لماذا لن يقوم "كوفيد" بإفراغ الطائرات من المقاعد الوسطى؟

السفر في زمن "كورونا"، قد يمنحنا مساحة أكبر للتمدد، ولكن ليس لوقت طويل. - المصدر: بلومبرغ
السفر في زمن "كورونا"، قد يمنحنا مساحة أكبر للتمدد، ولكن ليس لوقت طويل. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

وسط مآسي وباء كورونا، إليك سبب آخر لكي تشكر مهنة الطب عليه. فالأطباء يريدون لك أن تنعم بمساحة مريحة أثناء رحلتك الجوية التالية. حيث استناداً لدراسة صدرت مؤخراً عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن مخاطر الإصابة بفيروس كورونا تنخفض بنسبة 57% في الرحلات الجوية عند ترك المقاعد الوسطى شاغرة على متن الطائرات.

وهذا يؤكد صحة القرار الذي اتخذته معظم شركات الطيران الأمريكية الكبرى في بداية الوباء، حول التوقف عن بيع المقاعد الوسطى، بل وقد تم التخلي عن ذلك عالمياً منذ ذلك الحين. ومن المقرر أن يعود آخر مطبقي هذا القرار، شركة "دلتا إيرلاينز"، إلى ملئ مقاعده بطاقة كاملة اعتباراً من 1 مايو القادم.

وبالنسبة لشركات الطيران من ناحية مالية، فإنه من السهل فهم سبب امتعاضهم من هذا القرار. حيث وبينما ترتفع التكلفة الثابتة للرحلات الفردية، تتساوى رسوم الهبوط والملاحة، سواء كانت الطائرة محمّلة براكب واحد أو 300 راكب. كما تكون نفقات العمل محددة بشكل أو بآخر نظراً لأنه يتم إلى حد كبير، تحديد عدد طاقم الطائرة المطلوب بحسب عدد المقاعد الموجودة في الطائرة، وليس عدد المقاعد المشغولة.

ولا تختلف تكاليف الوقود كثيراً أيضاً لأن معظم وزن الطائرة عند الإقلاع يتكون من الطائرة والوقود، وليس الركاب وأمتعتهم.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

معدّل حمولة منخفض

وهذا يعني أن أحد أهم مقاييس الربحية لشركات الطيران هو معدل الحمولة، أي حصة المقاعد المشغولة. فكلما ملأت ما يكفي في المقصورة، كلما تمكّنت من دفع جميع تكاليف الوقود والتشغيل للرحلة، وسيصبح بيع كل مقعد بعد هذه النقطة ربحاً خالصاً.

وتكمن المشكلة هنا في أن المنافسة من شركات الطيران تؤدي إلى خفض تكلفة التذاكر باستمرار، مما يعني أنك بحاجة إلى بيع نسبة أكبر وأكبر من المقصورة لتحقيق التعادل.

وبمتابعة بسيطة، يسهل علينا معرفة سبب عدم نجاح فكرة التوقف عن بيع تذاكر المقاعد الوسطى أبداً. فبحكم التعريف، ستصل الطائرة إلى الحد الأعلى لها في هذه الحالة عندما يصل معدل الحمولة بها لنسبة 67% لأنه يمكن حينها بيع مقعدين من كل ثلاثة مقاعد فقط، وفقاً لسيناريو عدم بيع المقاعد الوسطى.

ومع ذلك، كان يمكن تطبيق هذه الأرقام منذ أكثر من عقد من الزمان عندما كان الطيران أقل قدرة على المنافسة مما هو عليه حالياً.

وبالقاء نظرة على معدّلات الحمولة المتعادلة لدى شركات الطيران الكبرى، ترى المستوى المتوسط الكافي الذي يجب أن تصله مبيعات التذاكر، لكي تتمكّن الشركات من تحمّل تكاليف التشغيل.

المصر: بلومبرغ
المصر: بلومبرغ

العودة إلى الأجواء الدوليّة

وخلال العامين الأخيرين قبل جائحة كورونا، احتاجت شركات الطيران الوسيطة إلى ملء تسعة مقاعد من أصل 10 ليكون لديها أمل في تحقيق نقطة التعادل على هذا الأساس. وفي الواقع، تتجاوز العديد من معدلات الحمولة نقطة 100% في الأوقات العادية. وقد يبدو فهم ذلك مستحيلاً، إلى أن تعرف أن معظم شركات الطيران تحقق مبالغ ممتازة من أشياء أخرى غير بيع تذاكر الركاب، مثل إقناع المسافرين بالدفع مقابل السندويشات، أو مساحات الأرجل أو الأمتعة، أو إدارة برامج الولاء، أو الشحن الجوي التجاري.

ومثلما كتبنا سابقاً، أصبحت الأمور أسوأ مع وباء كورونا، ومن غير المرجح أن تتحسن لفترة من الوقت. فمن بين 27 شركة طيران في العيّنة التي درسناها، نجحت ثماني شركات فقط في تحقيق معدلات حمولة متعادلة تقل عن 100%، خلال العام الماضي. وبالتأكيد، يجب أن يتحسن ذلك مع ارتفاع حركة الرحلات الجوية وتسهيل تحمّل شركات الطيران لتكاليف رأس المال. لكن الحركة الجوية المحلية لا تزال منخفضة بشكل كبير عن مستويات ما قبل وباء كورونا في كل مكان تقريباً، بينما قد لا يعود السفر الدولي إلى طبيعته حتى منتصف هذا العقد.

ولم يكن السبب وراء توفّر المقاعد الوسطى في العديد من شركات الطيران خلال معظم العام الماضي علامة على مدى سهولة تعاملها مع معدلات حمولة تقل عن 67%، ولكنه دليل على مدى اليأس الذي وصلوا إليه في محاولاتهم لإقناع الناس بالسفر جواً مرة أخرى.

وتواجه شركات الطيران مشكلة صعبة تتعلق بكيفية إغراء الركاب بالعودة إلى السفر على متن طائراتها وسط مخاوف منطقية تتعلق بالإصابة بالعدوى، خصوصاً في الوقت الذي نسي فيه الكثير من الناس عادة الطيران.

ويُعد تخفيض الأسعار لعبة خطيرة لأنها يمكن أن تدفع العملاء إلى التعامل مع الأسعار المخفّضة كالمعتاد، في الوقت الذي تحتاج فيه الشركات الناقلة حقاً إلى أن تكون أكثر ربحية من أي وقت مضى لكي تعوّض الديون الهائلة التي تراكمت عليها. كان الإقلاع بثلث ممتلئ في المقصورة منطقياً لبرهة من الوقت لكي يثبت النوايا الحسنة وليقنع الركاب بالطيران في المطلق، إلا أن هذا لن يكون مستداماً على الإطلاق.

وهنا نقول للمسافرين في رحلات "دلتا إير لاينز" الخالية من المقاعد الوسطى المتبقية خلال الأسبوعين المقبلين، أنه يتعيّن عليهم الاستفادة منها إلى أقصى حد حالياً. لأن الطائرات ستكون أكثر ازدحاماً من أي وقت مضى في المستقبل المنظور.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك