يفترض للملح أن يتربع على عرش الساحة في نيويورك مع افتتاح مطعم "نصرت" (Nusr-Et) لصاحبه "نصرت غوكشيه" (Nusret Gökçe)، المعروف باسم "سولت باي" (Salt Bae)، والذي بلغ عدد متابعيه على "إنستغرام" (Instagram)، قرابة 13 مليون متابع بسبب طريقته المسرحية الفريدة في رش الملح على اللحم.
من جانب آخر، عاد السكر مرة أخرى ليحل محل الملح كأكثر عنصر أساسي تستخدمه في مطبخك، ويمكنك الإطلاع على مشروع قانون مجلس الشيوخ لمدينة نيويورك رقم S162 الذي يقترح وضع تحذيرات تتعلق بالسلامة بشأن المشروبات المحلاة بالسكر.
يُستخدم الملح كقطعة ديكور استثنائية في مطعم "شيفس كلوب نيويورك" Chefs Club NYC))، حيث تم وضع قطعة ضخمة من ملح الهيمالايا تزن حوالي 600 كغ داخل صندوق زجاجي وتعليقها فوق صالة الطعام.
ويحبط المطعم توقعاتك عندما تعرف أن الموائد أسفل قطعة الملح الضخمة لا يوجد عليها أي نوع من الملح، إذ لاحظت في زيارتي الأخيرة إلى "منطقة سوهو" (SoHo spot) أنه قد مر وقت طويل منذ شاهدت الملح على موائد المطاعم في نيويورك.
اختفت الممالح من المطاعم الراقية التي كانت فيها يومًا من الأيام عنصرًا لا يُستغنى عنه، وهذا مقصود لأسباب عديدة يفسرها أشهر الطهاة.
الممالح كانت تحتوي في الغالب على ملح رخيص
يعود السبب الأول لاختفاء الممالح إلى جودة المنتج الذي تحويه، وهو عبارة عن ملح دقيق مدعم باليود لا يتجاوز سعر الكيلو منه 2 دولار في السوبرماركت وله نكهة ملحية قوية يمكن أن تطغى على نكهة الطعام الأصلية بدلًا من أن تُبرزه.
في هذا الزمن الذي يسعى فيه الجميع لاستخدام أفضل أنواع المنكّهات والتوابل، فإنه لا يليق بمطعم مثل مطعم "إستياتورو ميلوس" (Estiatorio Milos)، الذي يستخدم ملحًا بحريًا من أجود الأنواع المستخرجة من الجزر اليونانية، أن يستخدم الممالح العادية ذات الطراز القديم، بل يعتبر أمرًا مخزيًا أيضًا.
ويعلق على هذا "جوش كابون"، (Josh Capon) صاحب مطعم "باوري ميت كو" (Bowry Meat Co)، قائلًا: "أصبحت الممالح الصغيرة المزعجة التي تحتوي على حبوب الأرز أمرًا من الماضي".
الطهاة يحبون السيطرة
ولعل أحد الأسباب الأخرى لعدم توفر الملح على موائد الزبائن بشكل مباشر هو تفضيل الطهاة التحكم بكمية الملح وإضافته إلى أطباق الطعام بأنفسهم، إذ يقول "كابون" (Capon): "إذا ذهبت إلى المطاعم المعروفة، ستجد أن الطهاة يحبون أن يكونوا المسؤولين عن إضافة الملح إلى الأطباق".
إلا أن غياب الممالح عن الموائد أصبح ملحوظًا أكثر مع عودة المطاعم الفرنسية إلى أوجها، فمن السهل أن تلاحظ غيابه إذا ما تناولت طبقًا من عجة البيض أو الدجاج المشوي بالمقارنة مع أجنحة دجاج " تشونغكينغ " (Chongqing) الحارة في مطعم "ميشين تشاينيز فود" (Mission Chinese Food).
في هذا الشأن، يقول الشيف "آندرو كارميليني" (Andrew Carmellini)، الذي تشمل مطاعمه كلًا من "لوكاندا فيردي" (Locanda Verde) و"ليتل بارك" (Little Park) و"لوكا" (Leuca) في بروكلين: "أحب تسمية هذا الأمر بـتأثير الدوريتو (Dorito Effect)، فهناك الكثير من النكهات اللذيذة الطاغية في الأطعمة أو ما يُطلق عليها بـالأومامي (Umami)، إلى جانب الكثير من النكهات الحامضة والحارة بحيث لم يتبقّ مجال لإضافة الملح".
الموائد مليئة بالأطباق
على الرغم من عدم وجود الممالح على موائد مطاعم "كارميليني" (Carmellini)، إلا أنها تقدم الملح عند طلبه على حد قول الشيف "آندرو كارميليني". ويضيف: "في مطعم مثل لوكاندا (Locanda)، حيث توجد العديد من الأطباق التي يتم مشاركتها مثل الباستا وأطباق رئيسية أخرى، تعج المائدة بالصحون بحيث يصبح وجود أي شيء إضافي عائقًا".
شعرت شخصيًا بغياب الملح بشكل واضح في مطعم "شيفس كلوب نيويورك" (Chefs Club NYC)، الذي يقدم فيه الشيف المقيم الجديد "سوتا أتسومي" (Sota Atsumi)، بعد أن اشتهر في مطعم "كلاون بار" (Clown Bar) بباريس، أطباقًا مثل "الكركند مع الكسكس و40 نوعًا من البهارات"، ولكن على الرغم من هذا الاسم، كان الطبق لا يزال بحاجة إلى المزيد من النكهة.
طلبت بعض الملح لتأتيني كمية متواضعة منه في صحن صغير لدرجة أنني كدت أطلب المزيد.
"آرون أريزبي" (Aaron Arizpe)، المسؤول عن الطهي في "شيفس كلوب"، فسّر ذلك بقوله: "يجب تلبية جميع طلبات الطهاة المقيمين، وهذا ينطبق على جميع التفاصيل، حتى وجود الملح على الطاولات أو عدم وجوده".
ويضيف أنه يفضّل شخصيًا وجود الملح على الطاولة، إذ يقول: "عندما أخرج لتناول الطعام، فأنا أفعل ذلك للمتعة لا للاعتدال في الطعام أو التعلم عنه، فإذا وجدت أنني أفضل إضافة البعض من الملح إلى الطبق، فمن حقي أن أفعل ذلك".
الممالح لا تضفي مظهرًا لائقًا
لا يمكننا أن ننسى جمالية المكان، ذلك أن أحدًا لم يتمكن حتى الآن من اقتراح بديل للممالح يناسب جميع الاستخدامات، فبينما يفضّل بعض الطهاة مطاحن الملح، فإن هذه الأداة الجميلة المفيدة لا تناسب جميع موائد الطعام.
وفي حين يختار آخرون تقديم الملح في صحون صغيرة تحتوي على رقائق من الملح الغالي الثمن مثل ملح "مالدون" (Maldon)، فإن هذه الصحون تكون مرتفعة الثمن نظرًا للحاجة إلى استبدال صحن الملح لكل مجموعة جديدة من ضيوف المطعم، عدا عن أنه يتم سرقتها، الأمر الذي يشير إليه "كابون" بقوله: "تختفي صحون الملح الصغيرة بسرعة، وكأنها تملك أقدامًا للهرب، فالناس يحبون الأشياء الصغيرة".
يوافقه في ذلك الشيف "ديف بورك" (David Burke) إذ يقول: "في أحد المطاعم التي عملت بها سابقًا، كانت لدينا ممالح جميلة للملح والفلفل تكلفة الواحدة منها حوالي 50 دولارًا، إلا أن جميعها قد سُرق تقريبًا خلال بضعة أشهر. لقد تعلمنا الدرس".
كان مطعم "سايمون آند ذا ويل" في "فريهاند هوتيل" (Freehand Hotel) أحد المطاعم القليلة في نيويورك التي وجدت فيها الملح موضوعًا على الطاولة مسبقًا، حيث أن صاحبه "غابرييل ستولمان" (Gabriel Stulman) يقدمه في جميع مطاعمه بما فيها مطعمي "جوزيف ليونارد" (Joseph Leonard) و"فايرفاكس" (Fairfax).
ويقول "ستولمان" (Stulman): "لو حاولتُ معرفة سبب عدم وضع الملح على الطاولات في كثير من الأحيان، لقلت إنه غرور الشيف"، إذ يقول لنفسه: "طعامي مملح بشكل جيد ولا داعي لتمليحه أكثر"، كما أشار إلى أن التخلص من الملح أمر مكلف للغاية، "ولكنك لا تستطيع أن تبقي الملح الذي لمسه شخص لا تعرفه على الطاولة، فهذا أمر ليس مقبول".
ويتوفر الملح على الطاولة في مطعم "إيليفين ماديسون بارك" (Eleven Madison Park)، المطعم الأول على مستوى العالم حاليًا، حيث أعجب الشيف "دانييل هام" (Daniel Humm) بنوعية الملح الذي وجده قبل سنوات عدة في "أماغانسيت سي سولت كو" (Amagansett Sea Salt Co.) لدرجة أنه يستلم حاليًا وبشكل ثابت طلبًا أسبوعيًا من ملح هذه الشركة.
إلا أن هذا الملح اللذيذ يقدّم مع طبق الخبز الخاص في المطعم ليتم إزالته من على المائدة بعد ذلك.