شهدت شركة "بوكينغ هولدينغز" قفزة كبيرة في أعداد الغرف المحجوزة في الربع الأول من هذا العام مقارنة بنهاية العام الماضي. وهو ما يدل على أن أكبر وكيل سفر عبر الإنترنت في العالم يستفيد من الطلب المكبوت، والذي بدء بالظهور مع تلقيح المزيد من الأشخاص وتطلعهم لقضاء العطلة.
وبعد عام من انخفاض الإيرادات غير المسبوق بسبب عمليات إغلاق البلاد والحدود، تأمل "بوكينغ" في تباطؤ معدلات الإصابة بـ"كوفيد-19" بشكل يكفي لإنقاذ الازدهار في فصل الصيف في الوقت المناسب.
فقد شهدت الشركة انخفاضاً سنوياً في أعداد الغرف المحجوزة بنسبة 20% فقط في الربع السنوي المنتهي في 31 مارس، حيث بدأ المسافرون في وضع خطط الإجازات للعام المقبل. بينما انخفضت أعداد الغرف المحجوزة بنسبة 60% في الربع الرابع من العام الماضي.
مع ذلك، لا يزال "كوفيد" يلقي بثقله على نتائج الربع الأول للشركة التي تتخذ من نورواك بولاية كونيتيكت بالولايات المتحدة مقراً لها. فقد أعلنت "بوكينغ"، في بيان حديث، تراجع الإيرادات بنسبة 50% عن العام السابق لتبلغ 1.14 مليار دولار، وهو ما يتماشى مع متوسط تقديرات المحللين البالغة 1.16 مليار دولار.
كما انخفض إجمالي حجوزات السفر بنسبة 4% فقط لتصل إلى 11.9 مليار دولار. وذلك مقارنة بتوقعات المحللين البالغة 10.3 مليار دولار، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرغ".
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، غلين فوغل في البيان: "شهدنا علامات مشجعة على تحسن اتجاهات الحجز في الربع الأول، والتي استمرت حتى أبريل بقوة ملحوظة في الولايات المتحدة".
تحدي عام 2020
وكان تأثير جائحة فيروس كورونا، الذي تسبب في إغلاق معظم أنحاء العالم العام الماضي، مدمراً على صناعة السفر. فقد شهد موقع "بوكينغ" انخفاضاً في أعداد الغرف المحجوزة بنسبة تصل إلى 85%. وهو ما أجبره على تسريح آلاف العاملين وطلب المساعدات الحكومية. كما شهد أيضاً استراحة قصيرة في السفر المحلي خلال الصيف الماضي، لكن ارتفاع حالات الإصابة بكورونا في الخريف والشتاء أدى إلى فرض قيود جديدة. وفي الوقت نفسه، كان السفر الدولي مستحيلاً، إذ أغلقت العديد من الدول حدودها وتم فرض حجر صحي صارم عند الوصول لأراضيها.
ورغم كل هذا، كان المستثمرون يشعرون بالتفاؤل بشأن احتمالات تعافي القطاع، الأمر الذي دفع أسهم قطاع السفر إلى مستويات أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الوباء، مع الرهان على عالم ما بعد "كوفيد".
ويتوقع المدير المالي للشركة ديفيد جولدن، تحسن حجوزات الغرف في الربع السنوي الحالي، مشيراً إلى تراجع أعداد الغرف المشغولة بنحو 43% في أبريل مقارنة بمستويات 2019، لتسجل بذلك تحسناً عن مستويات مارس.
وفي مؤتمر عبر الهاتف بعد إعلان النتائج، أوضح جولدن أن الانتعاش كان مدفوعاً بالسفر المحلي، حيث كانت الحجوزات الفندقية قوية في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، بينما لا تزال الدول الأخرى، مثل الهند، تكافح.
أوروبا تتأخر في العودة
وسجلت حجوزات الغرف تراجعاً بأكثر من 50% في أوروبا، بينما كانت آسيا أقل المناطق انتعاشاً على مستوى العالم، وفقاً لجولدن.
وامتنع المسؤولون التنفيذيون عن تقديم توقعات رسمية للفترة الحالية نظراً لاستمرار حالة عدم اليقين حول تفشي الوباء وتوزيع اللقاحات.
وقال الرئيس التنفيذي فوغل، خلال المكالمة: "شكل ووقت التعافي الكامل للسفر لا يزالان غير مؤكدين"، فالأمر يعتمد كلياً على السفر الدولي. وأضاف: "العديد من الحكومات قد تكون حذرة في رفع تعليق السفر الدولي بشكل كامل لبعض الوقت".
وكان مسار تعافي "بوكينغ" متخلفاً عن منافسيها "اٍكسبيديا" و "إير بي إن بي" نظراً لوجودها بشكل أكبر في أوروبا، التي شكلت تاريخياً 60% تقريباً من إيراداتها. والواقع أن بطء طرح اللقاحات في أوروبا واستمرار تفشي الوباء كانا سبباً في خفض بعض المحللين لتوقعات العام المقبل.
وفي مقابلة قبل إعلان النتائج، قال كيفن كوبيلمان، كبير المحللين في مصرف "كووين" (Cowen): "كان تعافي أوروبا أبطأ من المتوقع، ولهذا السبب خفضنا تقديراتنا لعامي 2021 و2022".
في الوقت الراهن، حصل 18% من البالغين في أوروبا على جرعة واحدة على الأقل من اللقاح المضاد لكورونا، مقارنة بأقل قليلاً من 40% في الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق، يقدر كوبيلمان أن "بوكينغ" لن تسجل تعافياً كاملاً حتى عام 2023.
ما بعد كورونا
ويتوقع محللون وخبراء آخرون في الصناعة أن تشهد "بوكينغ" انتعاشاً قريباً. وجدير بالذكر أن "بوكينغ" تدير علامات تجارية كبرى مثل "برايس لاين" (Priceline) و "كاياك" (Kayak) و "أجودا" (Agoda).
وقد شهد موقع الحجوزات "بوكينغ دوت كوم"، العلامة التجارية الرئيسية للشركة، انتعاشاً حاداً في تنزيل التطبيق في أمريكا الشمالية وأوروبا في الشهرين الماضيين. وهو ما قد يكون علامة على انتعاش قوي، حسبما قال محلل "بلومبرغ إنتليجنتس" مانديب سينغ.
في ظل زيادة وتيرة انتعاش السفر، تتطلع الصناعة عن كثب إلى قطاع الإقامة البديلة، حيث يختار المسافرون قضاء العطلات في المنازل المستأجرة على الفنادق التقليدية بشكل أكثر من أي وقت مضى.
كما ساهمت حركة العمل عن بُعد في قيادة سكان المدن الأمريكية إلى القرى الجبلية والمدن الشاطئية حتى يستطيعوا قضاء عطلات ذات تباعد اجتماعي والإقامة لأشهر. وهي ظاهرة استفادت منها وحدات تأجير المنازل للعطلات في "إير بي إن بي" و "اٍكسبيديا"، فضلاً عن "فربو" (Vrbo)، الذي يتمتع بحصة سوقية أكبر في أمريكا الشمالية.
وتستحوذ منازل العطلات والشقق وأماكن الإقامة غير الفندقية على أكثر من 6.5 مليون اسم مدرج عبر مواقع "بوكينغ"، وشكلت حوالي 30% من الغرف المحجوزة العام الماضي.
ويعتزم المسؤولون التنفيذيون للشركة زيادة عروض تأجير المنزل بالكامل عبر "بوكينغ" في الولايات المتحدة من خلال جذب مضيفين من "إير بي إن بي" و "فربو".
وقد سجلت "بوكينغ" خسارة معدلة قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك بقيمة 195 مليون دولار، بينما توقع المحللون خسارة قدرها 161.3 مليون دولار. وكانت الخسارة المعدلة تبلغ 5.26 دولاراً للسهم، بينما توقع المحللون خسارة قدرها 5.97 دولاراً.
كما تحركت أسهم "بوكينغ" بشكل طفيف في تداولات ما بعد الإغلاق عند مستوى يبلغ 2,337.92 دولار، ومنذ بداية العام حققت أسهم الشركة مكاسب بنسبة 5.4%.