثل خدمة اختيار المقاعد المسبق أو بدلات الأمتعة.
معيار للثقة
وتُعَدّ الرغبة في جمع الأميال مقياسًا للثقة بخطوط الطيران، وذلك كون النقاط تفقد قيمتها ما لم يرَ العملاء فرصة لاستخدامها في وقت قريب.
من جهته، قال بول جاكوبسون، كبير المسؤولين الماليين في شركة "دلتا" للطيران، إنّ أنماط الإنفاق على بطاقات الائتمان التي تحمل العلامة التجارية لـ"دلتا" تشير إلى أنّ الناس يثقون بإمكانية عودة رحلات الطيران قريبًا.
وأضاف في مؤتمر عُقد في سبتمبر: "شخصيًّا، إذا اعتقدت أن الوباء سيستمر لثلاثة أعوام ولن أتمكّن حقًّا من السفر إلى أيّ مكان، فمن المحتمل أن أحوّل نفقاتي بعيدًا عن تجميع الأميال الجوية"، فيما أفاد ستيف ساكسون، الشريك في مكتب "ماكينزي آند كو." في شنغهاي بأن أعضاء برامج الولاء وشركات بطاقات الائتمان يواجهون حاليًّا بعض المخاطر التي تتعلق بتجميع الأميال الجوية، لأن كل مجهودات جميع الأميال قد تذهب سدى في حال انهيار شركات الطيران. وأشار ساكسون إلى أنه على الرغم من ذلك حرصت شركات الطيران ضمن إعادة الهيكلة الأخيرة لها على إبقاء أرصدة نقاط العملاء ضمن هيكلتها، وذلك بالنظر إلى أن قيمة العلاقة بين العملاء وتلك الأرصدة تُعَدّ مرتفعة للحدّ الذي يمكن أن يتسبّب في نفورهم بشكل كامل في حال ألغته الشركة.
العائد من برامج الولاء
وفي ظل وجود مجال كافٍ تصبح برامج الولاء قوة طاغية بالنسبة إلى الأرباح، نظرًا إلى أنه كلما زاد عدد الأعضاء زادت حوافز الشركات لشراء النقاط من شركات النقل الجوي.
فعلى سبيل المثال حقق قسم برامج الولاء في خطوط طيران "كانتاس" هامش ربح تُقدَّر نسبته بـ28 في المئة في العام المالي المنتهي في يونيو 2020، فيما بلغ هامش الربح الخاص ببرنامج المسافر الدائم "مايليغ بلس" التابع لشركة "يونايتد إيرلاينز" 34 في المئة خلال العام الماضي، ويضم هذا البرنامج أكثر من 100 مليون عضو.
وقالت "يونايتد إيرلاينز"، في عرض تقديميّ للمستثمرين نُشر على موقعها الإلكتروني، إنّ أرباح وحدة المسافر الدائم البالغة 1.8 مليار دولار شكّلت أكثر من ربع إيرادات الرحلات الجوية.
ووصف إد باستيان، الرئيس التنفيذي لشركة "دلتا إيرلاينز"، مؤخرًا برنامج الولاء بأنه "ميزة تنافسية استراتيجية، ويُعَدّ أحد أهمّ الميزات التي نمتلكها".
كما قال إيفرت دي بوير، الشريك الإداري لدى "On Point Loyalty" الاستشارية والمتخصصة في أعمال برامج الولاء الخاصة بشركات الطيران: "للمرة الأُولى تتحدث الشركات الأمريكية الكبرى علنًا عن القيمة الفعلية لبرامجها (برامج الولاء). هذه البرامج لطالما كانت مربحة للغاية، لكنها كانت مخبأة".