يبحث المستهلكون الذين يقودون أكبر طفرة في الساعات الميكانيكية منذ عقود عن ساعات أغلى ثمناً، وبداية من العلامات التجارية المبتدئة إلى المستقلة الأكثر تميزاً، يسعد المصنعين السويسريين تلبية هذا الطلب.
خذ على سبيل المثال، "ساعات أوريس" (Oris Watches)، وهي علامة تجارية معروفة بساعات الغوص ذات الأسعار المعقولة. فقد أدى الانتقال إلى الطرازات عالية الجودة إلى رفع متوسط سعر البيع من 2000 فرنك سويسري (2038 دولار أميركي) إلى نحو 2400 فرنك سويسري في ثلاثة أعوام، بحسب الرئيس التنفيذي المشارك في شركة "أوريس" رولف ستودر. وشجع ذلك الشركة على صنع مزيد من الساعات بتطوير ذاتي للأجزاء المتحركة، مثل ساعة "برو بايلوت إكس كاليبر 400" (ProPilot X Caliber 400) التي تتميز بعلبة وسوار من التيتانيوم وتُباع مقابل 3900 فرنك سويسري.
قال ستودر: "إنها الشريحة العليا الآخذة في الازدهار، إذ يدرك الناس المزيد ويطالبون بالمزيد وهم مستعدون لإنفاق الأموال على مستوى أعلى من الساعات".
أثر الجائحة
كان الوباء سبباً في هذا الاهتمام غير المسبوق بالساعات الفاخرة، عندما بدأ جيل جديد من هواة الجمع والشغوفين العالقين في المنزل أثناء فترات الإغلاق في التلهف على الساعات الفاخرة عبر الإنترنت.
في الوقت الراهن، تقترب صادرات الساعات من سويسرا، وهي مركز صناعة الساعات العالمية، من مستويات قياسية من حيث القيمة. جدير بالذكر أن الساعات التي يزيد سعرها عن 3000 فرنك سويسري تقود هذه الزيادات، إذ يصبح المشترون في هذه الفئة أكثر ثقافة، ويبحثون عن طرازات عالية الجودة.
كانت "رولكس" رائدة هذا التحول، فهي تهيمن على الصناعة السويسرية بمبيعات تُقدّر بنحو 8 مليارات فرنك سويسري وحصة سوقية قدرها 29% تقريباً للساعات الفاخرة. وارتفعت مبيعات "رولكس" بنحو 17% بين عامي 2019 و2021، وفقاً لكل من "مورغان ستانلي" ومستشار الصناعة "لوكس كونسلت" (Luxe Consult). ويرجع ثلث هذا المكاسب تقريباً إلى تغييرات في مزيج المنتجات، حيث باعت "رولكس" المزيد من طرازاتها الأغلى ثمناً مثل "دايتونا" (Daytona) أو "داي ديتس" (Day-Dates) المصنوعة من المعادن الثمينة.
أكد متحدث باسم الشركة أن "رولكس" رفعت الأسعار في المملكة المتحدة بمتوسط 5% في الأول من سبتمبر. ويأتي ارتفاع الأسعار عقب انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي إلى ما دون 1.15 دولار وقرب أدنى مستوياته منذ عام 1985.
حتى العلامات التجارية الفاخرة مثل "إتش موزر آند سي" (H. Moser & Cie)، المعروفة بساعاتها عالية الجودة والمعقدة ميكانيكياً، تنتقل إلى مستويات أعلى في سلسلة القيمة. وقد ارتفع متوسط سعر ساعات "موزر" من حوالي 32000 فرنك سويسري إلى 42000 فرنك في ثلاثة أعوام.
قال إدوارد ميلان، الرئيس التنفيذي لشركة "إتش موزر آند سي": "هناك طلب أكبر على قطع المجوهرات وساعات التوربيون ومكررات الدقائق"، مشيراً إلى الساعات المرصعة بالجواهر أو التي تتميز بتعقيدات.
فريدريك كونستانت
تتقدم أيضاً ساعات "فريدريك كونستانت" (Frederique Constant)، وهي علامة تجارية سويسرية مملوكة لشركة "سيتيزن واتش" (Citizen Watch) اليابانية وساعاتها لها طابع مشابه للساعات الميكانيكية الأنيقة ذات الأسعار المنخفضة. تغيرت العلامة التجارية بعد أن حققت نجاحاً كبيراً في المبيعات في عام 2020، عندما أوقفت المراحل الأولى للوباء مبيعات التجزئة في المتاجر والإنتاج لفترة وجيزة.
قال نيلز إغيردينغ، الرئيس التنفيذي لـ"فريدريك كونستانت" ومقرها جنيف، إن عام 2022 كان "قوياً بشكل لا يصدق" بالنسبة لمجموعة منتجات الشركة ذات الجودة العالية والأسعار المرتفعة، والتي تشمل ساعات التوربيون والساعات الذهبية التي يتجاوز سعرها حاجز 20 ألف يورو.
رغم أن أسعار الساعات التابعة للعلامة التجارية "فريدريك كونستانت" تبدأ من نحو 500 يورو، إلا أنها تكافح لمواكبة الطلب على الساعات بسعر 2500 يورو وما فوق.
قال إغيردينغ: "الأثرياء يزدادون ثراء، والفقراء يزدادون فقراً، والطبقة المتوسطة تتراجع.. أنت بحاجة للتكيف".
يُعدّ الحصول على نقطة السعر الصحيحة واستحواذ مكانة خاصة أمراً مهماً بالنسبة للعلامات التجارية للساعات، خاصة تلك التي لها زبائن أوفياء. فعلى سبيل المثال، حاولت العلامة التجارية "كارتييه" (Cartier) استثمار المزيد في صناعة الساعات الراقية قبل بضعة أعوام، وهي خطوة أشاد بها هواة الساعات المتحمسين، لكنها كانت سبباً في نفور بعض العملاء الذين أصبحوا يقدرون القطع الأرخص للعلامة التجارية مثل طراز "تانك" (Tank).
في الوقت نفسه، آثار وصول ساعات "أبل ووتش" حالة اضطراب لأنها جذبت المشترين الذين عادة ما يختارون قطعاً بأسعار منخفضة، مثل "موريس لاكروا" (Maurice Lacroix) أو "بوم آند ميرسييه" (Baume & Mercier) أو "لونجين" (Longines).
اجتمع مسؤولون تنفيذيون من صناعة الساعات الأسبوع الماضي في جنيف لحضور حدث تابع للقطاع لتحديد وضع التجارة. واتفقوا جميعاً على شيء واحد وهو عدم التخلي عن طرازات الساعات منخفضة الأسعار على الإطلاق، رغم ارتفاع متوسط الأسعار. وهذا لأن الساعات ذات الأسعار المعقولة تُعدّ، من وجهة نظرهم، ضرورية لجذب عملاء جدد للعلامات التجارية. في هذه الحالة، تكمن الحيلة في نقل هؤلاء العملاء أنفسهم إلى مكانة أعلى في سلسلة القيمة، أي إلى طرازات ذات أسعار أعلى.
قال ستودر، من "أوريس": "لطالما تحدثنا إلى الرجل العادي عاشق الساعات لكنه لا يريد أو لا يستطيع إنفاق 10 آلاف دولار على الساعة وسنواصل القيام بذلك، فهذا جزء من طباعنا".