التشديد النقدي وتذبذب النمو الاقتصادي يؤثران على إنفاق الأثرياء.. والتنفيذيون بدأوا تقبل انخفاض الطلب

موجة الإقبال القياسي على شراء الساعات السويسرية الفاخرة تنحسر

متجر "رولكس" في ميلانو، إيطاليا - المصدر: بلومبرغ
متجر "رولكس" في ميلانو، إيطاليا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

اقتربت أكبر موجة انتعاش شهدها سوق الساعات السويسرية الفاخرة على الإطلاق من نهايتها.

لسنوات ثلاث، شهد القطاع زيادة الاهتمام الجديد إبان الجائحة، عندما بدأ المستهلكون الأثرياء حبيسو المنازل يهتمون بالساعات التقليدية الفاخرة من العلامات التجارية الشهيرة.

أدى ذلك إلى قفزة كبيرة في الطلب على ساعات "أوديمار بيغيه" (Audemars Piguet)، و"رولكس"، وغيرهما من العلامات التجارية، لتبلغ صادرات الساعات السويسرية مستويات قياسية، قرب 25 مليار فرنك (28.5 مليار دولار) في 2022.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الضغوط تنهي الإقبال القياسي

لكن في الفترة الحالية، اقتربت نهاية تلك الموجة بعد الأضرار الناجمة عن ضغوط عديدة. بعضها خارج عن سيطرة القطاع، مثل أسعار الفائدة المرتفعة والنمو الاقتصادي المتذبذب، بينما يتحمل القطاع نفسه المسؤولية عن بعض الضغوط الأخرى، مثل الارتفاع الكبير في الأسعار وزيادة الإنتاج. لكن في نهاية المطاف، كل ذلك يؤثر على تفكير من كانوا يوماً منفقين مرتاحي البال، ورغبتهم في الإسراف.

اقرأ أيضاً: "رولكس" تستحوذ على "بوخرير" لتجارة السلع الفاخرة

شهد مُصنعو الساعات تراجع الطلب في الشهور الماضية، فيما تدهورت الأسعار في السوق الثانوية. أما التنفيذيون، بمن فيهم من يديرون علامات تجارية عريقة ومديرو الشركات الناشئة التي ازدهرت خلال الموجة الماضية، فبدأوا يتقبلون أن الأوضاع بدأت تتراجع بوتيرة سريعة.

قال فرانسوا هنري بيناهمياس، الرئيس التنفيذي لشركة "أوديمار بيغيه"، إن "ما شهدناه في 2021 و2022 لم يكن معتاداً. لم نتوقع حتى حدوث ذلك في حياتنا. أعتقد أننا لن نشهد هذا الوضع مرة أخرى". تشتهر الشركة بساعتها الرياضية طراز "رويال أوك" (Royal Oak)، وتباع ساعاتها في المتاجر بسعر 50 ألف فرنك سويسري في المتوسط.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تراجع مبيعات الساعات السويسرية

يتصاحب التباطؤ مع أحاديث متزايدة عن ضعف الطلب في أنحاء قطاع السلع الفاخرة الأوسع نطاقاً، حيث شهدت الشركات التي تشمل "إل في إم إتش" (LVMH) و"كيرينغ" (Kering SA)، مالكة "غوتشي"، تراجعاً في المبيعات نتيجة المخاوف المتعلقة بالتضخم والركود. واستمرار ذلك الوضع سيقوض القوة الشرائية ويسبب تقلص الأرباح.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تجلى الانكماش في سوق الساعات خلال نوفمبر، عندما أعلنت "ريشمونت" (Richemont)، مالكة "كارتييه"، نتائج الأعمال النصف سنوية، التي أظهرت تراجع مبيعات الساعات 3%، وانخفاضها 17% في الأميركتين. تملك مجموعة الشركات السويسرية للسلع الفاخرة مجموعة من العلامات التجارية الفاخرة، تضم "فاشرون كونستنتان" (Vacheron Constantin)، التي تعد واحدة مما يطلق عليها ثالوث صانعي الساعات السويسرية العظيم، الذي يضم "أوديمار بيغيه" و"باتيك فيليب" (Patek Philipe).

اقرأ أيضاً: "بربري" تحذر من ركود سوق السلع الفاخرة وتهديده إيراداتها

كتب محللو بنك "إتش إس بي سي" في الشهر الماضي أن "قطاع السلع الفاخرة، ليس منيعاً أمام الركود للأسف"، محذرين من أن ذلك يمثل نهاية النمو الفلكي في سنوات ما بعد الجائحة.

انخفضت صادرات الساعات السويسرية في يوليو، لأول مرة في أكثر من عامين، كما سجل متوسط النمو في الشهور الماضية تراجعاً كبيراً عن معدله في النصف الأول من العام.

أما عن الساعات المستعملة، فتواصل أسعارها الانخفاض منذ أكثر من عام. كما هبط مؤشر "بلومبرغ صبدايل ووتش" (Bloomberg Subdial Watch) ، الذي يتتبع أكثر 50 طرازاً تداولاً من حيث القيمة، بنحو 42% منذ بلوغه أعلى مستوياته في أبريل 2022.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

انتعاش في عصر الجائحة

يمثل ذلك اختلافاً شديداً عن الفترات السعيدة، التي بدأت، ويا لها من مفارقة، عند تفشي الجائحة في مطلع 2020.

أُوقف العمل بمنشآت الإنتاج امتثالاً للإغلاقات في فترة جائحة كورونا، وأُغلقت المتاجر، ما عطل المبيعات المباشرة. خشت الشركات تكرار أزمة الكوارتز التي وقعت في السبعينيات والثمانينيات وسببت انهيار أكثر من نصف العلامات التجارية العاملة في القطاع.

اقرأ أيضاً: ساعات أوميغا وكارتييه تحققان مكاسب مع استمرار تراجع "رولكس"

عوضاً عن ذلك، حدث العكس. ذكَّرت الجائحة الأثرياء بأن الحياة قد تكون هشة وقصيرة. فاستلهموا من الجيل الجديد لمؤثري منصات التواصل الاجتماعي على "إنستغرام" و"يوتيوب" الذين يستعرضون طراز "رولكس دايتونا" أو "باتيك نوتيليوس"، وقرروا أنه متى ما عادت الأوضاع إلى طبيعتها فإنهم سيعودون إلى العالم برمز للثراء والذوق الرفيع يرتدونه على معاصمهم.

عندما عاد مصنعو الساعات إلى عملهم، فوجئوا بكمية هائلة من الأعمال المتأخرة، وقوائم انتظار متزايدة في المتاجر. بل حدثت ضجة في الطرف الأقل سعراً من السوق عندما طرحت شركة "سواتش" (Swatch) ساعتها طراز "مون سواتش" في مارس 2022، النسخة الأقل سعراً من طراز "أوميغا سبيد ماستر"، أول ساعة يجري ارتداؤها على القمر.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الساعات منخفضة السعر تقود النمو

موجة الانتعاش رفعت صادرات الساعات السويسرية إلى مستوى قياسي في 2021، عندما أزاحت الولايات المتحدة الصين وأصبحت السوق الكبرى لها، وتكرر ذلك في 2022. ويتجه القطاع إلى تحقيق أفضل أداء على الإطلاق من حيث القيمة مرة أخرى في العام الجاري، لكن الأغلب أن يكون ذلك مدفوعاً بنتائج النصف الأول. فالسوق تبدو أكثر تقلباً في الآونة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: أسعار ساعات "رولكس" و"باتيك" تواصل انخفاضها مع زيادة المعروض

قال بِن كوفر، الرئيس التنفيذي لشركة "نوركين" (Norqain) التي تسيطر عليها عائلته، إن "الوضع في شهري سبتمبر وأكتوبر كان صعباً. انخفض الطلب بوتيرة أكبر من المعتاد. وكان التراجع أكبر بالتأكيد في الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن الحرب بين حماس وإسرائيل أسهمت في تغير ميول المستهلكين. يُذكر أن الشركة تصنع الساعات الرياضية التي تباع بسعر منخفض نسبياً يتراوح ما بين 3 آلاف و5 آلاف فرنك.

توقع كوفر زيادة المبيعات بنسبة 50% في العام الجاري، إلا أنه خفض ذلك التوقع إلى 30%.

أظهر تقرير أكتوبر عن القطاع زيادة نسبتها 5% على أساس سنوي، إلا أن الساعات منخفضة السعر هي التي قادت الارتفاع. تراجعت صادرات الساعات التي يتراوح سعرها ما بين 500 فرنك و3 آلاف فرنك، من حيث القيمة، ما تعد إشارة محتملة إلى إحباط المتحمسين مع الزيادات الكبيرة في الأسعار.

قطاع مهم من الاقتصاد السويسري

يتسم قطاع الساعات السويسرية بأهمية كبيرة في الثقافة الشعبية، فكر في جيمس بوند، والثقل المالي، حيث بلغ إجمالي مبيعات التجزئة على مستوى العالم في 2022 نحو 48 مليار فرنك سويسري، بحسب تقديرات "مورغان ستانلي"، فيما قاربت القيمة السوقية لسوق الساعات المستعملة 24 مليار دولار.

أما في سويسرا نفسها، فتمثل الصناعة جزءاً مهماً من الاقتصاد، فهي ثالث أكبر القطاعات تصديراً، ويعمل بها نحو 60 ألف شخص.

بدأت تبعات تراجع الطلب تمتد في أنحاء القطاع، فموردو المكونات، التي تقع مقراتهم في سويسرا، بعد أن كانوا يبحثون حثيثاً عن موظفين، بدأوا في خفض العمالة، وفقاً لما قاله عدد من التنفيذيين بشركات صنع الساعات. فأجرت "هودينكي" (Hodinkee)، شركة توريد مكونات الساعات وبيع التجزئة، ومقرها في الولايات المتحدة، جولة ثانية من التسريحات في الآونة الأخيرة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

هل سبب القطاع انخفاض الطلب؟

قد يكون القطاع بحد ذاته مسؤولاً عن قدر من التراجع الحديث في الطلب؛ إذ اقتنص فرصة زيادة الطلب وارتفاع التضخم، ما زاد التكاليف، ليرفع الأسعار.

"رولكس" عملاقة القطاع، التي تصنع أكثر من مليون ساعة سنوياً وتُقدّر قيمة مبيعاتها بأكثر من 9 ملايين فرنك، رفعت الأسعار مرتين في 2022؛ مرة في يناير، الموعد المعتاد لزيادة أسعار طُرزها، ومرة أخرى خلال سبتمبر في المملكة المتحدة، ونوفمبر في الأسواق الأوروبية، لتعويض ضعف الجنيه الإسترليني واليورو. كما رفعت أسعارها مجدداً في يناير من العام الجاري في الولايات المتحدة وبريطانيا.

اقرأ أيضاً: "رولكس" ضحية نصف الساعات المقلّدة بالسوق

كما رفعت "أوميغا" و"لونجين" (Longines) و"تيسوت" (Tissot)، العلامات التجارية التابعة لمجموعة "سواتش غروب" (Swatch Group)، الأسعار في أوروبا والمملكة المتحدة خلال فبراير. ورفعت "أوميغا" (Omega) السعر 8% في أميركا خلال شهر يوليو، في خطوة وصفها محللو "مورغان ستانلي" بأنها قد تضر المبيعات.

رفعت "جيجر لوكوتلر" (Jaeger-LeCoultre) أسعار بعض طُرزها بأكثر من 20%، كما زادت "إيه لانغه أوند زونه" (A. Lange & Sohne) الألمانية، زميلتها التابعة لمجموعة "ريشمونت"، الأسعار أيضاً.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

مخزون ضخم من الساعات الفاخرة

فضلاً عن زيادة الأسعار، تجاوب مصنعو الساعات مع الطلب بزيادة الإنتاج.

قال رولف ستودر، الرئيس التنفيذي المشارك في "أوريس" (Oris)، الشركة العائلية التي تأسست في 1904، إن "هناك كمية كبيرة من الساعات في السوق حالياً. يواجه المستهلكون مشكلات أخرى أو يجدون سبلاً أخرى لإنفاق أموالهم. لذلك؛ هناك مخزون ضخم في كل مكان، لا بد أن يستهلكه شخص ما في مكان ما".

قلة من التنفيذيين في قطاع الساعات شهدوا عدداً أكبر من دورات الرواج والركود عن قرب كما فعل جان كلود بيفير، فهو من أنفق نحو 20 ألف فرنك سويسري للاستحواذ على علامة "بلانكبين" (Blancpain) التجارية وإحيائها في 1982، قبل بيعها إلى "سواتش" مقابل 60 مليون فرنك بعدها بعقد.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

بيفير هو المسؤول أيضاً عن ارتداء جيمس بوند ساعة "أوميغا" على معصمه، وقتما أدار العلامة التجارية، وقال إن الشركات السويسرية تنتج ساعات أكثر من اللازم دوماً، حتى عندما يتراجع الطلب.

كما يرى، بعد أن أطلق علامة تجارية فاخرة جديدة مع ابنه، أن العميل له الأفضلية.

وقال: "كان يُفترض أن نتعلم، لكننا لم نتعلم بعد لأن البعض ليسوا متواضعين بالقدر الكافي. لدينا لمحة من الغرور. نشعر أننا أهم من العملاء، لكن العميل هو الملك. لا يجب أن نعكس ذلك إطلاقاً".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك