العَداءُ بين أكبر وأنجح أندية كرة القدم في إسبانيا يتجاوز الحرب الأهلية والديكتاتورية وسياسات الهوية خارج الملعب، والمنافسة المريرة بين نجوم عالميين.
فبعد أن انشق لاعب خط الوسط، لويس فيغو، إلى ريال مدريد في عام 2000، قام مشجعو برشلونة برمي رأس خنزير على أرض الملعب، عندما كان يسدد ركلة ركنية. وفي الآونة الأخيرة، قام رئيس برشلونة، جوان لابورتا، بوضع وجهه بشكل استفزازي على لوحة إعلانية بالقرب من ملعب ريال مدريد هذا العام كتب عليها "آمل أن نلتقي مرة أخرى" كجزء من حملته الانتخابية.
وعلى الرغم من ذلك، يتَّحِد الناديان الآن باعتبارهما آخر معاقل للدفاع عن وجود دوري السوبر الأوروبي، الذي لم يدم طويلاً، والذي انهار الأسبوع الماضي، بعد 48 ساعة فقط من إنشائه، في أعقاب ضجة سياسية وشعبية شهدتها القارة الأوروبية.
يؤكد التحالف بين العدوين اللدودين، أنه على الرغم من انتهاء دوري السوبر، حتى قبل أن يبدأ، فإن الحالة المالية غير المستقرة لكرة القدم ستضمن استمرار فكرة الانفصال.
تغييرات مطلوبة
ويقول كلا الناديين، إن الدوري الجديد أمرٌ حيوي، بعد عقد من سيطرتهم على دوري أبطال أوروبا (يويفا) - حيث فازا بستة ألقاب، في مسابقة يسعيان الآن للتخلي عنها - لضمان وصول أموال كافية. وعلى عكس أقرانهم المحتملين في دوري السوبر، فإن ريال وبرشلونة غير مدعومين من كبار رجال الأعمال أو شركات الأسهم الخاصة، أو ثروات الخليج، بل هم مملوكون من قبل المشجعين.
وفي هذا السياق، قالت ماريا روا أغويتي، كبيرة مديري شركة "أومديا" للاستشارات البحثية الإعلامية التي تتخذ من لندن مقراً لها: "إن الضغط على الأندية للسيطرة بشكل أكبر على مواردها المالية يتزايد منذ سنوات، فبينما مات دوري السوبر، اهتز الاتحاد الأوروبي لكرة القدم من جوهره، ومن المحتمل أن يتم إجراء تغييرات في نظام التعويضات للحدّ من عدم الاستقرار وحالة عدم اليقين بشأن الدخل".
من بين الاثنين، يحتاج برشلونة بشكل أكثر إلحاحاً إلى إجراءات علاجية، وهو أمر وعد "لابورتا" باتخاذه عندما تم انتخابه رئيساً للنادي الكتالوني في شهر مارس.
وسجل برشلونة أعلى إيرادات في كرة القدم خلال العامين الماضيين، لكن لديه أيضاً أعلى مستوى من الاقتراض. فحتى 30 يونيو، بلغ صافي ديونه 488 مليون يورو (590 مليون دولار)، أي أكثر من ضعف ما كان عليه قبل عام. كما كان عليه أن يسعى للحصول على إعفاءات من تعهدات الديون من مجموعة من المستثمرين في وقت سابق من هذا العام.
ويدعو فريق كرة القدم الأن لاستكشاف طرق أخرى لإنشاء منافسة جديدة. حيث قال في بيان له الأسبوع الماضي: "برشلونة يقدّر أن هناك حاجة إلى مزيد من التحليل المتعمق للأسباب التي تسببت في ردة الفعل هذه التي أدت إلى إعادة النظر".
وفي ريال مدريد، كان رئيس النادي، فلورنتينو بيريز، يفتخر بأنه قام بإصلاح الشؤون المالية للنادي. لكن الديون تضخمت خلال الوباء، بعد إلغاء المباريات ثم لعبها في ملاعب فارغة. فبين أبريل ومايو من العام الماضي، مع بدء عمليات الإغلاق، سحب النادي 205 ملايين يورو في شكل قروض مصرفية، لتعويض الدخل المفقود. دفع ذلك صافي الدين إلى 241 مليون يورو، أي ما يقرب من 10 أضعاف ما كان عليه في العام السابق.
وكان الملياردير "بيريز" الذي جنى أمواله من الإعمار، هو المهندس الرئيسي وراء دوري السوبر، ولا يزال اسمياً رئيساً صورياً للدوري. ومستشاره المالي الرئيسي كان شركة"كي كابيتال بارتنرز" التي تتخذ من مدريد مقراً لها، وكانت مسؤولة عن إدارة تصميم الدوري. وكان من المقرر أن يكون أنس لاغراري، الشريك الذي يعرف بيريز منذ الطفولة، أميناً عاماً لدوري السوبر.
ويقول "بيريز"، إن البطولة الجديدة ضرورية لإنقاذ كرة القدم، ولكن أيضاً كجزء من تقليد النادي كرائد في المنافسة الأوروبية في الخمسينيات، فاز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا، أو بسلفه كأس أوروبا، 13 مرة، أكثر من أي فريق آخر.
وقال بيريز لصحيفة "أس" الإسبانية الأسبوع الماضي: "ما فعلناه هو منح أنفسنا بضعة أسابيع للتفكير، في ضوء العداء والتلاعب تجاه المشروع الذي تعامل به بعض الأشخاص، الذين لا يرغبون في فقدان امتيازاتهم".
مسابقات غير مستقرة
يذكر أن دوري السوبر المكون من 12 نادياً انهار، بعد أن بدأت الأندية الإنجليزية الستة في الانسحاب خوفاً من ردود الفعل اللاذعة من قبل الجماهير والحكومة.
ومع ذلك، لا تزال الشركة التي شكّلها هذا الانفصال موجودة، إذ تشعر الأندية بالقلق من احتمال تغريمها ما يصل إلى 300 مليون يورو، في حال انسحبت من الدوري بشكل رسمي، ما قد يعرضها أيضاً لإجراءات القانونية، وفقاً لمصدر مطلع على هذه المخاوف. ومع ذلك، قال المصدر، إنه من غير المرجح أن تحدث عقوبات ودعاوى قضائية.
ويتوقف حلم إبقاء الدوري على قيد الحياة إلى حد كبير على أمر قضائي أصدره قاض تجاري في مدريد في 12 أبريل. وأمر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وهو الهيئة الحاكمة لكرة القدم الأوروبية، بالامتناع عن معاقبة الأندية المشاركة. ويرى المنظمون في الأمر تأكيداً على أنه يمكنهم مواصلة التفاوض بشأن الخطط، وفقاً لشخص مطلع على المحادثات.
وفي هذا الصدد، قالت روا أغويتي: "المسابقات الأوروبية الحالية ليست مستقرة، وفوق ذلك، أدت التكاليف الضخمة التي تم تكبدها أثناء الوباء، بالإضافة إلى الأجور المستحقة وإغلاق الملاعب، إلى وضع تشعر فيه الأندية الكبرى بأن نموذجها المالي الحالي غير مستدام".