تتناول السطور التالية قصة كاتبة في عالم السيارات ( Hannah Elliott)، تدور حول تأثير جائحة كورونا على علاقتها بسيارتها.
سأحكي لكم قصتي مع فيروس كورونا الذي غيَّر علاقتي بالقيادة إلى الأبد، ففي الواقع، غيَّر الفيروس طريقة قيادتي للسيارة، وعلمني الكثير عن التباعد.
فهمت جيداً، وبوضوح تام أهمية المساحة بالنسبة للسلامة، فعبارات مثل "حافظوا على مسافة مترين بين بعضكم"، و"التزموا التباعد الاجتماعي" تكررت كثيراً خلال عام 2020ن وقد اعتدت على تلقي اتصالات عبر "نيكسي" (تطبيق مشابه لـ"زوم" خاص ببلومبرغ) من المحررين الذي أتعاون معهم، وأحياناً التحادث مع أصدقائي من خلال نوافذ سياراتنا. أجل، كان التباعد حقيقياً. وسرعان ما أصبحت سيارتي واحدة من الأماكن الآمنة المفضلة لديَّ هذا العام.
سوف أخبركم قليلاً عن سيارتي، هي "رولز رويس سيلفر شادو" بقاعدة عجلات "LWB" طراز العام 1975، بلون زيتي مع فرش داخلي باللون البني، وهي مزوَّدة بعجلة قيادة رفيعة تذكرك بالماضي، وأبوابها من الداخل بلون الجوز ، وخشب الورد، وتفوح منها رائحة الجلد المصقول، كما تحتوي على مشغِّل شرائط كاسيت بثمانية مسارات.
وجدت هذه السيارة بالصدفة في شهر أغسطس الماضي، وقايضت سيارتي القديمة من نوع "مرسيدس" (560SL) طراز العام 1988 بها، سعر هذه "الرولز رويس" أرخص ممَّا قد يعتقد بعضهم، ولكنَّ تكلفتها الحقيقية تكمن في صيانة أنظمتها الهيدروليكية والالكترونية الغريبة. (مثلها مثل سيارات جاغوار، ولوتوس القديمة، وهذا أمر تعرف به السيارات البريطانية العتيقة).
وثمَّة قول شائع بأنَّ "لا شيء أغلى من سيارة رولز رويس رخيصة"، ولكنني تجاهلت ذلك القول، وكنت مزهوة بنفسي وأنا أوقع العقد، وفكَّرت: "هم طبعاً لا يعنون هذه السيارة". ماذا يمكنني أن أقول؟ كل بائع يدرك جيداً أنَّ شراء سيارة أمر عاطفي أكثر مما هو منطقي.
وفي الواقع، كانت هذه السيارة رائعة، فهي لم تتطلب أكثر من بطارية جديدة، وبضع زيارات للميكانيكي تشارلي الذي وصَّل الأسلاك قليلاً حتى تفتح النوافذ الأربعة، وتغلق بسهولة. أحب مظهرها المتكامل، من واجهتها الأمامية المصقولة إلى جوانبها الطويلة المشابهة للسفن، ورمز الملاك في المقدمة مع ردائها المتطاير كجانحين. هذه السيارة تمنحني شعوراً رائعاً. كما أنَّ مكيف الهواء يعطي الكثير من البرودة، وجهاز الراديو شغّال!"
هذه السنة، قدت سيارتي أكثر من أيِّ وقت مضى لمجرد الترفيه عن نفسي، وليس للقيام برحلات عمل أو للالتقاء مع الأصدقاء الذين يقيمون في أماكن بعيدة. يعود ذلك بجزء كبير منه إلى جائحة كورونا. كذلك، بعد سنوات من الاستمتاع بالعيش في نيويورك، والسفر أسبوعياً إلى الساحل الغربي، أو أي مكان آخر؛ قررت الاستقرار لهذه الفترة في لوس أنجلوس مع شريكي، وانضمَّ إلينا مؤخراً كلبنا من نوع الراعي الألماني ويلو.
بدأنا نستكشف أماكن جديدة معاً من خلف عجلة القيادة، مثل الساحل في منطقة بيغ سور، وأطراف الصحراء عند جوشوا تري، وبحر سالتون المهجور، وبلدة أيديلوايلد الجبلية. كنَّا نقود السيارة نحو وادي يوكا في فترة بعد الظهر، أو نتجول في منطقة سيلفر لايك، فنبحث عن مبانٍ أو منازل قديمة واستثمارية. كما كنَّا نجتاز الطريق السريع المحاذي للمحيط الهادئ ذهاباً وإياباً، ونعود إلى وسط مدينة لوس أنجلس في خلال 12 دقيقة فقط، في حين كان يستغرق ذلك ساعة كاملة في الأيام العادية. لم نكن لنشاهد مثل هذه المناطق في السابق بسبب سفرنا شهرياً أو أسبوعياً بالطائرة.
علمني الوباء أن سيارتي هي الوجهة
اللافت أنَّ قيادتي لسيارة "سيلفر شادو" دفعني إلى القيادة ببطء، فلا ننسى أنَّ هذه سيارة عمرها 45 عاماً، وتحتاج مكابحها للصيانة، وكذلك عجلة قيادتها، على الرغم من أنني أجدها خفيفة، إلا أنَّ بعضهم قد يعدُّها رخوة إلى حدٍّ يثير الجنون. (إذا وجدت نفسك خلف عجلة قيادة سيارة مشابهة، أوصيك بعدم القيام بأيِّ حركات مفاجئة). كنت أقود السيارة ببطءٍ ووقار، كأنني كما أتخيل الملكة إليزابيث تحافظ على وقارها الملكي بعد ساعات تمضيها في إلقاء التحية على أتباعها، شهيق ثم زفير، وأركِّز على عملية التنفس. وربما لا تكون على عجلة من أمرك لتصل إلى أيِّ مكان، ولكن في سيارة مثل هذه ستشعر أنَّك تصل في الوقت الملائم.
علمني الوباء أنَّ الحاجة إلى محفز متواصل هو نوع من الإدمان
أجبرني الوباء على النظر إلى سيارتي على أنَّها هي الوجهة، وليست مجرد وسيلة لأصل إلى وجهتي. هي عربة آمنة، كبيرة بما يكفي لتتسع لأفراد قبيلتي الذين يشاركونني الحجر المنزلي، وأعني شريكي بالإضافة لكلبي. وهي تمنحني أي أمر آخر أحتاجه في أيِّ وقت: الحرية، الموسيقى، الهواء العليل، الرفقة، الوقت لأغرق بأفكاري. كما يمنحني تصميمها المعتَّق فسحة من الراحة من سطوة التكنولوجيا التي سيطرت على نواحي الحياة كافةً مع تفشي فيروس كورونا، سواء كضرورة أو كوسيلة للتأقلم.
وأنا أعشق كلَّ ما يتعلق بقيادة هذه السيارة، من فتحات الهواء المعدنية الباردة التي تشبه آلة الأرغن الموسيقية، إلى المقبض المضغوط باللوالب الذي عليَّ أن أضغطه حتى أفتح خزان الوقود. كذلك، حين أغلق السيارة يجب أن انتظر بعض الوقت لأتأكَّد أنَّ الأضواء قد أغلقت، وإلا فإنَّها قد لا تعمل لاحقاً. ولا بدَّ أن أعترف أنَّ هذا الأمر تكرَّر عدَّة مرات لدرجة أنني اضطررت لشراء كابلات شحن للبطارية كهدية رومانسية صغيرة لنفسي.
أحبُّ أيضاً مشغل شرائط الكاسيت بثمانية مسارات، فقد جاء مع علبتين من أشرطة الكاسيت القديمة، معظم الأغاني لألفيس بريسلي، وموسيقى ريفية، وقد ساعدني أصدقائي على إضافة أغاني فرقة "أيروسميث". وحين لا أرغب في سماع أي موسيقى، أجد الصمت رائعاً جداً. وهذا تحوُّل كبير بالنسبة لي، ففي السابق كنت أحتاج دائماً لسماع الموسيقى أو حتى الأخبار في الخلفية، وكنت أستهزئ بهواة السيارات الذين يدَّعون أنَّهم لا يشغِّلون جهاز الراديو في سياراتهم، لأنَّهم "يريدون الاستماع فقط إلى صوت المحرِّك".
القيادة في زمن كورونا فتحت لي الأبواب لأنظر إلى الحياة بدون الدردشة المتواصلة. لن أكرر عبارات مبتذلة، مثل: "الصمت من ذهب"، ولكنني أقرُّ أنَّ الحاجة إلى محفِّز متواصل هو نوع من الإدمان بحدِّ ذاته. وهذا أمر كنت أعيشه وأتنفسه يومياً في نيويورك، ولكن من الصحي، لا بل من المهم وضعه جانباً من حين إلى آخر.
يقودني ذلك إلى الفكرة الثانية التي أرغب في الحديث عنها، فأنا أرى أنَّ المساحة أساسية للعمل الإبداعي.
قال مؤخراً عازف الدرامز في فرقة "دورز" جون دينسمور في مقابلة مع ماك مارون عبر بودكاست (WTF)، إنَّ "الكتابة هي البحث عن الموسيقى بين الجمل". أما بالنسبة لدينسمور، فالموسيقى تكمن في المساحة بين الأسطر، فهذا سرّ بريقها، وليست الأسطر بحدِّ ذاتها. ولهذا السبب كان أداء أغاني ويلي نيلسون رائعاً؛ لأنَّ سحر ويلي ينبع من المساحة التي يتركها بين النوتات.
وبما أنَّ عملي في مجال الكتابة، فقد مسَّتني هذه الفكرة كثيراً. ففي الكثير من الأحيان، أحتاج إلى مساحة فارغة في فكري كي أتأمل ما أريد قوله حتى قبل أن أجلس للعمل. وهنا يكمن كلّ الفرق بين كتابة نصّ مثير، ونصّ آخر مجرد من أيِّ إلهام.
الإبطاء يعني المساحة، والمساحة تعني التركيز، والوقت، والابتعاد عن مصادر اللهو. ومن الرائع أن تكون سيارة قديمة أقودها بسرعة بدون وجهة محددة في خضم وباء عالمي وسيلتي حتى أحصل على كلِّ ذلك.
يوم استلامي لسيارة "شادو" كانت أول أغنية أسمعها في مشغِّل الكاسيت القديم هي لويلي نيسلون؛ من يدري منذ كم من الوقت كان الشريط متروكاً في الجهاز؟ اعتبرت ذلك مؤشراً أنَّني أسير في الطريق الصحيح.