ليس غريباً أن يهتم عالم الموضة بالرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال (NFTs)، ففي صناعة مهووسة بالأصالة والحصرية، يصبح الإقبال على الرمز الذي يضمن هذه الصفات بالتحديد أمراً منطقياً تماماً.
ولكن شعورك تجاه الملابس الرقمية الموثقة من قِبل تلك الرموز المشفرة، قد يعتمد بشكل كبير على ما تشعر به تجاه العوالم الافتراضية "ميتافيرس".
مساحات افتراضية
أنفق مستشار الاتصالات في نيويورك، جوش أونغ، 500 دولار على زوج من الأحذية الرياضية الفضّية المبيعة عن طريق الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال.
وقد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قال أونغ: "قد أرغب في إضافة مزيد من العناصر التي تتماشى مع شخصيتي الافتراضية، عندما أتسكع في مضمار سباق (أتاري زد رن) أو في نادي اليخوت (بورد أبي) بمجرد فتح أبوابهما".
جاء ذلك في إشارة من الرجل صاحب الـ37 عاماً إلى الفاعليات التي تتضمن أنشطة سباق الخيل الافتراضية، وإنشاء رسوم غرافيتي رقمية.
الحياة الرقمية
المساحات الإلكترونية التي يمكن للمستخدمين التفاعل فيها بعضهم مع بعض، والمشاركة في الاقتصاد الافتراضي، هي مساحات تمتد جذورها إلى عالم ألعاب الفيديو.
ومع ذلك، فالمنافسة لا تعد الأمر الوحيد الذي يحدث في هذا المجال، إذ يقدم الموسيقيون الموجودون على أرض الواقع عروضهم لملايين الجماهير في هذا العالم الافتراضي، وتنفق الأموال المكتسبة بشق الأنفس على أرض افتراضية. كما أن شركات الموضة الكبرى تشق طريقها في هذا المجتمع الدولي الذي يضم 2.7 مليار عضو.
فعلى سبيل المثال، باعت دار الأزياء الإيطالية "غوتشي" مؤخراً نسخة رقمية من حقيبة "ديونيسوس" على منصة "روبلوكس" بنحو 4 آلاف و115 دولاراً، وهو سعر يفوق سعر السلعة المادية. كما قدمت دار الأزياء الفرنسية "بالنسياغا"، المملوكة حالياً لشركة "كيرينغ"، مجموعتها لخريف 2021 ضمن منصة ألعاب الفيديو.
وفي عام 2019، أطلقت مجموعة الموضة والأزياء الفاخرة "إل في إم إتش مويت هينيسي لويس فيتون" مجموعة كاملة من الملابس لصالح لعبة الفيديو "ليغ أوف ليجيندز" التابعة لشركة ألعاب الفيديو الأمريكية "ريوت جيمز".
عوالم افتراضية بأموال حقيقية
في مقابلة عبر البريد الإلكتروني، قال جون إيغان، الرئيس التنفيذي لشركة "لا أتيلير بي إن بي باريبا" إن الاقتصاد الافتراضي يعد "إحدى أعظم الفرص الاقتصادية لجيلنا". وأشار إلى أن هذا الاقتصاد "يمثل فرصة كبيرة للشركات العاملة في أي قطاع، مثل الرياضة والسياحة والترفيه، وخصوصاً القطاع المالي". وأوضح: "المنتجات المالية الجديدة، المصممة للحياة الرقمية، أصبحت على بعد بضعة أعوام فقط".
وقد تكون هذه العوالم افتراضية، لكن الأموال التي تدعمها حقيقية جداً. ففي أبريل أعلنت شركة تطوير ألعاب الفيديو الأمريكية "إيبك" عن جولة تمويلية بقيمة مليار دولار لدعم "رؤيتها طويلة المدى لعالم ميتافيرس".
المظاهر الرقمية مهمة أيضاً
تتوقع شركة "لا أتيلير بي إن بي باريبا" أن ينمو الإنفاق داخل الألعاب على عناصر مثل الملابس الرقمية وترقيات الشخصية الافتراضية إلى 129 مليار دولار في عام 2021، بعد أن كان الإنفاق عند 109 مليارات دولار فقط في عام 2019.
جدير بالذكر أن الدفع مقابل البنود الرقمية التجميلية البحتة ليس فكرة جديدة، فاللاعبون يشترون إضافات مثل الملصقات أو دروع الشخصية منذ منتصف الألفينيات على الأقل.
وقد أسهمت شهور من الاجتماعات الافتراضية الناتجة عن الوباء، وعقد ونصف من وسائل التواصل الاجتماعي، في استثمار كثير منا في المظهر الجيد على شبكات الإنترنت.
فقد تعرف بالفعل شخصاً أنفق مبلغاً مكوناً من ثلاثة أرقام على مجموعة مختارة من خلفيات برنامج الاجتماعات الافتراضية "زووم"، أو على الإضاءة الدائرية التي تضيء الوجه بشكل أفضل على الشاشة.
يمكنك التفكير أيضاً في الموضة الرقمية كخطوة إضافية على هذا المسار الرقمي، إذ تسهم الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال في تحويل الملابس الرقمية من أحد أشكال التسويق المتطور إلى عناصر مصممة قابلة للتداول. ويمكن ضمان الملكية والأصالة والندرة من خلال تسجيل ملكية أحد الأصول على تقنية "بلوكتشين".
عملاء جدد
كذلك تجتذب هذه الرموز المشفرة عملاء جدداً. وعن ذلك قال الدكتور أنغيل تشونغ، المحاضر الأقدم في الشؤون المالية لدى المعهد الملكي للتكنولوجيا بملبورن، إن العلامات التجارية "لن تكون قادرة على الوصول إلى عملائها الحاليين فحسب، بل يمكنها أيضاً الاستفادة من مجموعة جديدة من المستثمرين المهتمين بمجال الـ(بلوكتشين) أكثر من شركات الرفاهية".
في مارس الماضي، أخبرت دار الأزياء "غوتشي" مجلة "فوغ بيزنس" أنها "مسألة وقت فقط" قبل دخول دور الأزياء الكبرى في مجال الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال.
وقد باعت دار الأزياء مؤخراً مقطع فيديو كرمز مشفر غير قابل للاستبدال، مدته أربع دقائق، في دار مزادات "كريستيز" مقابل 25 ألف دولار.
لكن العلامات التجارية الأصغر حجماً تمضي إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فشركة "آر تي إف كيه تي" (RTFKT)، التي ينطق اسمها مثل كلمة "artifact"، تعتبر المرشح الأوفر حظاً للأزياء الافتراضية، إذ باعت نحو 600 زوج من الأحذية الرياضية الرقمية مقابل 3.1 مليون دولار في سبع دقائق فقط في فبراير.
واستطاعت "آر تي إف كيه تي"، التي أسسها كريس لو وبينوا باجوتو وستيفن فاسيليف، جمع 8 ملايين دولار في جولة تمويلية بقيادة شركة "أندريسن هورويتز". وتعاونت مع شركة "أتاري" و"إلكترونيك آرتس"، بالإضافة إلى تعاونها مع أحد المتبنّين الأوائل لفكرة الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال والوريثة باريس هيلتون.
الموضة الرقمية
بشكل غير عادي، تمنح الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال التابعة للشركة مالكَها زوجاً من الأحذية المادية وكذلك قطعة رقمية، وهو ما يجذب هواة الجمع المحتملين بشكل أكثر. ولدى "آر تي إف كيه تي" أيضاً شراكة مع "سناب شات"، التي يُسمح بموجبها للعملاء بارتداء أحذيتهم الرياضية الرقمية من خلال تقنيات "فلاتر" التطبيق.
قال كريس لو، في مقابلة: "أؤمن بمستقبل يشكل فيه الواقع المعزز جزءاً كبيراً من المجتمع، فستخرج إلى الشارع وترى الناس يرتدون ملابس رقمية".
وبالنسبة إلى بعض المصممين، تعد الموضة الرقمية فرصة لنشر التصاميم المعقدة وذات الخيال الجامح، التي يصعب تبنيها في العالم الحقيقي. ففي عالم "ميتافيرس" لا يوجد ما يمنعك من صُنع وبيع أحذية تبدو وكأنها محترقة، أو سترة بطوق معلقّ في الهواء.
تقول ميكايلا لاروسي، رئيسة المحتوى والاستراتيجية لدى "ذا فابريكانت": "الأمر يتعلق باستكشاف أجزاء من هويتك وربما التعبير عن جوانب من شخصيتك لم تكن موجودة عادةً ضمن عالمك الحقيقي". جدير بالذكر أن "ذا فابريكانت" هي دار أزياء رقمية باعت فستاناً عبر تقنية الـ"بلوكتشين" مقابل 9.5 ألف دولار في عام 2019.
مجال مُتنامٍ
بالنسبة إلى اللاعبين الآخرين، مثل "نيونو" (Neuno)، وهي سوق رقمية تختص بالرموز غير القابلة للاستبدال في مجال الأزياء، فالأمل في إعادة تحديد الأشياء ذات القيمة. وهي المنصة التي باع من خلالها المؤسس المشارك لـ"تويتر" جاك دورسي مؤخراً تغريدة لأول مرة عبر مزاد. ويمكن أن تتغلب "نيونو" على المنافسين من خلال العمل مباشرة مع المصممين والسماح للعملاء بالدفع باستخدام بطاقات الائتمان وكذلك العملات المشفرة.
كذلك هناك موقع "دريس إكس" (DressX)، الذي يبيع في الغالب الملابس الرقمية غير التابعة للرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال، وهو يضم حالياً 70 مصمماً على منصته. ويقول "دريس إكس" إن المبيعات تتضاعف كل شهر منذ أكتوبر 2020.
فائدة محدودة
وعلى الرغم من أن الملابس الرقمية يمكن أن تعزز حدود المظاهر والأعمال التجارية، فإن فائدتها محدودة، حتى على الإنترنت.
ومع أنه يمكن للمالكين التفاعل مع الملابس الافتراضية عبر الواقع المعزز على هواتفهم الذكية أو في هيئة شخصياتهم في بعض الألعاب، فإن العالم الافتراضي ليس دائماً مكاناً يقبل المشاركة، فلا يمكن استخدام الملابس المتوافقة مع لعبة "فورتنايت" في لعبة "ديسنترالاند" أو العكس.
ووفقاً لماثيو بول، الشريك الإداري في شركة الاتصالات "إبيليون"، ستتضح تفاصيل عالم "ميتافيرس" الافتراضي مع مرور الوقت، وسيتطلب الأمر "عدداً لا يحصى من التقنيات والبروتوكولات والشركات والابتكارات والاكتشافات الجديدة".
حالياً، يبقى أن نرى ما إذا كانت العوالم الإلكترونية العديدة الموجودة اليوم يمكن أن تندمج في مساحة واحدة متسقة لاحقاً، خصوصاً عند النظر إلى النهجين الإلكترونيين الصيني والأمريكي حيال الإنترنت، المختلفين جداً.
ومع ذلك فإن مشتري الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال لا يشعرون بأي قلق. فقد قال إيغان، من "لا أتيلير": "الناس يقدرون السلع الافتراضية بشكل متزايد، كما يقدرون سلع العالم الحقيقي تماماً، وبالتالي يمكن للرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال محاكاة هذا الشكل من الملكية التقليدية تقريباً".
وأضاف: "نظراً إلى أن هذه الرموز قد تلعب دور التوأم الرقمي لملابس حقيقية، إذ يمكنها إثبات الأصالة والمصدر، فإن العلامات التجارية مثل (لويس فيتون) و(نايكي) تستثمر حالياً بنشاط في تقنية البلوكتشين".