بعد حياة عملية مليئة بالكد والشقاء، من الطبيعي أن نتطلع إلى الصحة والثروة والسعادة في مرحلة التقاعد.
لسوء الحظ، تشير أحدث الأبحاث إلى أن الغالبية العظمى منا لن يصلوا إلى هذه المرحلة وهم يتمتعون بمستوى جيد من هذه المعايير الثلاثة. فقد قال معهد أبحاث السياسة العامة في لندن، إن 16% فقط من النساء المولودات اليوم سيصلن إلى سن التقاعد بصحة جيدة، مقابل 9% فقط من الرجال.
يمكن أن يكون متوسط العمر المتوقع الصحي مختلفاً جداً عن متوسط العمر المتوقع العادي، رغم أنه من الواضح أن هناك ارتباطاً قوياً بينهما. علاوة على ذلك، ارتفع متوسط العمر المتوقع الصحي بشكل أبطأ، إذ يمكن للمرأة البريطانية العادية أن تتوقع أن تعيش طوال العقد الأخير من عمرها في حالة صحية سيئة.
اقرأ أيضاً: كيف تتقاعد الآن؟ دليلك للتحوط من التضخم وارتفاع الفائدة
تكون احتمالاتك أفضل إذا كنت ثرياً، وإذا كانت وظيفتك تتطلب قدراً أقل من المجهود الجسدي. ومع ذلك، تتعامل الغالبية العظمى من الناس مع عدد من الظروف الصحية الخطيرة بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى سن التقاعد.
اقرأ المزيد: أفضل وأسوأ أنظمة التقاعد العالمية في 2021
لهذا الوضع مشكلاته الواضحة في ما يتعلق بالرفاهية، لكن الضغوط المالية يمكن أن تكون مرهقة بالقدر ذاته.
هناك الكثير من القواسم المشتركة بين التقاعد المبكر المفاجئ لأسباب صحية، وبين الاستغناء عنك في الخمسينيات من العمر وعدم قدرتك على إيجاد عمل مناسب. إن قدرتك على بناء وعاء تقاعد مناسب، تتعرض للخطر في اللحظة التي تكتشف فيها أنه يتعين عليك استخدام مدخراتك في وقت أبكر مما كنت تتوقع.
خطوات عملية
الخلاصة الواضحة هي: لا تعتمد على قدرتك على تعزيز مدخراتك في أواخر حياتك المهنية. مع ذلك، هناك عدد من الخطوات العملية التي يمكنك اتخاذها للاستعداد لمثل هذا الاحتمال غير السار.
يمكنك التأكد من وضع الترتيبات الخاصة برعايتك ورعاية من تعولهم، قبل الحاجة إليها. هناك أمراض عديدة تؤدي إلى تدهور القدرة العقلية، ما يقود في نهاية الأمر إلى عدم القدرة على اتخاذك القرارات بنفسك. وفي مثل هذه الظروف، من الضروري أن تكون لديك توكيلات قانونية دائمة تسمح لشخص محدد بالتصرف بشكل قانوني نيابة عنك إذا كنت غير قادر على القيام بذلك بنفسك.
تتخذ التوكيلات القانونية الدائمة والتي تُعرف اختصاراً بـ(LPAs)، شكلين: أحدهما يتعامل مع صحتك ورفاهيتك، والآخر مع الممتلكات والأمور المالية، وقد يسمح هذا الأخير على سبيل المثال، لمحاميك المعيّن بتأجير منزلك لسداد رسوم الرعاية السكنية.
الإستراتيجية البديلة هي أن يقوم المحامي بشراء عقد الاحتياجات الفورية السنوي من شركة تأمين، ويوفر هذا دخلاً منتظماً لدفع تكاليف الرعاية السكنية مقابل مبلغ مدفوع دفعة واحدة. واعتماداً على عمر الشخص، يمكن أن تزيد التكلفة على 250 ألف جنيه إسترليني (300 ألف دولار)، ويمكن أن يكون الدخل من هذا العقد السنوي مُعفى من الضرائب إذا دُفع مباشرة إلى مقدم الرعاية. مع ذلك، عليك التنبه إلى أنه نظراً لأن تدفق الدخل ينتهي عند وفاة المريض، فقد تكون هذه الإستراتيجية الأخيرة باهظة الثمن إذا كانت الرعاية مطلوبة فقط لبضعة أشهر.
أيضاً يجب تحديث الوصايا بانتظام، خصوصاً إذا كان لديك أطفال. ويمكن أن تتضمن النسخ المبكرة تفاصيل حول من يجب أن يعتني بهم في حالة الوفاة المبكرة، لكن المسودات اللاحقة يمكن أن تتضمن أولاداً بالغين يتصرفون كمنفذين نيابة عنك، أو تزوّدهم بالوسائل المالية لرعاية قريب ضعيف.
اقرأ المزيد: جائحة "كورونا" تؤثر على خطط تقاعد العمال وتدفعهم لتأجيلها
جانب إيجابي باهت
توقعات الحياة الضعيفة لها جانب إيجابي باهت (للغاية) من الناحية المالية، إذ تقدم شركات التأمين في بريطانيا معدلات دخل سنوي أفضل بكثير للأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية. ورغم أن ذلك أقل شيوعاً هذه الأيام، إلا أن بعض الأشخاص يشترون معاشاً سنوياً مقابل دفع مدخراتهم التقاعدية دفعة واحدة لشركة التأمين، لتوفير دخل مضمون مدى الحياة. وإذا تعرضت صحتك للخطر، فقد يكون الدخل الذي يمكنك شراؤه بعقد الدخل السنوي أعلى بكثير مما لو كنت بصحة جيدة.
إذا كنت قد تعرضت لسكتة دماغية أو نوبة قلبية، فقد يزيد دخلك السنوي بنسبة 75% بسهولة عن دخل الشخص السليم. وحتى لو كنت تدخّن بانتظام أو تشرب الخمر أو لديك مؤشر كتلة جسم مرتفع، يمكن أن يزيد من دخلك السنوي. هناك ما يُقدّر بنحو 60% من المؤهلين لشراء الدخل السنوي يكونون، مؤهلين لنوع من الدخل الأعلى.
تعود عقود الدخل السنوي مع شيء من التجديد، لأن الدخل الذي تدفعه يعتمد أيضاً بشكل كبير على أسعار الفائدة طويلة الأجل في السوق، والتي ارتفعت بشكل حاد خلال العام الجاري.
الجانب السلبي لشراء عقد الدخل السنوي، هو أن ورثتك سيرثون أقل مما قد يرثونه بخلاف ذلك. ولهذا السبب، سيوصي عدد قليل من المستشارين الماليين بشراء واحد من هذه العقود إذا كانت نهاية الحياة المتوقعة وشيكة.
كذلك، فإن لاعتلال الصحة أيضاً تأثير على كيفية إدارتك لمدخرات التقاعد. وكقاعدة عامة، أي شيء يؤثر على قدرتك على الكسب يجب أن يجعلك أكثر تحفظاً في استثماراتك، وينبغي توظيف أقوى أداة لتخطيط المعاشات التقاعدية على أن يكون لديك خيار مواصلة العمل إذا كانت مدخراتك غير كافية للتقاعد. لكن إذا تقلصت قدرتك على الكسب أو تلاشت تماماً، فيجب أن ينعكس ذلك في مقدار المخاطر التي تكون على استعداد لتحملها مع مدخراتك الحالية.
بيانات غامضة
تطرح الاحتمالية المنخفضة لبلوغ سن التقاعد بصحة جيدة سؤالاً آخر: هل يجب عليك التقاعد مبكراً لتجنب هذه المشكلة في المقام الأول؟ البيانات غامضة بشكل مدهش في هذا الشأن، إذ زعمت بعض الدراسات أن التقاعد المبكر لا يؤدي فقط إلى زيادة متوسط العمر المتوقع، ولكن يمكن أن يزيد أيضاً من متوسط العمر المتوقع الصحي. لكن إحدى الدراسات الشهيرة اقترحت العكس تماماً، أي أن العمل لفترة أطول يؤدي إلى زيادة متوسط العمر المتوقع، علماً أنه لا توجد إجابة مباشرة عن هذا السؤال.
لكن ما هو واضح، هو أن المخاوف المالية يمكن أن تتفاقم بسبب الملل وعدم الرضا، ما يؤدي إلى اكتئاب ما بعد التقاعد، وهذا سبب آخر يفسر لماذا ينبغي على الناس الاستعداد عقلياً ومالياً للتقاعد في وقت أبكر مما قد يتوقعونه.
وبشكل لا يحتمل الجدل، إذا وجدت وظيفتك مرهقة وكنت قد وفّرت ما يكفي من المال، فقد يكون التقاعد المبكر هو الخيار الصحي بالفعل. فبعد كل شيء، لا توجد جوائز لكونك أغنى شخص في المقبرة.