ماذا يمكن للبشر تعلّمه من الحيوانات حول التعايش مع التوتر؟

أحياناً يكون من الصعب السيطرة على مشاعرنا وعدم الفزع. دراسة جديدة تبحث تأثير التوتر على صحتنا من خلال بحث سبل تعامل الحيوانات مع التوتر.  - المصدر: بلومبرغ
أحياناً يكون من الصعب السيطرة على مشاعرنا وعدم الفزع. دراسة جديدة تبحث تأثير التوتر على صحتنا من خلال بحث سبل تعامل الحيوانات مع التوتر. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بالأخذ في الاعتبار، كم يمكن أن يكون التوتر النفسي سيئاً بالنسبة لأجسامنا. فإن التوتر لا يزال يشكّل مفهوماً محيراً بالنسبة لنا.

فما الذي قد يكون أكثر خطراً على الصحة، كثرة العمل أم قلته؟ وكذلك الأمر بالنسبة لتحمّل المسؤوليات الكثيرة مقابل الشعور بالملل.

وقد نجم عن جائحة كورونا الكثير من التوتر، عانى منه حتى الأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس. ولم يتضح بعد إلى أي مدى أثّر الانعزال القسري أو الخوف أو فقدان الوظائف على صحتنا.

دراسة الحيوانات

لكن العلماء بدؤوا يحددون أنواع التوتر التي تُلحق بنا أضراراً جسدية، من خلال دراسة أجناس أخرى.

ولا نعني هنا فئران المختبرات فحسب، بل أيضاً الأنواع المختلفة من الحيوانات، بدءاً من الحيتان إلى الإغوانة وحتى الأسماك. وقد مكنتنا هذه البحوث من فهم بعض الأذى الذي ألحقناه بهذه المخلوقات بسبب الأسر والتلوث والضجيج تحت الماء. كما أن هذه الدراسات قد تمهد لنا الطريق أيضاً لنفهم الأذى الذي نتسبب به لبعضنا البعض.

ما هو التوتر؟

قبل عقود، أشار العلماء إلى نظرية بقيت موضع شكّ، حيث ربطوا ما بين التوتر النفسي والشخصيات من نوع "أيه" (Type A)، وهم الأشخاص الذين يحاولون فعل الكثير.

إلا أن جزءاً كبيراً من تلك البحوث التأسيسية كانت ممولة من قبل قطاع التبغ، حيث صدرت الدراسة في منتصف القرن العشرين, في ظلّ الارتفاع الكبير في الإصابة بأمراض القلب بالولايات المتحدة بالتوازي مع ارتفاع نسب التدخين.

حينها روجت هذه الدراسة الممولة من قبل قطاع التبغ، لفكرة أن التدخين ليس هو المسؤول عن الوفيات، بل يرجع ذلك لأسلوب حياتنا "العصري" المترافق مع السمات الشخصية والسلوكية للنوع "أيه".

ولكن لم تصدر أي دراسة أخرى موثوقة تربط ما بين أمراض القلب والسلوكيات والسمات الشخصية للنوع "أيه".

مع ذلك، على مرّ السنوات، رأى علماء آخرون أن هذه الدراسة ربما تحوي أمراً قيماً لابدّ من استكشافه.

وقال مايكل روميرو، الباحث البيولوجي في جامعة "تافتس": "كان من الصعب جداً تعريف التوتر النفسي لدرجة أن الناس اقترحوا أن يتم التخلص من هذه الكلمة في مجال العلوم". وأضاف: "لسنوات طويلة، كان الناس يسألون ما هي الاستجابة للتوتر, إنها شيء يطلقه الجسم كردة فعل على محفز ضار يسمّى عامل التوتر". متابعاً: "ما هو عامل التوتر؟ إنه أمر يسبب حدوث الاستجابة للتوتر". حسناً، هذا التعريف يضعنا في حلقة مفرغة.

مسببات بيئية

أفاد "روميرو" أيضاً أن أمراً خطر له في بداية حياته المهنية، حين سافر إلى القطب الشمالي، وهو مكان رطب وبارد ويبدو أنه يسبب التوتر.

ولكن على الرغم من أن التجربة سببت له التوتر، إلا أن الحيوانات الأصلية التي تعيش هناك لم يبدُ عليها الانزعاج، بل كانت متكيفة مع الحياة في هذه البيئة.

الفهم الحديث للتوتر يُرجعه إلى الظروف البيئية أكثر من الظروف السلوكية. ويقول "روميرو" إن التوتر غير الصحي الذي تعاني منه الحيوانات، ينجم عن الأحوال الجوية المتطرفة مثل العواصف والفيضانات، أي الأمور التي تفوق ما هي متكيفة معه.

أمّا مسببات التوتر الكبرى الأخرى، فتشمل الحيوانات المفترسة والجوع والأمراض المعدية والنزاعات الاجتماعية والتغيرات البيئية الناجمة عن الأنشطة البشرية، كالتلوث الكيميائي والتلوث بالضجيج على سبيل المثال.

هرمونات

قبل بضع سنوات، درس "روميرو"، "الإغوانة" البحرية في "غالاباغوس"، بعد أن نجت مجموعة منها من تسرب نفطي هائل.

وتبين أن "الإغوانة" التي سُجلت، لديها أعلى مستويات هرمون التوتر، كانت تلك التي تزيد احتمالية نفوقها بعد بضعة أشهر.

بينما أظهرت دراسة أخرى أجريت على الأسماك، أن تلك التي تعيش في مجرى تسرب من أحد المناجم، سجلت تغيرات هرمونية ترتبط بالتوتر أيضاً.

وفي دراسة "روميرو" المفضّلة حول التقنيات المتعلقة بالتوتر، قاس العلماء مستويات هرمون التوتر لدى الحيتان الشرقية باستخدام كلاب تشمّ البراز الجديد للحيتان، والذي يحوي على هرمونات التوتر (يبقى البراز عائماً لمدة ساعة).

وأظهرت هذه الدراسات، أن الضجيج وشبكات الصيادين تسببان التوتر للحيتان. بينما انخفضت معدلات التوتر لدى الحيتان بشكل كبير في الأيام التي توقفت فيها مؤقتاً حركة السفن إثر هجمات 11 سبتمبر.

الدور الإيجابي

ويقول "روميرو"، إن هرمونات التوتر هي عبارة عن مفاضلة ضمن عملية تطور الكائنات، حيث يمكنها أن تنقذ حياة المخلوقات في الأوقات الحرجة من خلال توجيه الطاقة للقيام بردة فعل سواء للقتال أو الهرب.

ويشرح أن معظم الأمراض المرتبطة بالتوتر تتصل بمشاكل في تنظيم هرمون الكورتيزول، والذي هو مضاد للالتهابات.

ويمكن لهذا الأمر أن يكون مفيداً، فتذكر أن العقار الأكثر فعالية في علاج الإصابة الحادة بفيروس كورونا هو مضاد الالتهاب "ديكساميثازون".

ومع ذلك، يمكن للمواد المضادة للالتهابات أن تتسبب هي ذاتها في تثبيط جهاز المناعة، بالتالي فإن عدم الاتزان في الكورتيزول على المدى الطويل قد يجعل الحيوانات أكثر عرضة للفيروسات والبكتيريا والطفيليات.

كذلك، يمكن للتوتر أن يساعد الحيوانات من خلال تخفيض خصوبتها في الأوقات غير المناسبة للتكاثر، مثلاً حين لا يكون الطعام متوفراً.

وقد تم توثيق مثل هذه الحالات لدى البشر أيضاً، فالنساء اللواتي نجين مؤخراً من مجاعة، أو تحررن من مراكز الاعتقال، يستبعد أن يحملن.

مصدر التوتر

وفي خِضم ذلك، توجد فكرة تحظى بشعبية وهي "الجانب المضيء للتوتر"، وهي أيضاً عنوان لأحد محاضرات "تيد" ولكتاب، لقيا إقبالاً واسعاً. وهما لعالمة نفس، تقول، إنها كانت مخطئة حين نصحت مرضاها في السابق بتجنب التوتر.

المشكلة في هذه النظرية تكمن في أنه في حال كان مصدر التوتر، هو أمرٌ يمكن للناس تجنبه بالفعل، فهو على الأرجح لن يكون نوع التوتر ذاته الذي يؤدي إلى مقتل الحيتان والإغوانة وربما البشر أيضاً.

التعايش

التحفيز، التحدي، الحماس، ربما هي أمور نكون نحن البشر قد تكيفّنا للتعايش معها، تماماً مثلما تكيفت المخلوقات القطبية مع الحياة في البرد القارس.

فقد عرفت من العالمة البيولوجية "لوري مارينو"، أن نقص التحدي يسبب أيضاً التوتر والمرض للثدييات البحرية التي تعيش في الأسر.

إذ تقول "مارينو"، إن الناس كانوا يعتقدون أن هذه الثدييات تعيش حياة "الرفاهية"، حيث تحصل على الطعام بوفرة وتحظى بالأمان، وليست مضطرة للعمل ما عدا الأداء في العروض. مع ذلك، كانت تموت بسبب إصابتها بأمراض معدية أكثر بكثير من نظيراتها في البرية، على الرغم من أنها تعيش في مياه نظيفة ونقية.

بحسب العالمة "مارينو"، فإنه من الواضح أن هذه الحيوانات كانت تعاني نفسياً. فمعروف أن دلافين "أوكرا" تضرب رأسها بالجدران وتحطم أسنانها حين تكون في الأسر. وقالت "يصبح الوضع لا مفرّ منه، هي فعلياً تموت من الضجر".

التطور

على الرغم من تراجع عدد الحيوانات التي يتم أسرها اليوم، إلا أن تلك التي تولد في الأسر هي الأخرى تعاني من التوتر.

صحيح أنها لم تختبر نوعاً آخر من الحياة، إلا أن عملية التطور جعلتها تميل للعيش في المحيط الواسع محاطة بأبناء جنسها وليس مأسورة في عزلة، داخل بركة ما.

الدرس الذي يجب أن نتعلمه، هو أنه لا يكفي أن نطلب من الناس التركيز على الأمور الإيجابية أو تفادي التوتر، الذي يبدو أنه متجذر في العوامل البيئية أكثر من السلوكية.

فقد لا تشعر بالتوتر حين تعمل 80 ساعة في الأسبوع، إذا كنت تحب عملك. وإذا كنت تكره عملك، يمكنك أن تتجنب واحداً من مصادر التوتر عبر الاستقالة، ولكنك قد تستبدل ذلك بالتوتر الذي سينجم عن الضائقة المالية التي قد تعاني منها.

مع ذلك، ربما يمكن لهذه الحيوانات أن تقودنا نحو طرق نغيّر من خلالها الطريقة التي نتعامل فيها مع بعضنا البعض. بالتالي، يمكننا أن نساعد بعضنا على تجاوز ما تبقى من هذا الوباء، ونكون أقل هشاشة حين يحلّ الوباء التالي.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة