رغم إعادة فتح هاواي أمام السياح في أكتوبر الماضي، إلا أن عودة الحياة لمطارات الولاية استغرق مزيجاً من العوامل المتمثلة بعطلة الربيع، وحمى السفر المكبوت لفترة طويلة. وبحلول منتصف مارس من العام الحالي، كان عدد المسافرين المحليين الوافدين إلى الولاية الأمريكية يتجاوز مستويات عام 2020 الهزيلة بنسبة 400%.
ولا شك أن ارتفاع عدد الزوار يعتبر جيداً بالنسبة لاقتصاد الولاية السياحي والمتضرر بشدة. إلا أن هناك تساؤلاً يبقى مطروحاً، وهو: هل هذا الأمر يعد جيداً بالنسبة لسكان هاواي؟
فبعد عام من إغلاق حدود الولاية للمرة الأولى بسبب تفشي وباء "كوفيد-19"، اعتاد العديد من السكان المحليين على أوضاع طبيعية جديدة، تتمثل في شواطئ غير مزدحمة وحركة مرور حرة وهواء وماء أكثر نقاء ونظافة.
وفي أحد استطلاعات الرأي الأخيرة، قال حوالي نصف سكان هاواي إن السياحة لم تعد تستحق العناء. وفي جميع أنحاء العالم، كانت الاقتصادات الأخرى التي تعتمد على السياحة خالية من حشود الزوار خلال الوباء، وهذا بدوره يجدد نقاشاً عالمياً يدور حول من الذي ينبغي أن يستفيد فعلياً من السياحة.
وعلى مدى العقد الماضي، كان يتعين على قطاع السفر مواجهة بعض الحقائق غير المريحة. إحداها هو ما يتعلق بتأثير القطاع على تغير المناخ، فقد ساهمت السياحة بنسبة 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بين عامي 2009 و2013.
السياحة والتهديدات البيئية
وثمة مشكلة أخرى ذات صلة، وهي إتاحة الرحلات الجوية منخفضة التكلفة لعدد كبير من الأشخاص الانتقال للمناطق الساخنة في العالم. فعلى سبيل المثال توجه 5 ملايين سائح إلى مدينة البندقية، التي تبلغ كثافتها السكانية 60 ألفاً. وفي عام 2017، وقد ساهم هذا الاكتظاظ في تدهور بيئي ونزوح جماعي بطيء، ولكن مستمر للسكان المحليين.
وبشكل عام، هاواي غير مستعدة على الإطلاق لنزوح السكان، لكن الشعور بالإحباط تجاه السياحة عميق لدى معظم سكانها. حيث كانت الولاية تستقطب 243 ألف سائح في عام 1959، ثم ارتفع العدد إلى 7 ملايين سائح في عام 1990، ثم إلى 10.4 مليون سائح في عام 2019، جميعهم يتشاركون الأراضي مع 1.4 مليون فقط من السكان المحليين.
ومع تدفق المزيد من السياح، اشتهرت الولاية بالاختناقات المرورية والتهديدات التي تشكلها الأوضاع الراهنة على المواقع البيئية التي لا تقدر بثمن.
وكان خليج هانوما، وهو مأوى شهير للحياة البرية تشكّل في فوهة بركانية مغطى بالشعاب المرجانية، ذات يوم موقعاً نائياً يتمتع به السكان المحليون فقط. لكن حتى ما قبل الوباء، كان هذا المكان يستقبل مليون سائح سنوياً. ولم يكتف هؤلاء السياح بزيادة الازدحام لمستويات خانقة فحسب، بل كانوا يسيرون بأقدامهم على الشعاب المرجانية، مسببين بإتلافها ومخلفين 412 رطلاً من واقي الشمس يومياً في المياه.
وبالطبع، فإن تشخيص السياحة المفرطة أسهل من إيجاد علاج لها.
انكماش صعب
وفي عام 2019، ساهمت السياحة بنحو 8.9 تريليون دولار- أو ما يعادل 10.3%- من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ووظفت 310 ملايين شخص بشكل مباشر وغير مباشر. وكان انكماشها صعباً في كل مكان في العالم، لكن الوضع كان صعباً بشكل خاص في بلدان الأسواق الناشئة الأصغر حجماً، حيث يمكن أن يشكل القطاع ما يصل إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، لم تكن الخسائر اقتصادية فقط، ففي ظل بقاء السياح في منازلهم خلال فترة الوباء، شهدت بعض المناطق الهشة بيئياً زيادة مروعة في صيد الحيوانات البرية.
وقد طُرحت حلول كثيرة لهذا التحدي في الأعوام الأخيرة. فقد سعت الحركة المناهضة للطيران لثني السياح عن السفر الجوي لمسافات طويلة. وأصبح السكان المحليون الذين ضاقوا ذرعاً، خاصة من المجتمعات الأصلية، أكثر انتقاداً للوضع، بل وبدأوا أيضاً في شن احتجاجات. وتبنت بعض الوجهات تعهدات استدامة للمسافرين، فعلى سبيل المثال تبنت جزيرة هاواي "تعهد بونو" لضمان احترام أراضيها. ورغم أن رفض هذا التعهد لن يقف عائقاً أمام زوار هاواي، إلا أن رسالة المسؤولية الشخصية التي تنطوي عليها من الصعب أن تكون أكثر وضوحاً من ذلك.
ومع ذلك، حتى لو وقع كل سائح في العالم على هذه المعاهدة وامتثل لها، فإن تأثيرها سيظل يمثل مشكلة. فالزيادات الأخيرة في أماكن مثل ميامي بيتش (لقضاء عطلة الربيع) لم تتسبب سوى في زيادة المخاوف من أن نهاية الوباء قد تعني استئناف ما هو معتاد بالنسبة للمجتمعات التي تأثرت بشكل مأساوي بالارتفاع الكبير في أعداد السياح.
المعيار الذهبي
ومن المؤكد أن إصلاح هذه المشاكل يتطلب تبني بعض الأفكار الجديدة، فيجب أن تكون الخطوة الأولى الهامة هي إصلاح كيفية قياس النشاط السياحي "الناجح". فعلى مر التاريخ، كان عدد الزوار والناتج المحلي الإجمالي هو المعيار الذهبي. لكن المنظمات، مثل منظمة السياحة العالمية، يمكن أن تساعد في إنشاء مجموعة من المقاييس الجديدة التي تضع الاستدامة بعين الاعتبار. فعلى سبيل المثال يمكن نشر نسبة السياح إلى السكان المحليين في منطقة معينة أو حساب تأثير السياحة على البيئة المحلية.
ويجب أن تدرك الشركات أيضاً أن السياحة المفرطة الضارة ليست في صالحها على المدى الطويل، إذ يمكن أن تلتزم شركات الطيران وسلاسل الفنادق، على سبيل المثال، بالسياحة المستدامة عبر خفض الانبعاثات الكربونية وتحسين إدارة النفايات والاستثمار في المجتمعات المحلية.
كما أن مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "إنستغرام"، تساهم بشكل كبير في معالجة المشكلة، لتشكل وسيلة لتثقيف مستخدميها بشأن السياحة المفرطة وتثبيط الحشود الزائدة عن الأماكن المكتظة أو الساخنة للسياحة في العالم.
وبالتأكيد، لا أحد يرغب في الاستماع إلى محاضرة عن عطلة ما بعد "كوفيد"، ولا يجب أن تكون الرسالة حول آداب السياحة منفرة، إلا أن السفر بمفهومه الأمثل والأكثر مراعاة، يعني أن تفكر كالسكان المحليين أثناء رحلتك واستجمامك.