الحظر الأمريكي على الألماس الروسي يضرب تجارة بمليار دولار

أحد محلات بيع المجوهرات في منطقة الألماس في مانهاتن، حيث قال التجار إن الأعمال تباطأت خلال الأشهر القليلة الماضية - المصدر: بلومبرغ
أحد محلات بيع المجوهرات في منطقة الألماس في مانهاتن، حيث قال التجار إن الأعمال تباطأت خلال الأشهر القليلة الماضية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أدّى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى كسر سلسلة التجارة التي تبلغ قيمتها مليار دولار، الممتدة عبر مناجم الألماس المغطاة بالجليد في سيبيريا، وبيوت التجارة السرية في أنتويرب، ومراكز التلميع المغبرة بالأتربة في الهند، ومتاجر المجوهرات الفاخرة في نيويورك.

تُزوِّد عملاقة التعدين الروسية "ألروسا" (Alrosa PJSC) العالم بنحو ثلث الأحجار الكريمة الخام، وقد تسببت العقوبات الأمريكية ضد الشركة في اضطراب الصناعة.

أعلنت شركتا "تيفاني أند كو" (Tiffany & Co)، و"سيغنيت جويليرز" (Signet Jewellers) عن خطط لتعليق شراء الألماس الروسي، رغم اقتراب موسم الزفاف في الولايات المتحدة، بينما تدور مفاوضات يائسة للالتفاف على العقوبات وإيجاد بديل من الهند، أكبر مصدر في العالم، حيث يتم تقطيع وصقل 9 من كل 10 أحجار.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تعتمد الولايات المتحدة على الهند في الحصول على نحو نصف احتياجاتها من الألماس، ما يجعل لنيودلهي دوراً رئيسياً في التداعيات وإمكانية الحفاظ على المتاجر في الجادة الخامسة بنيويورك المليئة بالمجوهرات.

قد تُعطِّل الاضطرابات الإمدادات بكافة أنحاء أمريكا الشمالية، ما يُكلّف الهند 2.5 مليار دولار هذا الربع، أو نحو 10% من مبيعاتها السنوية.

مع تخفيف القيود المفروضة على الوباء، تتوقع "سيغنيت جويليرز" وغيرها من شركات تجارة المجوهرات إقامة 2.5 مليون حفل زفاف في الولايات المتحدة هذا العام، ما يمثل أعلى رقم في أربعة عقود.

يسود الهدوء أسواق الألماس في مدينة سورات الهندية، أحد أكبر مراكز تلميع الأحجار الكريمة في العالم، خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يجلس العمال مكتوفي الأيدي، يتذمرون ويشربون أكواب الشاي، مع انخفاض واردات الأحجار الجديدة، وتراجع الأسعار، حيث يشتكي الجميع من الوضع الصعب للمصدرين بسبب العقوبات.

قال مانيش جين، التاجر الذي يقف مستاءً هو وآخرون، في يوم حار الشهر الماضي: "عادة ما تكون الشوارع ممتلئة بالمشترين والبائعين، فقد انخفضت الأسعار فجأة مع بدء الحرب، ونمتلك الآن مخزونات عالية القيمة بدون مشترين".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

قيود على الألماس الروسي

في الوقت الحالي، تسمح العقوبات الأمريكية بالواردات "التي تم إجراء تحويلات كبيرة عليها" في بلد مثل الهند، رغم ضغوط المُشرِّعين لسد تلك الثغرات، لكن تجار التلميع يقولون، إن بعض العملاء بدؤوا رفض الأحجار المستخرجة من روسيا، ووصفوها بأنها ألماس يُغذّي الصراع.

وسط سيطرة حالة من عدم اليقين، يستعد التجار في الهند لتحديد أصل كل حجر، وإعادة توجيه الألماس الروسي إلى أسواق أقل صرامة في تطبيق العقوبات مثل الصين أو جنوب شرق آسيا أو الإمارات.

يقول فيبول شاه، نائب رئيس مجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات، إن الهند تواصل تصدير المخزون الحالي من الألماس الروسي الذي تم الحصول عليه قبل فرض العقوبات إلى الولايات المتحدة، والمتوقع نفاده في الأسبوع الأول من شهر يونيو، بينما تواصل العديد من الدول الأوروبية تقييد واردات السلع الفاخرة الروسية.

وتتزايد القائمة هناك أيضاً، حيث أعلنت بريطانيا أنه سيتم حظر السلع الفاخرة من الألماس إلى الكافيار، أو فرض ضرائب كبيرة عليها.

لا تتجه "دي بيرز" (De Beers)، ثاني أكبر مزود للألماس في العالم، إلى زيادة إنتاجها من الأحجار الكريمة، حيث تحتفظ بالمخزون الذي تحتاجه للوفاء بالتزاماتها فقط، كما تعمل مناجمها بكامل طاقتها، حيث تتضاءل فرص زيادة إنتاجها قبل عام 2024، مع الانتهاء من التوسع في منجمها الرئيسي بجنوب أفريقيا.

قال بروس كليفر، الرئيس التنفيذي لشركة "دي بيرز"، في مقابلة في كيب تاون: "من الصعب جداً البدء في عمليات إنتاج جديدة".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

ارتفاع الأسعار

قال شاه، إن عدم الوصول إلى الألماس الروسي على المدى الطويل يُدمّر الصناعة، ويعرض آلاف الوظائف في الهند للخطر، ويؤثر على المراكز التجارية الرئيسية بكافة أنحاء العالم.

ألغت "آل روزا" أخر مبيعاتها في أبريل الماضي، ومن غير المرجح بيع أي كميات كبيرة مرة أخرى هذا الشهر، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر.

قالت المصادر، إن سعر الألماس الخام الصغير، الذي ينتهي به المطاف متجمعاً حول حجر سوليتير في خاتم الزواج، ارتفع بنحو 20% منذ بداية مارس.

وأضاف شاه "الألماس ليس كالنفط، حيث يمكن لدولة أخرى أن تزيد إنتاجها لتعويض النقص، فلا توجد مناجم جديدة في مكان آخر، لذلك تبعيتنا كبيرة".

تمثل الأحجار الكريمة والمجوهرات ثالث أكبر مساهم بعائدات التصدير في الهند، حيث ساهمت بنحو 39 مليار دولار خلال السنة المالية التي انتهت في مارس الماضي.

في حي الألماس في مانهاتن، حيث الباعة المتجولون خارج عشرات المتاجر المضاءة بالنيون، يقول التجار، إن الأعمال التجارية قد توقفت خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث أحدثت الحرب أزمة في السوق المحاصر بمشاكل سلسلة التوريد، التي تسبّبت في تباطؤ إنتاج المناجم وزيادة التضخم.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تراجع الطلب

قال آفي دافيدوف، المستشار في شركة "ليون دياموند" (Leon Diamond)، إن العملاء يسألون حالياً عما إذا كانت الأحجار تأتي من روسيا، كما تراجع الاهتمام بشكل يفوق مرحلة ما بعد فيلم هوليوود "ماس الدم"، الذي ألقى الضوء على استخراج الألماس من مناطق الصراع في أفريقيا.

وأضاف دافيدوف: "لا ندري كيف ستكون النهاية، فلا يعرف أحد إلى أين تتجه هذه الحرب".

تسبّبت العقوبات الأمريكية في حدوث اضطراب في نيودلهي، ففي الوقت الذي يتحد فيه الغرب ضد العدوان الروسي، تواصل الهند، الحليف السياسي والتجاري الوثيق لموسكو، استيراد النفط والأسلحة والسلع من روسيا، ما أثار غضب حلفائها في الناتو وفي واشنطن، وكذلك اليمين داخل الهند، حيث يرون في نهج رئيس الوزراء ناريندرا مودي الداعم لروسيا خيانة للحلفاء الديمقراطيين.

تشترك الهند في المستنقع مع العديد من الدول التي تتمتع بعلاقات طويلة الأمد مع روسيا، حيث يسود التساؤل، كيف يمكنك إرضاء الحلفاء المتناحرين، وحماية النمو محلياً، وسط اقتصاد شديد العولمة؟

لا توجد إجابات واضحة لذلك التساؤل. حيث تُعدّ الهند أكبر مشترٍ في العالم للأسلحة الروسية، رغم محدودية العلاقات التجارية إلى حد ما.

يدرس المسؤولون كيفية إيجاد طريقة لمواصلة الأعمال التجارية، عقب منع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، روسيا من استخدام "سويفت" (SWIFT)، نظام الدفع والتحويلات الدولية، ومقره بلجيكا، ومن بين الاقتراحات، قيام روسيا بإيداع الروبل في البنوك الهندية، وتحويله بعد ذلك إلى روبية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

معادلة صعبة

قالت مصادر مطلعة على الأمر، إن وفداً من "ألروسا" زار الهند الشهر الماضي، والتقى بعملاء ومجموعات تجارية لمناقشة بيع الألماس باستخدام ذلك الحل.

لكن المحادثات لم تكن حاسمة، ولا يزال القلق يسيطر على المسؤولين من استفزاز الولايات المتحدة، التي تُعتَبر الهند بمثابة حليفها الذي يمنع زيادة نفوذ الصين في المنطقة.

امتنعت "ألروسا" عن التعليق.

قال أميتندو باليت، زميل أول، المتخصص في دراسات شؤون جنوب آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، إن الهند تواجه "معادلة صعبة ومعقدة" بشأن إدارة الموقف وكيفية "دعم روسيا أو تأييد بقية العالم"، حيث شبّهت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو، ربط الروبل بالروبية بـ"تمويل ودعم حرب الرئيس بوتين".

وأضاف باليت: "من المرجح زيادة التحديات مع استمرار الصراع لفترة طويلة، وسيكون هناك ضغط ضمني على الهند للابتعاد عن روسيا وتجارتها".

يسيطر القلق على التجار في سورات، مركز صناعة الألماس في ولاية غوجارات، مسقط رأس مودي، في ظل عدم وجود حل طويل الأجل.

تضم المدينة نحو 5 آلاف ورشة تلميع الماس، التي يوظف بعضها مئات العمال وأخرى تضم عدداً قليلاً من الأشخاص، وتتركز في ماهيداربورا، أكبر سوق يستخدم فيه التجار الملقط والنظارات المكبرة لتفقُّد الآلاف من الأحجار الكريمة المتجهة إلى تجار المجوهرات الغربيين، وتظهر الكثير من أدوات التلميع للدرجة التي ينشر فيها البعض الملاءات القطنية في الشوارع للقيام بعملهم.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تداعيات كبيرة على الصناعة

يسيطر الهدوء على المصانع، وغالباً ما يكون الصوت الوحيد داخلها هو صوت الراديو الذي يعزف على رامايانا، الملحمة الهندوسية القديمة.

في شركة "بي دوت فيراني"(B. Virani & Co)، التي تُزوِّد العملاء بالألماس مثل "تيفاني"، يعمل الموظفون في نوبات عمل لمدة 10 ساعات، على آلة تشبه القرص الدوار لتقطيع الألماس، وتتراوح رواتبهم حول 450 دولاراً في الشهر.

قال تجار في أخر زيارة، إنهم يعملون في الوقت الضائع، وفي حالة استمرار العقوبات، ستؤثر التداعيات بداية على المصانع الصغيرة، التي تعمل بعضها منذ عقود، وقد بدأت بعض المصانع في تقليل ساعات العمل بالفعل.

تتسبّب فوضى الترتيبات اللوجستية المتعلقة بفصل الأحجار الروسية، التي لا يزيد حجمها عادة عن بضعة ملليمترات، عن المستخرجة من أماكن مثل أفريقيا أو كندا في فوضى الصناعة، التي توظف نحو مليون شخص في سورات.

قال أبهيشيك بيد، تاجر من الجيل الثالث، إنه احتمال يقلق الجميع.

وأضاف بيد: "قد تكون العين المدربة قادرة على التمييز بين الألماس من أصول مختلفة بسبب اللون، لكن القيام بذلك على نطاق أوسع سيكون مستحيلاً".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك