انسوا باريس وميلان.. متسوقو الرفاهية باقون في الصين

برادا - المصدر: بلومبرغ
برادا - المصدر: بلومبرغ
- مقال رأي

حتى في الوقت الذي تشقُّ الصين طريقها عبر التعافي المتخبِّط من جائحة كوفيد-19، فإنَّ كبار المنفقين الصينين لا يترددون في صرف أموالهم. ينبغي أن تولي العلامات التجارية الفاخرة اهتماماً كبيراً للوجهة التي تذهب إليها هذه الأموال حالياً؛ ألا وهي الصين.

وفي هذا السياق، تضاعفت حصة المستهلكين الصينيين من المشتريات الراقية في الصين من 32% في 2019 إلى أكثر من 70% في 2020، وفقاً لشركة "بين آند كو" (Bain & Co)، فقد صمدت مبيعات السيارات الفاخرة خلال النصف الأخير من العام الماضي، في حين استمر الطلب على الشراب باهظ الثمن، وفائق الجودة، وارتفعت أسعار الفاخر منه، مدفوعة بإقبال المشترين الصينيين، بنسبة 4% في الربع الأخير من عام 2020.

المصدر: "بين آند كو" وآلتاغاما
المصدر: "بين آند كو" وآلتاغاما

ومع تشجيع الحكومة لما يسمى بسياسة "التداول المزدوج"، لتوليد الطلب والعرض في الداخل، فمن المرجَّح أن تظل ثقة المستهلك قوية. وبالتالي، حتى عندما يُصبح المتسوقون الصينيون قادرين على السفر إلى باريس وميلان مرة أخرى، فإنَّ الإنفاق المحلي لن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، ولهذا آثار كبيرة على العلامات التجارية الفاخرة الكبرى.

يعني الطلب المتزايد في الصين أنَّ بإمكان هذه العلامات التجارية الفاخرة تحقيق المزيد من النتائج من المتاجر التي لم تكن تحقق عوائد جيدة سابقاً؛ فقد أثبتت منافذ البيع في مدن مثل تشنغدو، التي من المرجَّح أنَّ الشركات كافحت فيها من أجل زيادة الإقبال قبل الجائحة، أنَّها طرق مفيدة للوصول إلى المستهلكين المحليين.

وقد يكون هناك أيضاً مجال لمزيد من الاستثمار؛ فقد وجد المحللون في شركة "جيفريز" أنَّ ثلاث علامات تجارية أوروبية فقط للأزياء والسلع الجلدية –ألا وهي " لويس فيتون" (Louis Vuitton)، و"غوتشي" (Gucci)، و"بربري" (Burberry Group Plc) لها مواقع في أكبر 25 مدينة فاخرة في الصين؛ وقد تدرس مجموعات أخرى إنشاء وجود لها أو بناء متاجر تابعة لها خارج المدن الكبرى.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

ازدهار جزيرة هاينان

على الرغم من انتعاش قطاع الرفاهية في الصين، إلا أنَّ عام 2020 كان الأسوأ بالنسبة لهذا القطاع في التاريخ الحديث. وقد تُحجم الدور الرئيسية عن الاستثمار في مساحات من المنافذ الجديدة؛ إذ ينبغي دراسة أي نفقات.

أما أحد المواقع التي قد يكون من المنطقي التوسع فيها، فهو جزيرة هاينان المحورية المعفاة من الرسوم الجمركية؛ إذ يقدِّر المحللون في "بيرنشتاين" (Bernstein) أنَّ عدد العلامات التجارية العالمية الفاخرة هناك قد زاد بنسبة 80% خلال السنوات الست الماضية، كما يتوقَّعون المزيد من النمو. وفي هذا الصدد، قالت شركة "كابري هولدينغز" (Capri Holdings Ltd)، المالكة لعلامة "مايكل كورس" (Michael Kors)، مؤخراً، إنَّ هاينان "تعجُّ بالفرص"، في حين قالت شركة "كيرينغ إس إيه" (Kering SA)، المالكة لعلامة "غوتشي"، إنَّ المنطقة تزدهر.

ومن المفترض أن تصبح الجزيرة ميناء للتجارة الحرة مع حلول عام 2025. ونُشير إلى أنَّ بكين خفَّفت من القواعد هناك للسماح بإنفاق أكبر. وفي الشهر الماضي، صرَّحت وزارة المالية الصينية، جنباً إلى جنب مع سلطات الجمارك والضرائب، أنَّه بوسع المتسوِّقين في المتاجر الخارجية المعفاة من الرسوم الجمركية الحصول على منتجاتهم من خلال إرسالها إليهم بالبريد. وجاء ذلك بعد تحرُّك في يوليو لرفع الحدِّ الأقصى للمشتريات المعفاة من الرسوم الجمركية. ومن المتوقَّع أن تؤدي كل هذه التغييرات إلى زيادة الإنفاق.

وفي يناير، بلغ إجمالي المبيعات المعفاة من الرسوم الجمركية في الجزيرة 3.7 مليار يوان (571.8 مليون دولار)، بانخفاض عن الشهر السابق، ولكن بزيادة مقارنة بالأرقام المحقَّقة خلال العام. وعلى الرغم من وجود عدد أقل من السياح بعد الربع الأخير المزدحم من عام 2020، فقد تمَّ افتتاح المزيد من المتاجر، وارتفع عدد المتسوِّقين على أساس شهري، وذلك وفقاً لمجموعة "غولدمان ساكس".

بالإضافة إلى هذا الصعود غير المتصل بالإنترنت، ستحتاج المجموعات الفاخرة إلى تعزيز قدراتها عبر الإنترنت للوصول إلى الطبقة المتوسطة الناشئة في الصين، والمتسوِّقين من "الجيل زد" (Generation Z). وقد يكون من المفيد العمل مع بائعي التجزئة عبر الإنترنت -مثل "تيمول لاكشري بافيليون" (Tmall Luxury Pavillion) التابع لمجموعة "علي بابا"، أو شركة "جيه دي دوت كوم" (JD.com Inc). علاوة على ذلك، تندفع شركة "فارفيتش" (Farfetch Ltd) أيضاً إلى الصين بعد شراكة إستراتيجية مع "علي بابا"، وشركة "سي فاينانسيير ريتشمونت" (Cie Financiere Richemont SA) المالكة لعلامة "كارتييه" (Cartier).

المصدر: "بين آند كو" وآلتاغاما
المصدر: "بين آند كو" وآلتاغاما

فرصة حاسمة لقطاع الرفاهية

وفي الواقع، فإنَّ المزيد من الإنفاق داخل الصين، هو فرصة حاسمة لقطاع الرفاهية؛ إلا أنَّ هذا يعني أيضاً انخفاض عدد السياح الصينيين الذين يتدفَّقون على شراء حقائب "هيرميس" (Hermes) في باريس أو معاطف "بربري" في لندن.

وفي حال لم يعد التسوق الساحر هو المحرِّك الرئيسي للسفر الصيني، فسيتعيَّن على المتاجر الأوروبية التكيُّف، أو الإغلاق. كما يمكنها الانتقال إلى الوجهات التي يتردد عليها العملاء المحليون، مما يجعل المواقع الرئيسية تُركِّز بشكل أقل على تحقيق المبيعات، وبشكل أكبر على تقديم تجارب خاصة بعلامتها التجارية؛ إذ تمتلك شركة "رالف لورين" (Ralph Lauren Corp) بالفعل حانات"شيشي" (chichi) داخل متاجرها، وصرَّحت شركة "كيرينغ" مؤخراً أنَّها تخطط لفتح المزيد من المطاعم في متاجر "غوتشي" حول العالم.

وستساعد التحوُّلات أكبر اللاعبين في الصناعة، مثل شركات "مويت هينيسي لويس فويتون"، و"كيرينغ"، و"ريتشمونت"؛ التي يمكنها تحمُّل تكاليف إبقاء المتاجر الرئيسية مفتوحة في أوروبا حتى لو كانت تجني أموالاً أقل، في حين تستثمر أيضاً في أفضل المواقع في الصين، وفي حملات تسويقية باهظة الثمن على "ويتشات" (WeChat)، و"دوين" (Douyin) التي تضمُّ كبار المؤثِّرين الآسيويين.

ومع ذلك، ستستفيد بعض المجموعات الأصغر أيضاً من هذا الواقع؛ فعلى سبيل المثال، تمتلك شركة "سالفاتور فيراغامو" (Salvatore Ferragamo SpA) و"بيربري" أكبر عدد من المتاجر الصينية، وفقاً لتحليل "جيفريز". ويمكن للإنفاق المحلي المرتفع أن يعزز خطط التحوُّل الخاصة بها، التي كانت لها نتائج متباينة حتى الآن.

وما من شكٍّ في أنَّ المشهد الصيني الفاخر آخذ في التغيُّر؛ ففي العام الماضي، أطلقنا عليه اسم الإنفاق الانتقامي؛ إلا أنَّ الواقع أثبت الآن أنَّه موجود هنا كي يبقى.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة