يزعم أخصائيو التغذية أن أكل البيض غير صحي، فتساءلت إذا ما كان عليّ التراجع عن مقالة كتبتها عام 2016 وبينت فيها أن اعتبار البيض وبعض المأكولات الحقيقية الأخرى غير صحية دفع الناس في التسعينيات إلى اتخاذ خيارات غذائية أسوأ، ذلك أن الابتعاد عن البيض دفعهم إلى أكل المزيد من حبوب الإفطار أو كعك المافن أو فطائر البيغل الكبيرة المطلية بالجبنة الصناعية.
ولكن عندما بحثت في نتائج هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة "الجمعية الطبية الأمريكية" لم أجد أي دليل على أن أكل البيض أسوأ مما سواه من المأكولات التي عادة ما يتناولها الأمريكيون على الفطور.
لم تشتمل هذه الدراسة التي أجريت على البيض أي عينة للمقارنة بل قامت على مراقبة العلماء 30 ألف أمريكي. حيث أُجري في بداية الدراسة استطلاع عن طبيعة أكل هؤلاء الأشخاص، وتم متابعتهم لقرابة 17 سنة لتحديد من أصيب منهم بأمراض القلب ومن توفي. وتبين أن الذين قالوا في بداية الدراسة إنهم يأكلون أكثر من بيضة ونصف يومياً أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة 17 بالمئة بالمقارنة مع من لم يأكلوا البيض.
لن تغيّر هذه الدراسة من مجرى الأمور إذا ما كنت في رحلة وانتهى بي الأمر بجانب مطعم "دانكن دوناتس" (Dunkin Doughnuts) وأنا أتضور جوعاً، ذلك أني سآخذ بكل تأكيد شطيرة من البيض وأخبر رفيقي في الرحلة بأنها الخيار الأفضل من قائمة الفطور، حتى لو أصر أن "دونات" جوز الهند هي الخيار الصحي بحسب دراسة قرأها هو عن فوائد جوز الهند.
نتائج الدراسة
لنلقِ نظرةً عن كثب على نتائج هذه الدراسة عن البيض. يوضح "غاري توبس" الكاتب في مجلة "ساينس" (Science) مشكلة هذا النوع من الدراسات في هذه المقالة من عام 2012 - علماً بأنه أمضى سنوات عدة في دراسة أخطاء علم التغذية - ركز فيها على موضوع آثار تناول اللحوم على الصحة. وكانت الدراسات التي انتقدها مبنية تقريباً بذات طريقة هذه الدراسة الخاصة بالبيض.
يقول "توبس" إن هناك عدة أسباب وراء زيادة أعمار الأشخاص الذين يأكلون كميات أقل من اللحم، أولها أن الأشخاص الأكثر رفاهاً والأكثر اهتماماً بصحتهم غالباً ما يتبعون التوصيات الصحية أكثر من غيرهم، المضللة منها والصحيحة كالابتعاد عن شرب الكحول والتدخين.
ويعني ذلك أنه قد لا يكون للحوم أي ضرر ولو استمر الباحثون بالربط بين أكلها بكثرة والإصابة بالمرض. والأمر سيان مع البيض الذي كان يُعتبر غير صحي قبل 17 عاماً عندما سُئل كل من أجريت عليهم الدراسة عن أنظمتهم الغذائية.
وحتى في يومنا هذا، إذا ما دخلت إلى مقهى "ستاربكس" أكثر مقاهي الفطور الأمريكية انتشاراً، وطلبت شطيرة بوريتو مع الخضار فلن أستطيع الحصول عليها! وإذا ما أردت الشطيرة التي تحتوي على السبانخ بدل التي تحتوي على نوع من اللحم المصنع، كان أقصى ما بوسعك أن تتناول الشطيرة التي تحتوي على بياض البيض، لينتهي الأمر بمحبي الخضراوات بالابتعاد عن صفار البيض وحده. وقد نكون أصحاء لأن الخضراوات مفيدة، لا لأن صفار البيض سيئ.
رغم تشكيكي المستمر بهذه الدراسات التي تثير الرعب حول البيض، أود أن أقول إنني آكل 3 أو 4 بيضات كحد أقصى في الأسبوع، والسبب ليس رفض "ستاربكس" تقديم البيض الحقيقي والسبانخ في نفس الطبق، بل لأنني أشتري الطعام السريع فقط في حال السفر، دون أن أكترث في باقي الأيام حقًا لأكل سوشي "كاليفورنيا رول" (California rolls) المحشي بالأرز البني على الإفطار أو بقايا الدجاج بالهليون أو بودنغ بذور الشيا. إذا عشت لوقت طويل فإن السبب غالباً لن يتعلق بالبيض، بل بذوقي الانتقائي وحقيقة قدرتي على تحمل تكلفة أكل السوشي على الإفطار إذا ما رغبت به.
البدائل
إن بديل البيض واللحم المقدد في حياة معظم الأمريكيين هو حبوب الإفطار أو البانكيك مع السيروب أو الدوناتس أو المعجنات أو الشوفان، وإننا نحتاج في الحقيقة إلى دراسة تستقصي معدل الوفيات بسبب أكل 3 قطع دوناتس أو أكثر في الأسبوع.
نُشرت دراسة الشهر الماضي تشير إلى أن أكل الطعام المصنع بما فيه حبوب الإفطار يؤدي إلى الوفاة، علمًا بأنها أجريت بنفس طريقة دراسة البيض، أي دون تحديد سبب الوفاة المبكرة للأشخاص الذين يأكلون المأكولات المصنعة. ولكنني أرى في ذلك سبباً جيداً كي أتردد في الانتقال من تناول البيض إلى حبوب الإفطار من نوع "فروستد فليكس" (Frosted Flakes).
الأمر الصحيح فعلاً هو أنه عندما نظمت حملة صحية عامة ضد التدخين لحقها تحسن كبير في صحة الناس. وعندما حاول المسؤولون ذات الأمر مع الدهون والكوليسترول زادت نسبة البدانة وارتفعت نسبة الإصابة بالسكري كثيراً. ولهذا أتفق مع "توبس" بأن علم التغذية علم متقلب، والسبب ليس وجود خطأ في الطريقة العلمية، بل لأنه لا يستخدم الطريقة بأسلوب فعال ولا يبني دراساته بطريقة تساعد الناس على اتخاذ القرارات الصائبة.
يجب تحسين النصائح الصحية في نهاية المطاف، ولكن في الوقت الحالي، عندما أجد أمامي قائمة طعام سريع فإنني أراهن على أن شطيرة البيض أصح من الدونات، حتى المغموسة منها في جوز الهند المحمص. وأنا لا أنكر أنني شاركت رفيقي قطعة الدونات ذلك اليوم. فقطعة واحدة بين الحين والآخر لن تضر.