افتتحت اللجنة الأولمبية الدولية أوَّل سلسلة لها للمنافسات الافتراضية خلال الشهر الحالي، إذ تستمر الألعاب التنافسية لأكثر من شهر عبر محاكاة ألعاب الفيديو للبيسبول، والتجديف، والإبحار، وركوب الدراجات، ورياضة السيارات.
يأتي هذا فيما يبدو أنَّه احتضان من اللجنة الأولمبية للرياضات الإلكترونية، إذ تستعد المنظمة لاستضافة أولمبياد 2020 المؤجل، وسط سحابة من الشكوك المتعلِّقة بالسلامة في ظل جائحة "كوفيد-19". وتتيح اللجنة للمنظِّمين الترويج للألعاب الصيفية دون المخاطرة بصحة الرياضيين، إذ تعتمد على العديد من الأهداف الرئيسية للأجندة الأولمبية التي تمَّ تبنيها مؤخراً، بما في ذلك حثها الصريح على "زيادة المشاركة مع مجتمعات ألعاب الفيديو".
بطولات إلكترونية
من بين هذه المجموعات من الألعاب والرياضات، تعدُّ الرياضات الإلكترونية نوعاً راسخاً يقدَّر بمليارات الدولارات، وذلك مع اقتراب جمهورها من نصف مليار شخص في عام 2021، وفقاً لتقديرات "نيوزو" لتحليل الألعاب والرياضات الإلكترونية، وأبحاث السوق. كما توفِّر منصة "تويتش" التابعة لشركة "أمازون" نظاماً لا نهائياً من الألعاب، التي يتمُّ بثها مباشرة لملايين المشاهدين يومياً، سواء كانت تنافسية أو غير رسمية.
وبالمثل، تستضيف لعبة "دوتا 2" من إنتاج شركة "فالف" بطولة سنوية يتمُّ من خلالها تقديم جائزة سنوية مموَّلة من جمهور اللعبة، التي ستتجاوز 40 مليون دولار هذا العام. ويمثِّلون هؤلاء على وجه التحديد الجمهور الشاب والمتحمِّس الذي تريد اللجنة الأولمبية الدولية التقرُّب منه، إذ تُعدُّ سلسلتها الافتراضية في محاولة للوصول إليه.
وقال توماس بيورن-لوثي، الخبير في رياضة الإبحار الإلكترونية والمعلِّق: "إنَّها أول خطوة صغيرة في مسار استراتيجي أكبر"، مضيفاً أنَّ "المحاكاة الرياضية ستكون جزءاً أكبر من أساليب تدريب بعض الرياضيين في المستقبل".
ولا تختلف المهارات المطلوبة في أعلى مستويات الألعاب الاحترافية الإلكترونية عنها في الرياضات التقليدية، من ناحية الحاجة إلى التدريب، والتركيز، والسرعة، والقدرة على التحمُّل. لكن اللجنة الأولمبية الدولية ليست مستعدة بعد للغوص بشكل كامل في عوالم الخيال للألعاب، مثل: "دوتا"، و"ليغ أوف ليجيندز"، إذ يخوض المستذئبون، والسحرة، والمخلوقات الأسطورية الأخرى معارك كبرى. كما تركِّز اللجنة في هذه المرحلة على محاكاة الرياضات الافتراضية، الأكثر واقعية، في حلٍّ أكثر وسطية للتقرُّب من هذا المجتمع.
من ناحيتهم، قال المنظِّمون في إعلانهم: "تخلق سلسلة المنافسات الأولمبية الافتراضية مسرحاً لربط العالم الرياضي المادي بالواقع الافتراضي". وأضافوا أنَّه سيتمُّ تنظيم كل حدث "بشكل يزيد من المشاركة الجماهيرية عبر الإنترنت، ويعطي الأولوية للشمولية والمشاركة"، مع قدرة اللاعبين على المشاركة، والانضمام للألعاب من المنزل.
الرياضات الافتراضية
لم تكن الحاجة إلى الترفيه الافتراضي من خلال محاكاة الرياضات الواقعية أكثر إلحاحاً في أيِّ وقت مضى. إذ تخضع طوكيو حالياً، المدينة المضيفة للأولمبياد، لحالة طوارئ لوقف انتشار فيروس كورونا. وتظهر استطلاعات الرأي المحلية أنَّ أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع يفضِّلون إلغاء الأولمبياد كلياً، كما اجتذبت عريضة بهذا المعنى ما يزيد عن 330 ألف توقيع. وكان فريق سباقات المضمار، والميدان الوطني الأمريكي ألغى معسكره التدريبي المخطط له في محافظة "تشيبا" اليابانية بسبب مخاوف تتعلَّق بالسلامة.
وتشمل الحجج الداعمة لإلغاء الألعاب عدم المساواة في الوصول إلى التدريب والاستعداد بين الرياضيين الدوليين، بسبب التفاوت في كيفية تعامل كل دولة مع الوباء. هناك أيضاً حاجة إلى تكريس طاقم طبي لهذا الحدث، الذي يمكن لطوكيو نشره وتوظيفه بشكل أفضل لمكافحة الوباء. ويخشى الخبراء من أنَّ تدابير العدوى غير الكافية قد تؤدي إلى إقامة حدث ضخم لنشر الفيروس بسرعة فائقة، إذ من المتوقَّع أن يتجمَّع أكثر من 60 ألف شخص بين رياضيين، أو منسِّقين للمشاركة في الألعاب.
من جهة أخرى، تكمن جاذبية سلسلة الألعاب الأولمبية الافتراضية في كونها تتجنَّب تلك المشكلات من خلال منح المنافسين ساحة لعب آمنة ومنصفة تلتزم بشكل وثيق بالعقيدة الأولمبية المتمثِّلة في توسيع نطاق الوصول والمشاركة.
أولمبيات عبر الفضاء
ناتسوكي ماتسورا، وهو بحَّار يبلغ من العمر 39 عاماً، وجد نفسه في غمار هذه الرياضة افتراضياً، بعد إغلاق نادي اليخوت التابع لشركته بسبب تفشي الفيروس، يقول: "ينمو مجتمع الإبحار الإلكتروني بسبب رياح "كوفيد-19" الدافعة له". وسيشارك ماتسورا في سلسلة الألعاب الأولمبية الافتراضية، ويعتقد أنَّ التعرُّض الأوسع الذي توفِّره الأولمبيات لهوايته سيساعد في جلب المزيد من اللاعبين.
وفي سياق متصل، ستوفِّر ألعاب، مثل لعبة البيسبول من إنتاج شركة "كونامي"، ولعبة "غران تورزمو" الشهيرة من مطوِّرة الألعاب "بوليفني ديجيتال"، الساحات للرياضات الافتراضية الخاصة بكلٍّ منهما. ومن المرجَّح أن تجتذب تلك الألعاب حشداً من المشاهدين الجدد، حتى لو لم تكن هناك ميداليات أولمبية على المحك حتى الآن. وقالت اللجنة الأولمبية الدولية، إنَّها تأمل في توسيع سلسلة المنافسات الأولمبية الافتراضية لتتمَّ عبر الأقمار الصناعية خلال أولمبياد "باريس 2024"، وما بعد ذلك.
وأخيراً، فإنَّه من المقرر أن تنطلق المنافسات الافتراضية لهذا العام في أواخر يونيو، وتستمر حتى 23 يونيو، لتلحق بها الألعاب الأولمبية بعد شهر في 23 يوليو 2021.