من الواضح أن سيارة "بورش تايكان" تُباع بسرعة خيالية في وكالات بيع السيارات، وأن عملية شحنها بالكهرباء هي أسرع من لمح البصر؛ إلا أنكم ربما لم تسمعوا كثيراً عن الميزة الأكثر أهمية في هذه السيارة الكهربائية الأحدث من الشركة التي يقع مقرها الرئيسي بمدينة شتوتغارت، في ألمانيا.
فمقابل مبلغ 474 دولاراً يُدفع مقدماً، أو 12 دولاراً في الشهر، ستقوم شركة "بورش" من مقرها الرئيسي بتشغيل ما تسميه "مدير النطاق الذكي"، وهو تحديث عن بعد لبرنامج، يحد من السرعة القصوى، ويُعدِّل نظام الملاحة في السيارة لتمديد المسافة التي ستقطعها عند كل عملية شحن.
عالم من الاشتراكات
وفي هذه الحالة، فإن النتيجة ليست مثيرة للاهتمام بقدر كيفية تحقيق ذلك. فمن خلال الاقتداء بـ "تسلا"، تتعامل "بورش" أخيراً مع جهاز الكمبيوتر الخاص بها، والذي يبلغ وزنه 2,267 كيلوغراماً، بوصفه نظام تحليل إحصائي (SAS)؛ حيث تسوِّق لمواصفات مثل اشتراك "نتفلكس" أو أيٍ من الهدايا الإضافية في لعبة فيديو، لذلك استعدوا لرؤية المزيد.
وفي هذا الصدد، يقول كارل براور، المحلل التنفيذي في شركة "iSeeCars.com": "إنه عالم الاشتراكات، ونحن نعيش فيه فقط؛ حيث يمكن أن يكون هناك العشرات، بل المئات، من الإمكانات الفريدة التي قد تملكها أو لا تملكها قريباً، اعتماداً على ما تدفعه كل شهر كاشتراك".
وتعمل معظم شركات صناعة السيارات الكبرى على وضع استراتيجية لبيع الترقيات عبر تحديثات البرامج عبر الهواء؛ حيث ستبدأ مجموعة منها في الظهور خلال الأشهر القليلة المقبلة، وذلك بدءاً من السيارات الفاخرة.
ذكاء المركبات
وتعليقاً على الموضوع قال كجيل غرونر، الرئيس التنفيذي لشركة "بورش كارز نورث أميركا"، لـ"بلومبرغ" مؤخراً: "في حال لم تكن لديك ميزات رقمية، فأنت لست على شاشة الرادار، أي أنك تصبح غير ذي صلة".
علاوةً على ذلك، أكدت شركات "أودي"، و"بي إم دبليو"، و"لكزس"، و"ميرسيدس" أن هذه الخيارات ستظهر على المركبات الرئيسية لديها قريباً، على الرغم من أن جميعهم تقريباً قالوا عبر البريد الإلكتروني، إن مناقشة التفاصيل لا تزال سابقة لأوانها.
وقال المتحدث "فيل دياني" لدى شركة "بي إم دبليو" إن هذه الخيارات هي "جزء من استراتيجية الشركة العالمية؛ وما يزال علينا تحديد متى وكيف يتم طرح المفهوم في الأسواق الفردية، وإلى أي مدى".
أما "جنرال موتورز" فهي متحمسة لهذا أيضاً؛ ففي أحد أيام الجمعة قبل أسابيع، حصلت حوالي 900 ألف وحدة من مركباتها التي تجوب الشوارع على نسخة عن بعد من تطبيق "مابس+" (Maps+)، وهي أداة ملاحة قائمة على التطبيق الموجود في السيارة.
كما يجري العمل على مجموعة برامج مماثلة لوظيفة القيادة الذاتية "سوبر كروز" التابعة للشركة، ويدعم كل ذلك تحديث هائل للأجهزة الكهربائية تم إطلاقها في نهاية عام 2019. ويمكن للنظام الذي يطلق عليه اسم "منصة ذكاء المركبات" معالجة 4.5 تيرابايت من البيانات في الساعة، أي بزيادة قدرها خمسة أضعاف عن سابقه.
آمال قد تكون في غير محلها
وفي الحقيقة، تسير "جنرال موتورز" ومنافسيها في طريق محفوف بالمخاطر إلى حد ما؛ ففي حين أن السائقين معتادون على دفع رسوم شهرية من أجل الموسيقى والأفلام والشحن المجاني، فإن الاشتراكات لتدفئة المقاعد أو ميزات السلامة النشطة أو تدابير الكفاءة، قد تستغرق بعض الوقت لتعتاد عليها الجماهير.
وفي الواقع، تعلمت "بي إم دبليو" بالفعل بعض الدروس الصعبة حول عالم تطبيقات السيارات. ففي أواخر عام 2019، تراجعت الشركة عن رسم قدره 80 دولاراً سنوياً مقابل تطبيق "كار بلاي" من "أبل" بعد تعرضها للهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الآونة الأخيرة، أثارت الشركة مزيداً من الجدل على "تويتر" من خلال ميزة الإضاءة العالية الذكية، وهي تتيح اشتراكاً آخر بالبرمجيات.
وسخر أحد النقاد قائلاً: "إنه تلاعب". في حين كتب آخر: "السيارات مثل الطابعات، إلا أنها أغلى ثمناً بكثير".
وقال مايكل رامزي، المحلل في شركة "غارتنر": "يمكنك بسهولة رؤية رد فعل قوي على كل هذا. وخمنوا ماذا، ستضطر الشركات على الأرجح أن تتراجع عن بعض الأشياء الأخرى التي تحاول تسويقها".
ميزات غير اعتيادية
ومع ذلك، نظراً لأن صناعة السيارات تعمل على تحسين طريقة جديدة للبيع، فإنها تأتي أيضاً بأشياء جديدة لبيعها. بما في ذلك مجموعة من الميزات التي لم تكن موجودة في أية سيارة من قبل (فكروا في الأضواء المحيطة القابلة للبرمجة، وميزات القيادة الآلية، والحيل التقنية لربط سيارتك بالمقطورة، وذلك بعيداً عن أية هفوات).
ولدى "رامزي"، الذي يساعد شركات السيارات في صياغة استراتيجياتها التقنية، قاعدة بسيطة، وهي: فقط لأنك تستطيع، لا يعني بالضرورة أنه يجب عليك القيام بذلك.
وفي الوقت الحالي، يجب على الشركات المصنّعة أن تُركّز بيع برامجها على الأشياء التي لا يتوقعها الجمهور عادةً في السيارة، والميزات التي لها قيمة فقط في أوقات معينة، أو التي تضفي لمسات مخصصة.
حيث تشمل الاحتمالات خوارزمية خاصة بالأشخاص الذين يقودون سياراتهم على الجليد كثيراً، وحاملات أكواب يتم التحكم من خلالها بدرجة الحرارة.
كما تشمل الاحتمالات أيضاً، تحليلات متقدمة لتسجيل رحلات معينة، على سبيل المثال، ميزة تمكّن الشخص الذي يسافر لفرض العمل من أن يحتسب عدد الأميال التي قطعها، ليستطيع تحصيل المبلغ المناسب.
ويتناسب عدد قليل من الميزات التي تقدمها "بي إم دبليو" حالياً مع معايير "رامزي" بشكلٍ جيد. حيث تشمل ميزات الشركة حالياً تنبيهات حركة المرور في الوقت الفعلي ومسجل القيادة، الذي يسجل حلقة مدتها 40 ثانية من مقدمة السيارة ويمكن استخدامه لإعادة تشغيل حادث.
تحوّل كامل نحو زيادة الربحيّة
وبغض النظر عن المستهلكين سريعي الغضب، يبدو أن الايجابيات لخيارات التحديث المباشر تفوق المخاطر.
ولن توفر التحديثات عن بعد تدفقاً جيداً للإيرادات فحسب، بل هي تمثل انقلاباً استراتيجياً، وتحولاً في القرار بشأن الخيارات باهظة الثمن.
وتنتشر هذه القرارات بالتحديثات إلى أجل غير مسمى بعيداً عن البائعين الوكلاء لهذه السيارات وفي الواقع، ستتحسن إمكانية بيع ميزة فاخرة في كل مرة يحصل فيها المالك على علاوة أو تتغير فيها ملكية السيارة في السوق المستعملة.
وترى شركة "مورغان ستانلي" أن مساعي شركة "فورد موتور" نحو عالم الحوسبة السحابية، بما في ذلك الاشتراكات الرقمية، يمكن أن تجعلها تصل يوماً ما إلى قيمة 100 مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف القيمة السوقية الحالية للشركة.
وهذا صحيح، ويمكن شرح ذلك من خلال هذه المعادلة: (تطبيق "فورد" = (فورد موتور x 3)) هي معادلة رياضية بسيطة نسبياً، فـ10 دولارات شهرياً ضرب 75 مليون سيارة "فورد" موجودة على الطرقات، تساوي ما يصل إلى 9 مليارات دولار سنوياً، هذه الأموال مربحة للغاية.
وإليكم خلاصة رأي فريق محللي السيارات في "مورغان ستانلي": "نعتقد أن الصناعة مازالت في المراحل الأولى لتحوّل عميق نحو تأمين الإيرادات المقاسة بالبيانات والمستمدة من امتلاك الشركات لأجهزتها، وتحويلها إلى نقود عبر مجموعة من نماذج الأعمال المتكررة".
وتقوم كل شركة تصنيع سيارات بإجراء عمليات حسابية مماثلة في الوقت الحالي، حيث تقوم بحساب ما تسميه مجموعة برامج "سيليكون فالي" بـ"المضاعفات".
ومع ذلك، في حال افتقرت الشركات للبراعة في مجال تطبيقات السيارات، فقد لا تبيع العديد من السيارات في المقام الأول.