في الأسبوعين الماضيين، وجد بيتر بروتمان نفسه يقيّم مجموعتين من السيارات المطروحة للبيع عبر التفاوض الخاص المباشر، وتبلغ أسعارها عدة ملايين من الدولارات.
تُعدّ كل مجموعة من المجموعتين –الأولى تزيد على دزينة من السيارات الكبيرة من طراز بورشه، والثانية خبيئة من سيارات فيراري المميزة– صفقة ثمينة محتملة على مجموعة بالغة الندرة من السيارات التي كانت خفية إلى درجة أن بروتمان نفسه لم يكن متأكداً من وجودها حتى وقت قريب.
غير أنك إذا سألت الرجل المتخصص، الذي يعمل من مقر في فيلادلفيا وفي لوس أنجلوس، إذا كان يقلقه أن توقيت عملية البيع يتزامن مع بعض موجات الهبوط السريعة في سوق الأسهم، فإنه سيبتسم، ويقول: "هؤلاء الناس ليسوا من أولئك الذين يتخذون قراراتهم بناء على أداء سوق الأسهم".
حكمة الأمثال تقول إن كثيراً من المستثمرين يبحثون عن الاستقرار المتصور في بعض السلع، مثل الذهب، عندما تنهار القيم السوقية للشركات المتداولة. غير أن كثيراً من أغنى أغنياء العالم يختارون بدلاً من ذلك ضخ نقودهم في سلع حقيقية، من بينها السيارات.
أصول بديلة
يقول مايكل كايمانو، إخصائي السيارات في دار مزادات "آر إم سوذبيز" (RM Sotheby’s): "من الناحية التاريخية، عندما تتحرك الأسواق هبوطاً، يميل الاتجاه في هذه اللحظة إلى أن تبدأ الأموال في التدفق على الأصول البديلة، مثل السيارات القديمة التي تُطرح للاقتناء".
في الشهر الماضي، كتب المتحدث باسم شركة "هاغرتي" (Hagerty): "إن الناس يعتبرون الأداء الذي يبعث على الإحباط في أسواق الأسهم سبباً –أو تبريراً– في إنفاق مزيد من الأموال على السيارات". رغم ذلك، هذه العقلية تنقسم إلى مستويات مختلفة. فقد بدأت القيم تستوي بالنسبة للسيارات الرياضية القديمة التي تقل أسعارها عن مليون دولار، وشهدت رواجاً هائلاً أثناء تفشي جائحة فيروس كورونا الجديدة، عندما سُجّلت أرقام قياسية للأسعار والكمية على منصات على شبكة الإنترنت مثل "برينغ أتريلر" (Bring a Trailer) و"ماركت باي بونامز" (Market by Bonhams).
غير أن الناس الذين يبحثون عن شراء الأشياء المميزة مثل سيارات فيراري من خمسينيات القرن الماضي، أو مرسيديس- بنز غولوينغز، وسيارات السباق من جاغوار وبورشه، هم سعداء خارج هذا المجال. إنهم ببساطة لا يتعرضون لتأثير تقلب الأسواق.
يقول ستيفن سيريو، وسيط سيارات أوروبية فاخرة ومقره في بوسطن: "في السيارات التي تنخفض أسعارها عن ربع مليون دولار، يبدأ ذلك في أن يصح قليلاً. وبالنسبة إلى فترة كوفيد، إذا جاز التعبير، فإن أثرها تحقق قليلاً. لكن أسواق الأسهم لا تعني شيئاً بالنسبة لشخص يستطيع أن يوقع شيكاً بمبلغ 5 ملايين أو 10 ملايين دولار مقابل سيارة".
تبادل عالمي
إن العوامل التي تؤثر فعلاً على مشتري السيارات التي يبلغ سعرها رقماً من 7 أرقام متجاورة هي أكثر شمولاً واتساعاً: مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، أو أسعار الحبوب أو أسعار الطاقة، أو الحرب في أوكرانيا. فجميع هذه العوامل تعزز القوة النسبية للدولار الأميركي.
يوضح سيريو أن: "أهم شيء حالياً بالنسبة لكبار جامعي المقتنيات هو إلى أي مدى يمثل الدولار فرصة"، ملاحظا أن أسعار صرف العملات في صالح الدولار مقارنة مع اليورو في الوقت الراهن، وقد ترجم ذلك في توفير أموال كثيرة. فأولئك الذين يشترون سلعاً بالدولار الأميركي "يستطيعون توفير 10% من سعر أي شيء، وفي صورة نقود حقيقية. ويسأل الناس: هل يوجد ما نستطيع شراءه في أوروبا ويكون سعره الآن أرخص من سعره في الولايات المتحدة؟".
بلغ الدولار الأميركي درجة من القوة هي الأعلى منذ عقود، مرتفعاً بنسبة تتجاوز 10% في العام الحالي. وبالنسبة للأميركيين الذين يشترون أندر أنواع السيارة فيراري أو أستون مارتينز، مثلاً، في إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا، هذه القوة تعني أن نقودهم تشتري أكثر.
يعلّق ساريو: "لقد عقدت صفقة على سيارة فيراري مونزا بقيمة 750 يورو منذ شهر مضى، غير أنني تمنيت لو كنت عقدتها اليوم لأنها كانت ستنفذ أرخص بقيمة ألفي دولار. فقد نفذنا العملية على سعر صرف 1.05 دولار مقابل اليورو، والآن يقترب سعر اليورو من دولار واحد –هذه الأسعار تصنع فرقاً كبيراً في صفقة تبلغ قيمتها 5.5 مليون دولار. وهو مبلغ كبير من المال".
قائمة الأثرياء ... وأي شخص آخر
مع تنحية كل هذا جانباً: على أي حال، تتوقف الصفقات على السيارات التي تبلغ أسعارها سبعة أرقام متجاورة عادة في هذا الوقت من العام. فكثير من هواة الاقتناء يؤجلون شراء أي شيء خلال أشد أيام الصيف حرارة انتظاراً لما سيُعلن عنه بخصوص مزاد السيارات السنوي خلال الأسبوع الثالث من شهر أغسطس في مدينة مونتيري بكاليفورنيا، وذلك إن لم يكونوا بالفعل في إجازة وخارج شبكة الاتصالات، يبحرون في بحر كورتيز بالمكسيك ،أو قابعين في فيلا على بحيرة كومو في إيطاليا.
يؤكد سيريو: "هناك فترة من الخمول وتوقف النشاط تبدأ من الوقت الحالي حتى انعقاد مزاد (شاطئ بيبل) في مونتيري، لأن الجميع ينتظرون حتى يروا ماهي العروض التي ستُطرح. إن الجميع يسعون وراء الجبن، فهل أظل حذراً ومتأهباً حتى يأتي موعد الذهاب إلى مدينة مونتيري؟".
رغم انخفاض أعداد الحضور أثناء فترة تفشي الوباء، مازالت المزادات التي تُعقد أثناء تجمع "بيبل بيتش كونكور ديليغانس" تُعتبر هي أهم وأبرز الأحداث في العام– وأكثرها فائدة وكشفاً فيما يتعلق بالإشارة إلى اتجاه سوق السيارات.
تشمل بعض السيارات التي أعلن عن بيعها فعلاً في هذا العام سيارة مرسيدس-بنز 300 إس إل رودستر موديل 1962 (وهي واحدة من 218 سيارة فقط صُنعت بكتلة محرك حسب الطلب)، وسيارة سباق بورشه 5/934 موديل 1977، من شركة المزادات "غودينغ" (Gooding & Co)، وسيارة فيراري 410 سبايدر الرياضية التي صنعت بدنها شركة "سكاغلييتي" (Scaglietti)، وسيارة مرسيدس-بنز 540 ك سبيشال رودستر، تعرضها شركة المزادات "آر إم سوذبيز"، وسيارة لامبورغيني ميورا بي 400 إس، صمم بدنها شركة "بيرتون"، وتعرضها منصة مزادات "بونامز".
بالنسبة إلى معظم المشترين، هذه السيارات ليست في متناول اليد. (وبينما لم تُعلن الأسعار التقديرية لها، فقد تم تقييم السيارة فيراري الرياضية الحمراء والسيارة مرسيدس التي تعود إلى عصر ما قبل الحرب العالمية من قبل شركة "آر إم سوذبيز" عند 30 مليون دولار و12 مليون دولار على الترتيب).
عملية تصحيح
مع ذلك، تشير هذه الأسعار إلى نوعية المشترين التي تتوقعها بيوت المزادات لحضور عملية البيع. وقال متحدث باسم شركة المزادات في رسالة بالبريد الإلكتروني إن الشركة أرسلت هذا العام 58 سيارة تزيد أسعارها على مليون دولار للبيع في مزاد "بيبل بيتش". وفي المقابل، باعت شركة مزادات "آر إم سوذبيز" في العام الماضي 42 من هذه السيارات. وقدّرت شركة "غودينغ" 50 سيارة قبل المزاد بسعر مليون دولار على الأقل، بزيادة عن 38 سيارة في العام الماضي، بحسب متحدث رسمي باسم الشركة.
قال كايمانو: "إن سيارات الاقتناء الراقية تتجاوز في أدائها تقريباً جميع طبقات الأصول الأخرى مع مرور الوقت".
بالنسبة لما قد يحدث في مدينة مونتيري، يقول الخبراء إن الأسعار قد لا تواصل مسارها الذي رآه المستثمرون على مدى العامين الماضيين. وقد يبدو ذلك تباطؤاً، غير أنه سيشبه عملية تصحيح في مسار نمو غير مستدام أكثر منه تدهوراً حقيقياً.
قال وايلي: "يواصل معدل التضخم تسارعه وسط مخاوف من أن تؤدي إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي لوقف زيادته إلى دفع الاقتصاد في هوة الركود. وإذا اعتمدنا على التجربة التاريخية، فإن هبوط الأسواق بهذه النسبة الكبيرة سوف يؤثر على عالم سيارات الاقتناء، ونتوقع أن بعض هواة اقتناء السيارات سوف يضطرون إلى البيع تحت ضغط، بينما آخرون سيعتبرون السوق الهابطة فرصة للشراء".
من ينتمون إلى الشرائح العليا مازالوا متفائلين. إن التعطش لسيارات في حالة جيدة كان من القوة على مدى الأعوام السبعة أو الثمانية الماضية حتى أن أسعارها ستظل تحلق في الطبقة العليا للغلاف الجوي حتى لو حافظت فقط على وتيرتها الحالية دون أي زيادة.
يقول سيريو: "إن الأثرياء دائماً سوف يصبحون أشد ثراءً بكثير، وأنا أتشوق جداً لأن أرى ما سيحدث في مزاد مونتيري".