انتاب أيديل أورتيز القلق حين سمعت عن بداية تطبيق أنظمة "الشوارع البطيئة" في مدينة دورهام في ولاية كارولاينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية.
كان ذلك في نهاية شهر مايو من عام 2020، وبحلول ذلك الوقت كانت عشرات المدن حول العالم قد فرضت قيوداً على مرور السيارات في الشوارع الواقعة ضمن المناطق السكنية.
ففي ظلِّ جائحة كورنا التي فرضت ضرورة تأمين أماكن آمنة في الهواء الطلق لسكانها، كان هدف "الشوارع البطيئة" التشجيع على المشي وركوب الدراجة واللعب مع الحفاظ على المسافات الآمنة.
وتدرك أورتيز جيداً كيف يمكن للنوايا الحسنة لدى المخططين المدنيين أن تنقلب على السكان. إذ من خلال عملها كمديرة برامج في جمعية "سبريت هاوس" (SpiritHouse) الناشطة في مجال العدالة الاجتماعية في مدينة دورهام، وعضويتها في لجنة المشاة والدراجات الهوائية في البلدة، سبق ورأت كيف تجاهل المسؤولين في دورهام إشراك السكان الملونين في التخطيط لمشروع "مسار حزام دورهام" (Durham Belt Line Trail) الذي كان يهدف لتحويل أرض مهملة تابعة للسكة الحديد إلى مسار متعدد الاستخدامات في عام 2017.
وقد أثارت هذه الخطة في حينها قلق أورتيز حيال إقامة منتزهٍ راقٍ قد يؤدي إلى الارتقاء بالأحياء السكنية المجاورة ورفع الأسعار، وبالتالي تهجير السكان.
لذا ضغطت أورتيز على المسؤولين من أجل اعتماد معايير محددة للأخذ برأي الفئات الأقل تمثيلاً عند إجراء أي تغيير في البنية التحتية المحيطة بهم.
الشوارع البطيئة.. هل تضر بالمجتمعات المهمشة؟
ومع تفشي الوباء، دَرَسَتْ المدينة احتمال إحداث تغييرات ستؤثر على حياة السكان الذين يعانون من ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا والذين لطالما اشتكوا من السرعة الخطرة في مناطقهم.
وتقول أورتيز: "عند تحديد الأولويات، يتم أحياناً تجاهل المجتمعات المهمشة"، مضيفة: "أدركت أنه في حال أُقيمت الشوارع البطيئة بدون حوار وبدون تثبيت انتمائها للجميع، فإن الناس سيمقتون هذه التعديلات، وتصبح مثالاً آخر لتقديم بعض الفئات على أخرى".
وهنا يكمن النموذج المستفاد من مسار التصميم المدني الذي تجلّى في العام 2020. فقد استغلت مدن كثيرة حول العالم تراجع الازدحام المروري في الأسابيع الأولى للوباء من أجل تحديد شوارع يُمنع فيها مؤقتاً مرور السيارات، وأخرى يُسمح فيها للسيارات بالمرور تحت قيود مشددة.
في باريس مثلاً، ستصبح ما تعرف بـ"مسارات كورونا للدراجات الهوائية" أمراً دائماً. وقد لقيت مثل هذه الخطوات التي تشجع على التنقل بدون سيارات ترحيب الجمعيات المعنية بالسلامة المرورية والبيئة ومناهضي سياسات التخطيط المدني التي تركز على السيارات.
ولكن الوضع اختلف في الولايات المتحدة، فقد أثارت "الشوارع البطيئة" نوعاً من الجدل في ظلّ رفض بعض المجتمعات لها ومقارنتها بالتخطيط المدني العنصري الذي كان قائماً في العقود الماضية.
وضربت هذه المبادرة على وترٍ حساس في لحظة بالغة الدقة، فقد سجل عدد الوفيات في صفوف المواطنين السود معدلات أعلى من الفئات الأخرى، وترافق ذلك مع موجة الغضب والتظاهرات على خلفية مقتل مواطنين سود على أيدي الشرطة، بالتالي، تحولت الشوارع البطيئة إلى أمرٍ آخر يسلط الضوء على العنصرية الممنهجة.
نتيجة لذلك، بعد مرور عشرة أشهر على الوباء، بدأ بعض المخططين في مراجعة دراساتهم والتأمل في أدائهم الوظيفي.
ورأت كورين كيسنير، المديرة التنفيذية للرابطة الوطنية لمسؤولي النقل داخل المدن أن "المخططين المدنيين يشعرون بالتوتر لأنهم يريدون القيام بواجبهم من أجل الحدِّ من الوفيات (المرورية) وانبعاثات الغازات الدفيئة، فالأسباب الكامنة خلف عملهم مقنعة ومتجذرة تاريخياً".
مع ذلك، تضيف كيسنير: "ضرورة العمل بسرعة تتعارض مع الوقت المطلوب لاكتساب الثقة بالوتيرة التي تتيح لكافة الأطراف المعنية بمثل هذه القرارات أن تعطي رأيها".
إغلاق الشوارع يبعث رسائل متضاربة
بلغ هذا التوتر أقصى درجاته في مدينة أوكلاند في كاليفورنيا التي كانت من أوائل المدن التي تبنت مفهوم الشوارع البطيئة.
ففي أبريل من العام الماضي، أعلنت المدينة عن خطة لمنع السير في 74 ميلاً (1 ميل = 1,609 كم) من الشوارع التي تقع في المناطق السكنية، على أن يتم تنفيذ القرار في كافة الشوارع معاً.
وقد أثارت هذه الخطة الكثير من الضجة وتحدثت عنها صحف مثل "نيويورك تايمز" والـ"غارديان" والـ"واشنطن بوست" وغيرها من وسائل الإعلام.
فهذه الخطة التي تبعث برسالة بأن الشوارع ملكاً للناس لقيت ترحيباً واسعاً واستُخدمت كمثالٍ يحتذى به من قبل مدن أخرى حول العالم كانت تعمل على الاستجابة للوباء على صعيد النقل.
وفي مقابلة مع "بلومبرغ سيتي لاب" بعد فترة قصيرة من إطلاق مبادرة الشوارع البطيئة في أوكلاند، قال وارن لوغان، مدير سياسة النقل والتعاون بين الوكالات في مكتب عمدة أوكلاند: "هذه فرصة لنتذكر أن الشوارع ملك لنا وليست ملكاً للسيارات فقط".
وأضاف في تغريدة "حقق شارع دوفر البطيء النجاح. لم أعتقد قط أنني سأرى تلامذة المدارس يركبون الدراجات الهوائية أو أن ذوي الإعاقة قد يتجولون في شوارع أوكلاند بهذه الراحة. رأيت أيضاً أمهات تسير مع عربات الأطفال، كما رأيت أشخاصاً كباراً في السنِّ يتنزهون، وصبية صغار يلعبون كرة السلة".
الشوارع المغلقة.. لصالح من؟
هذا المشروع الذي يبدو وكأنه حلم تحقق، لم يرق للجميع. فبعد بضعة أسابيع من التطبيق، كشف استطلاع للرأي أنه فيما أيد البيض من الميسورين والذين لا يعانون من إعاقات المشروع بشدة، فإن الأشخاص الملونين وذوي الدخل المنخفض وذوي الإعاقة تحدثوا عن مستوى أقل من الاستخدام والدعم.
كذلك، انتقدت المنظمات غير الربحية المحلية سلطات المدينة لعدم تواصلها بما يكفي مع المجتمع المحلي وعدم تركيزها على جوانب أخرى تتعلق بالوباء تعتبر أكثر إلحاحاً. حتى أن البعض شعروا أن إغلاق الشوارع بحدِّ ذاته يبعث برسائل متضاربة.
وقال جون جونز الثالث، مدير الانخراط المجتمعي والسياسي في منظمة "Just Cities" غير الربحية التي تعنى بالعدالة الاجتماعية: "الإشارات المرورية لم تحدد أطر البرنامج وحدوده بشكل فعلي"، وسأل "الطرقات مغلقة أمام من؟ أمام ماذا؟". وشرح جونز أنه يقيم في حيّ تم إغلاقه جزئياً أمام السيارات، مع ذلك لم ير إلا حفنة قليلة من الأشخاص الذين يمارسون رياضة المشي أو الهرولة منذ شهر أبريل من العام الماضي.
وأضاف: "شكَّل الأمر إرباكاً لدى الأشخاص الذين يقيمون في هذه الأحياء، فهي تتعارض مع مفهوم البقاء في المنزل. لماذا تغلق حديقة عامة، ولكن تسمح للناس بممارسة الرياضة في الشارع؟".
كما أن التطبيق السريع لخطة الشوارع البطيئة تجاهل انعدام الثقة التاريخي بين السكان الملونين وسلطات المدينة.
فالسلطات في أوكلاند لم تتواصل مع السكان الذين سيتأثرون بقرارها، أمَّا الاستبيانات اللاحقة فقد وصلت بشكلٍ خاص للبيض الميسورين.
حتى أنه في البداية، لم تلحظ الخطة أنه في أحد الأحياء، لم يشعر السكان بالأمان حتى لقطع الشارع من أجل الوصول إلى محل البقالة، وهي مشكلة قائمة منذ ما قبل الوباء، ولم تنفع الشوارع البطيئة في حلِّها.
وعن ذلك قال جونز: "نحن غالباً ما نخضع لقرارات لم نحظ بفرصة لنبدي رأينا فيها"، وأضاف "يمكن للفكرة بحدِّ ذاتها أن تكون عظيمة، ولكن في حال لم تأخذ طريقة عيش وعمل السكان بعين الاعتبار، فعندها سوف تطرح مشكلة".
وربط بعض المنتقدين مفهوم الشوارع البطيئة بحوادث مقتل شبان من السود أمثال جورج فلويد، وأحمد أربيري، وديغون كيزي على أيدي الشرطة أو أشخاص بيض يمارسون الأمن الخاص، فيما كانوا يمشون أو يركبون الدراجة في شوارع عامة لديهم فيها حق الطريق.
بالتالي فإن مفهوم "الشوارع الآمنة" بالنسبة للعديد من السود يختلف عن رؤية المؤسسات الحكومية.
وقالت خبيرة الأنثروبولوجيا والتخطيط المدني ديستيني توماس في مقال في "سيتي لاب" تحت عنوان "الشوارع البطيئة غير آمنة للسود" إنه "بغياب خطة تشمل السود والسمر والسكان الأصليين والمتحولين وذوي الإعاقة وتحميهم، وخطة لمعالجة الأمن الشخصي المناهض للسود وعنف الشرطة، فإن الشوارع المفتوحة سوف تفشل".
وسرعان ما تدارك المسؤولون في أوكلاند خطأهم، وقد بدا الغضب واضحاً في اجتماعات المتابعة اللاحقة التي عقدت مع المجموعات المجتمعية.
وبحسب لوغان، فكّر بعض المسؤولين بإلغاء البرنامج بشكل كامل كما كان يطالب الناشطون. وقالت جمعية " Scraper Bike Team" غير الربحية التي تعمل مع الشباب على إصلاح وصنع الدراجات الهوائية في الأحياء ذات الغالبية السوداء واللاتينية في شرق أوكلاند، في تغريدة في مايو من العام الماضي "الشوارع البطيئة في أوكلاند يجب أن تنتهي. كانت فكرة عظيمة، إلا أنها غير مستدامة ومعظم الجيران يرون أنها غير ضرورية".
تركت هذه التغريدة أثراً كبيراً في قلب لوغان، وقال: "إذا كانوا مستاءين من هذا المشروع الذي اعتقدت أنه برنامج صديق للدراجات، فلا بدّ أننا نقوم بأمر ما خطأ".
تدارك الأخطاء والأخذ بآراء المجتمعات
وعلى مدى الأشهر الستة التالية، اجتمع لوغان وزملاؤه مع ممثلين عن المنظمات المحلية مثل "Just Cities" و" East Oakland Collective" و"Outdoor Afro” وغيرها للاطلاع على آرائهم.
وبدلاً من التخلي عن البرنامج، قامت المدينة بمراجعته. فتوقف المسؤولون عن اختيار الشوارع البطيئة بأنفسهم (بالاستناد إلى مخططٍ حديثٍ للدراجات الهوائية) وعملوا بدلاً من ذلك مع المجموعات المحلية، وأعدّوا برنامج "الأماكن الأساسية" حيث تم وضع إشارات المرور والشاشات الإعلانية في الشوارع التي تشهد حوادث مرورية متكررة، بالأخص قرب متاجر البقالة والصيدليات.
ومن أجل توضيح الغاية أكثر والتناغم مع السكان، أضفت سلطات المدينة تعديلات على الإشارات المرورية التي تدلُّ على إغلاق الطريق، فباتت تضم الآن صوراً لفتاتين سودتين تمارسان رياضة الركض وطفل يركب دراجة هوائية معدلة، في خطوة حظيت بترحيب مجموعة " Scraper Bike Team ".
وقالت المجموعة في تغريدة في 24 نوفمبر من العام الماضي: "رائع! يبدو أن الدرَّاجة المعدَّلة باتت شعاراً على امتداد المدينة ورمزاً للشوارع البطيئة. شكراً لمدينة أوكلاند".
وأثنى مناهضو المشروع على مثابرة سلطات المدينة. وقال جونز: "أشعر بالامتنان لمنحنا الفرصة كي نعبر عن رأينا".
وأشار إلى أنه تلقى مؤخراً بالبريد استطلاعاً من سلطات المدينة لسؤاله وجيرانه عن رأيهم بالشوارع البطيئة. مع ذلك، هو لا يزال مستاء من طريقة اعتماد المشروع في البداية، وعدم قيام السلطات المحلية بما يكفي من أجل التخفيف من مخاوفه.
وقال "مرّت ثمانية أو تسعة أشهر. هم يتخذون مثل هذه القرارات ويعتقدون أنها ممتازة ولكن لو سألونا نحن الذين نقيم هنا، لقلنا لهم إنها ليست كذلك".
اعتراضات في مدن أمريكية أخرى
ليست أوكلاند المدينة الوحيدة التي واجهت خططها لإغلاق الشوارع معارضة اجتماعية وعرقية. ففي سياتل مثلاً، سمع المسؤولون أن الإشارات التي وُضعت أشعرت بعض سكان الأحياء ذات الغالبية السوداء تاريخياً بأنهم مستثنون، وأدى ذلك إلى مشادّة واحدة على الأقل، حدثت حين قال مواطن أبيض لأحد السكان السود إنه لا يستخدم الشارع بالطريقة الصحيحة.
وقال مدير النقل في المدينة، سام زمبابوي: "شعر بعض الأشخاص أن ما جرى أشبه بتهجير جديد أو جزء من الضغوط المتواصلة عليهم".
وفي مناطق أخرى، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو، جاء الاعتراض لسبب آخر، فقد اشتكى السكان أن برامج إغلاق الشوارع لم تشمل الأحياء ذات الدخل المنخفض.
أما في بالتيمور والعاصمة واشنطن، فإن بعض السائقين والسكان استهدفوا العوائق المرورية المصممة للحدّ من السيارات، فقاموا بتحطيمها وإزالتها.
وقال لوغان "أحياناً، يبدو أنك تتركب أخطاء مهما فعلت".
ويبدو ذلك صحيحاً، ففيما تعرضت سلطات بعض المدن لانتقادات على قيامها بخطوات ناقصة وأخطاء على صعيد المساواة والعدالة، فإن المدن التي لم تتحرك بالسرعة الكافية من أجل إغلاق الطرقات تعرضت هي الأخرى لانتقادات من قبل مؤيدي الدراجات والمشاة لعدم استغلال الفرصة لاستعادة الطرقات من السيارات، كما كان الحال في شيكاغو.
إلا أن البطء في تبني مثل هذه المشاريع قد يكون مفيداً. فبعد اتخاذ قرار بعدم تطبيق برنامج شوارع بطيئة بدون التواصل بما يكفي مع المجتمع المحلي، أنشأت مدينة أتلانتا لاحقاً مواقع لإجراء اختبارات كورونا وخيم لتسجيل الإحصاءات تديرها مجموعات محلية موثوقة، ضمن المناطق السكنية.
وفي لوس أنجلوس، تعالت الأصوات المطالبة بإقامة شوارع بطيئة منذ بداية الوباء من قبل الأحياء ذات الغالبية البيضاء حيث كان السكان يعملون من المنزل، ولكن بدل الاستجابة من خلال إقامة شوارع بطيئة في كافة أرجاء المدينة، اتجهت المديرة العامة لهيئة النقل، سيليتا رينولدز، نحو خيار آخر.
سوق العمل
وقالت رينولدز خلال مشاركتها في إحدى اللجان مؤخراً إن المجتمعات ذات الغالبية من الملونين من ذوي الدخل المنخفض "كانوا لا يزالون يتنقلون، كانوا يقودون سياراتهم أكثر من غيرهم لأنهم بعد أن فقدوا وظائفهم في مجال البيع بالتجزئة وقطاع الخدمات، وجدوا بعض الوظائف في سوق العمل المستقل المؤقت، حيث القيادة بحدِّ ذاتها هي وظيفة. وبالتالي، كانوا يحتاجون لأمور مختلفة بما أن تأثير الفيروس عليهم كان أكبر من غيرهم".
لذا، دفعت سلطات المدينة المال لمنظمات مجتمعية محلية حتى تستطلع مَن الأحياء الأكثر تأثراً حول ما يريدونه، بحسب ما قالت رينولدز، ثم استخدمت الأموال التي كانت مخصصة للشوارع البطيئة كي تدعم تناول الطعام في الخارج في تلك المناطق. وتم إغلاق الشوارع في المناطق التي طلبت ذلك.
كذلك، حققت دورهام النجاح من خلال الاستماع إلى المطالبات وتلبيتها. وقد حصلت على منحة بقيمة 25 ألف دولار من الرابطة الوطنية لمسؤولي النقل داخل المدن من أجل تطبيق استجابة للوباء في قطاع النقل، بالتعاون مع منظمة مجتمعية محلية.
أُطلق على هذا المشروع اسم "الشوارع المشتركة" واستُهلَّ تنفيذه في شرق دورهام من خلال ثلاثة اجتماعات عامة بقيادة أورتيز.
وفي المناقشات التي حصلت، استحوذت المخاوف حيال سرعة القيادة والسلامة المرورية على حيز كبير من تصميم البرنامج.
وفي نهاية المطاف، تم توسيع حافات الطريق وتعديل الإشارات المرورية في خمسة شوارع من أجل إلزام السيارات المسرِعة على الإبطاء، وقد تم العمل على هذه التعديلات بمساعدة متطوعين من الأحياء.
وقال منسق شؤون الدراجات الهوائية والمشاة في المدينة، دايل ماكيل: "أعتقد أن أخذ المزيد من الوقت مكننا من تطوير مشروع آمل أن يساعد بشكل أفضل على خدمة حاجات المجتمع"، وهو يعترف أن الفضل في ذلك يعود إلى علاقة المدينة بأورتيز والتزامها تجاه الإشراك العادل للسكان.
من جهتها، تصف أورتيز البرنامج على أنه تمرين على مستوى ضيق يهدف إلى بناء الثقة بين المدينة وسكانها ممن لديهم شكوك شرعية تجاه المسؤولين.
وأوضحت أن تطبيق الشوارع المشتركة على مستوى ضيق وبشكلٍ مؤقت ساعد على تقبلها، وقالت "شعر الناس بالطمأنينة لأنهم علموا أن الأمر ليس لمرة واحدة، وأننا لم نصغ إليهم لمرة واحدة فقط. بل نحن ملتزمون بالإصغاء إليهم".
نموذج ناجح يأخذ جميع المواطنين بعين الاعتبار
وحالياً، يدرس المسؤولون توسيع هذه البرامج على الرغم من ميزانياتهم المحدودة بسبب الوباء، وبات إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع المواطنين بمثابة التحدي الأكبر.
فالتواصل مع السكان وإطلاق نقاشات فعلية والأخذ بتعليقاتهم يتطلب الوقت والمال. ولكسب ثقة المجتمعات المهمشة، قد تضطر المدن في البداية لوضع ثقتها في وسطاء محليين.
وبحسب تاميكا باتار ونعومي إيواسكي، الاستشاريتان في مجال النقل واللتان تركزان على العدالة الاجتماعية، وسبق وقدمتا المشورة للرابطة الوطنية لمسؤولي النقل داخل المدن، فإن الدرس الأهم الذي يمكن اكتسابه من تجربة دورهام وأتلانتا ولوس أنجلس هو أن المسؤولين سمحوا للأشخاص المهمشين أن يحددوا الحلول على الأرض، حتى لو كان معنى ذلك البدء بالنقاش حول كيفية تحديد المشاكل التي قد لا تمت بصلة للنقل.
وقالت باتلر: "السماح للشركاء المجتمعيين بتولي القيادة، هو أمر غالباً ما يكون صعباً بسبب البيروقراطية القائمة، وجزء كبير من ذلك يتمثل بالاستعداد لسماع تعليقات قد لا تتعلق دائماً بأمور النقل". وأضافت: "على المدن أن تفهم أنه لا يمكن عزل أي مسألة عن الأخرى".
من جهتها، دعت أورتيز إلى إعادة توجيه الأموال الموجودة لدى المدن من أجل تمويل منظمات مجتمعية مثل منظمتها.
وقالت: "يعتقد الكثيرون إنَّنا نحتاج للمزيد من الموارد من أجل القيام بمثل هذا العمل، ولكن ما نحتاجه في الواقع هو إعادة توزيع الموارد التي تذهب إلى استشاريين آخرين".
تاريخ من الصدمات
ينظر إلى الشوارع البطيئة على أنها أكثر من مجرد برامج، بل هي نقطة تحوّل في الخطاب المدني. وقال عددٌ من الناشطين المطالبين بالعدالة ممن تمت مقابلتهم خلال الإعداد لهذا المقال إنهم يعتقدون أن المخططين والمسؤولين الذين يعملون معهم، باتوا يفهمون بشكل أعمق المشاكل المطروحة.
على الرغم من ذلك، لا تزال توماس التي كانت قد كتبت المقال الذي انتقدت فيه برنامج أوكلاند تشعر بخيبة أمل من هذه المدينة والمدن الأخرى التي طبقت برامج الشوارع البطيئة، إلا أنها مسرورة لرؤية أن الجيل الجديد من المخططين قد تعلموا العمل مع المجتمعات المحلية بصورة عملية.
وقالت إنه يتم تناول مقالها في مناهج عددٍ من الجامعات وهي تتعاون مع مجموعات تخطيط مهنية من أجل تطوير إجراءات تتعلق بالمصادقات على المشاريع، بطريقة تأخذ بعين الاعتبار الأشخاص من خلفيات مختلفة على الأرض.
وبحسب توماس، فإنه من أجل بناء الثقة من القاعدة إلى أعلى الهرم، لا بدَّ للمدن أن تستثمر في الأشخاص الذين يفهمون المجتمعات التي تخدمها. ويجب أن تتعلم من تجارب العمال الاجتماعيين والاستشاريين والوسطاء حين تعمل على وضع الحلول.
وقالت: "ما ينقصنا حتى اليوم هو النهج الذي يشمل اختصاصات مختلفة وأقسام مختلفة. فنحن لا نسأل فقط ما الذي يجب فعله بالشوارع بل في كيفية جعل المدن والمجتمعات أكثر صحة". وأضافت "إذا انتقلنا للتركيز على ذلك، عندها ستبدو تدخلاتنا مختلفة قليلاً".
من ناحيته، يرى لوغان أن بإمكان المخططين أن يستفيدوا من تجربة المعالجين النفسيين الذين يتعاملون مع الصدمات. ففي سنةٍ سلطت الضوء على عنف الشرطة تجاه السود، تم أيضاً الاعتراف بأن المسؤولين عن تنظيم الشوارع وبناء الطرقات السريعة وتمويل الإسكان يأثرون بعمق على مجتمعات الملونين، وغالباً ما يكون هذا التأثير سلبياً.
وقال: "يعتقد المخططون المدنيون أن بإمكانهم ببساطة بناء خطوط للدراجات الهوائية"، وأضاف: "هم أنفسهم من بنوا قبل وقتٍ ليس بالبعيد الطرقات السريعة داخل الأحياء التي قطعت أواصل الترابط بين السكان. ويجب أن نقرّ بأن ما نقوم به يعتريه تاريخ من الصدمات".
وفيما تتطور الشوارع البطيئة في أوكلاند، يضع لوغان نُصب عينيه مشروعاً جديداً يقوم على مساعدة المجموعات في الأحياء على تولي القيادة فيما يتعلق بالشؤون المرورية.
فمثلاً إذا أراد مجتمع ما إقامة منتزه على الرصيف، فيما طالب مجتمع آخر بدوّار، يريد من المدينة أن تؤمن أدوات السلامة والدعم للسكان لكي يبنوها بأنفسهم.
وقال إن هذه الرؤية أشبه بأن تصنع الأشياء بنفسك ولكن على صعيد التخطيط المدني، وتنسجم مع الدروس المكتسبة من الشوارع البطيئة وإجراءات التقشف الناجمة عن الفجوة التي تقدر بـ62 مليون دولار في موازنة أوكلاند.
مع ذلك، أكد لوغان أنه سيبقى مصمماً على المطالبة بإجراء التغييرات اللازمة في الشوارع التي تشهد ارتفاعاً في أعداد الحوادث والوفيات. وقال: "لا يمكنك أن تمحو المدينة، إذا تم محونا، فلن يكون لديك شيء. وسنعيد تكرار الظلم ذاته مجدداً".