في الولايات المتحدة، يعدُّ لحم الضأن الطبق الرئيسي على موائد الأعياد مثل عيد القيامة، وعيد الفصح، في حين لا يحظى هذا النوع من اللحوم بإقبال واسع في بقية أيام السنة. وبالرغم من ذلك، قبل عام من اليوم، أدَّى وباء كورونا إلى تدهور كبير في قطاع لحم الضأن بشكل كامل.
ومع ذلك، فقد كان أثر الحظر الناجم عن الوباء مباشراً وكارثياً على القطاع، فقد حوَّل الوباء عشاء الأعياد إلى مجرد اتصال حزين عبر تطبيق "زووم". وقد وجَّه هذا التراجع في الطلب على لحم الضأن في الفترة التي يفترض فيها أن يرتفع، ضربة موجعة للقطاع، لدرجة أنَّ ثاني أكبر معمل لتصنيع لحم الضأن في الولايات المتحدة "ماونتن ستايت روسين" في غريلي في كولورادو، أعلن إفلاسه في 19 مارس عام 2020.
وفي ذلك الوقت، كانت التوقُّعات توحي أنَّ بقية العام سوف يكون قاتماً جداً، بالأخص بما أنَّ مبيعات لحم الضأن تعتمد بشكل كبير على قطاعَي المطاعم والرحلات البحرية السياحية، فقد توقَّف كلاهما بشكل شبه كامل بسبب الوباء، وبحلول أبريل 2020، انخفضت أسعار الأغنام الحية إلى النصف.
حالة ذعر
وقالت ميغان وورتمان، المديرة التنفيذية لمجلس لحم الضأن الأميركي، وهي مجموعة مموَّلة من القطاع، ومهمتها الترويج للحم الضأن الأميركي: "خسرنا 50% من مبيعاتنا بين ليلة وضحاها"، مضيفة "نحو 15% من خدمات الطعام القائمة على لحم الضأن، تذهب لقطاعَيّ السفر والترفيه، لذلك في الأشهر الستة الأولى من العام، كان قطاعنا في حالة ذعر".
وسعى المنتجون للتعويض عن خسائرهم بدعم من الحكومة التي اشترت المنتوجات لصالح بنوك الطعام. ولكن فجأة، حصل ما لم يكن في الحسبان، فقد بدأت مبيعات كافة أنواع اللحوم في المتاجر الغذائية بالارتفاع على امتداد البلاد، وبالأخص لحم الضأن.
وبحسب أرقام "نيسلن"، ارتفعت مبيعات المتاجر من لحم الضأن بنسبة 28% على أساس سنوي في الشهر الماضي، في حين ارتفعت مبيعات اللحم البقري بنسبة 25.6%، ولحم الخنزير بنسبة 20.5% في الفترة عينها.
وبعد سنة على بداية الإغلاق، أثبت الوباء أنَّ الطلب على لحم الضأن قابل للارتفاع، بحسب بيني كوكس، كبير مسؤولي المبيعات في شركة "توزيع رؤوس المواشي" في سان أنجيلو في تكساس.
تكلفة أعلى
وتعدُّ أسعار لحم الضأن أكثر تكلفة من مصادر البروتين الأخرى، وهذه أحد الأسباب التي كانت تدفع المستهلكين لتفاديه قبل الوباء.
وتعدُّ قطع لحم الضأن من الضلع أو الخاصرة من أغلى شرائح اللحوم، ويبلغ ثمنها حالياً 12.76 دولاراً، و13.08 دولار للرطل. أمَّا سعر الجملة لقطع لحم الضأن المعلبة في 2021 فهو أعلى بنسبة 33% مقارنة بمعدَّل 2015 حتى 2019. وفي المقابل، ارتفعت أسعار شرائح "ريب آي" البقرية بنسبة 5% فقط هذا العام بالمقارنة مع معدَّل 2015 حتى 2019.
ومع ذلك، لا يزال لحم الضأن يواجه سمعة سيئة في الولايات المتحدة منذ أيام الحرب العالمية الثانية، حين كرهه الجنود العائدون من الخدمة بعد أن قضوا سنوات، وهم يتناولون لحم الغنم المعلب.
ويقول أنديرس هيمفيل، نائب الرئيس لشؤون التسويق في مزارع "سوبيريور فارمز" في ساكريمانتو في كاليفورنيا: "لا يزال لحم الضأن يعدُّ مصدر بروتين لسوق متخصص صغير بالمقارنة مع لحم البقر والخنزير والدجاج".
وبحسب هيمفيل، فإنَّ "الأميركيين يتناولون في العادة 60 رطلاً من لحم البقر، و100 رطل من الدجاج، و50 رطلاً من لحم الخنزير، و1.1 رطل من لحم الضأن"، إلا أنَّ هذا الرقم شهد ارتفاعاً ثابتاً في السنوات الماضية، من 0.6 رطل للفرد في عام 2011، مشيراً إلى أنَّ "الوباء أسهم في ارتفاع هذا الرقم أكثر".
زمن الحجر المنزلي
ولكن ما سبب هذا النمو في لحم الضأن في زمن الحجر المنزلي؟ بحسب كوكس، يعود ذلك إلى رغبة جيل الألفية في المغامرة بتناول مأكولات جديدة، فيما أصبح الطهاة في المنازل قادرين على تخصيص المزيد من الوقت لإعداد الطعام، مما أسهم بجزء كبير في ارتفاع الطلب. وأشار هيمفيل إلى بعض استطلاعات السوق التي أظهرت أنَّ الشباب ذكروا لحم الضأن أكثر من غيرهم في سنوات ما قبل الوباء.
كذلك، ثمة عامل آخر أسهم في تعزيز الإقبال على لحم الضأن في الولايات المتحدة، يتمثَّل في الطلب المتنامي من الأميركيين أبناء الجيل الأول من أصول شرق أوسطية وجنوب أوروبية، إذ يعدُّ لحم الضأن من المأكولات الرئيسية. وقال ريد ريدن، مدير مركز البحث والإرشاد "تكساس إيه آند إم" في سان أنجيلو في تكساس، إنَّ "30 إلى 50% من لحم الضأن في الولايات المتحدة يؤول إلى أسواق غير تقليدية".
من جهته، قال براد بونير، نائب رئيس رابطة قطاع الأغنام الأميركي: "الأسواق ذات الخلفيات الثقاية المختلفة ازدهرت واستحوذت على جزء لا بأس به من الإنتاج".
ويستخدم لحم الضأن الذي يتمُّ تربيته في الولايات المتحدة، بالأخص في تكساس، وكاليفورنيا، وكولورادو، ووايومنغ، وجنوب داكوتا بشكل متزايد، من أجل تلبية الطلب لدى هذه الفئة المتنامية، إذ يفضِّل المستهلكون فيها لحوم المواشي الأصغر والأكثر طراوة. وفي تكساس، انتقل مربو الماشية في العقدين الماضيين نحو تربية أجناس أكثر ملاءمة للسوق.
ازدهار المطاعم الشرق أوسطية
ويأتى هذا الإقبال على لحم الضأن مدفوعاً بازدهار المطاعم الشرق أوسطية، مثل "كافا" الذي افتتح 110 فرعاً، و"تازيكي" الذي يضم 92 فرعاً. ففي غضون 12 سنة فقط، انتشرت سلسلة مطاعم "تازيكي" على امتداد جنوب شرق الولايات المتحدة. وقد أبرمت الشركة شراكة مع مجلس لحم الضأن الأميركي في العام الماضي، وأعلنت عن ارتفاع بنسبة 11.3% في مبيعات أطباقها المصنوعة من لحم الضأن مقارنة مع العام 2020، كما يعدُّ طبق جيرو لحم الضأن الأكثر مبيعاً على قائمة الطعام.
وأضاف كوكس، إنَّه على الرغم من أنَّ العام الماضي كان صعباً على المزارعين، لكنَّهم "متفائلون". وقال هيمفيل، إنَّ وباء كورونا أسهم في زيادة مبيعات التجزئة في الصيف الماضي، مما مكَّن "سوبيريور فارمز" من استثمار ملايين الدولارات من أجل تجهيز منشآتها لتلبية الطلب المتنامي في مجال التجزئة. وأشار إلى أنَّ الدرس المكتسب من الوباء هو أنَّه "من أجل البقاء، لا بدَّ من التمتُّع بسرعة الاستجابة، وسرعة التكيُّف".
وبعد عام على وباء كورونا في الولايات المتحدة مع كلِّ ما حمله من تراجع العرض في ظلِّ تحسُّن الطلب، تعافت مبيعات لحم الضأن في عيديِّ القيامة والفصح اليهودي هذا العام.
وقال تايلر كوزينس، خبير الاقتصاد الزراعي في مركز معلومات تسويق المواشي: "إنَّنا نرى أسعاراً قياسية".
ما الذي سيحصل حين تعود الحياة لطبيعتها ويعود الناس للمكاتب وإلى تناول الطعام في الخارج؟
في هذا السياق، سأل هيمفيل: "حين تفتح المطاعم أبوابها، كم ستتراجع مبيعات التجزئة؟ هل سنتمكَّن من تلبية الطلب في قطاع خدمات الطعام إذا بقي الطلب مرتفعاً في مجال التجزئة؟ مضيفاً: "لا يزال الوضع مبهماً بشكل كبير".
ومن جهته، يراقب مسؤول العمليات في "تازيكي" مايك سميث أسعار لحم الضأن، وهو يتوقَّع أن ترتفع، وحالياً، يبيع المطعم طبق الجيرو مقابل 11 دولاراً في معظم الأسواق، ولكن في حال ارتفاع أسعار لحم الضأن، سيكون من الصعب تحميل التكلفة للمستهلك، بحسب ما قال.
وأضاف: "إذا لم نبدأ نحن (في إشارة إلى المنتجين الأميركيين) بتربية الأغنام في مناطق إضافية، فلا أعرف كيف سنلبي الطلب المتزايد خلال السنوات العشر إلى العشرين المقبلة".
وحالياً، سيعود العاملون في قطاع لحم الضأن؛ لأنَّ الوباء لم يدمِّر قطاعهم، وحتى لو تضاءل الارتفاع الذي سجِّل العام الماضي، إلا أنَّ ما حصل وضع القطاع على الطريق السليم.
وتابع سميث: "الجانب الإيجابي لكلِّ هذا، هو أنَّه سيسهم في زيادة الطلب على لحم الضأن على المدى البعيد".