حمل تقرير حديث، مفاجأة صادمة لكثيرٍ من مستهلكي العطور، ترتبط بمكونات خطرة تحتويها تلك المنتجات، ولا يتم ذكرها ضمن قائمة المكونات؛ إذ تكشف معلومات عن أن بعض الروائح العطرية تحتفظ بسرية في هذا الأمر، وتتوارى خلف أسماء بعض المشاهير.
وكشفت دراسة أجرتها منظمة "شركاء الوقاية من سرطان الثدي" (Breast Cancer Prevention Partners)، عن وجود مجموعة من المواد الكيميائية في المنتجات شائعة الاستعمال، موضحة أنّ معظم هذه المواد تستخدم لمنح روائح تزيد من جاذبيتها، والأزمة في أنها تحمل أسماء المشاهير أو تباع للمستهلكين البسطاء.
مكونات الروائح العطرية السر الذي لم تكشفه الشركات بعد
ورغم استجابة بعض شركات التجزئة والدول والمصنعين لمطالب المستهلكين الداعية إلى شفافيةٍ أكبر فيما يتعلق بالكشف عن مكوّنات منتجاتها، إلا أن الروائح العطرية لا تزال عنصرًا سريًّا، إذ يُشار عادةً إليها بمصطلحات عامة مثل "عطر" أو "مادة معطّرة".
وتوصلت الدراسة إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع المواد الكيميائية المثيرة للقلق، تندرج ضمن مكونات المواد المعطرة في المنتجات التي تم اختبارها. وكان من المتوقع أن يُقدم مشروع قانون فيدرالي أمريكي ينص على إدراج هذه المواد في قائمة المكونات، في 26 سبتمبر 2018.
"جانيت نودلمان" (Janet Nudelman)، مديرة البرامج والسياسات في منظمة "شركاء الوقاية من سرطان الثدي" مديرة "حملة من أجل مستحضرات تجميل آمنة" (Campaign for Safe Cosmetics) تحدثت عن هذه المشكلة، قائلة: "اكتشفنا موادًا كيميائية معطرة لها صلة بمخاطر الإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية واضطرابات الغدد الصماء وغيرها من الأمراض الصحية الخطيرة".
وأكدت أنه تم اكتشاف هذا الأمر في جميع المنتجات بدءًا من شامبو الأطفال إلى مرطبات الجسم والعطور، مستندة إلى تقرير الجمعية الذي يظهر أن المستهلكين والعاملين في الصالونات لديهم أسباب وجيهة تدعوهم إلى القلق والتساؤل حول وجود المكونات السرية ذات الرائحة العطرية في المنتجات وفيما إذا كانت آمنة.
الأمراض المزمنة
التقرير نفسه حذر من أن أكثر من رُبع المكونات المكتشفة في المنتجات التي تم اختبارها بدقة تحتوي على مواد مرتبطة بالسرطان، ومشاكل تتعلّق بالنمو والجهاز التنفسي والجهاز التناسلي، مستبعدًا استثناء المنتجات المصنفة بأنها غير مُعطَرة، لأنها قد تحتوي على مواد كيميائية أيضًا للتغطية، والتي تستخدم بدورها لمنح المنتج رائحة محايدة.
ولعل المنتج الذي يحتوي على أكثر المواد الكيميائية إثارة للقلق هو شامبو الأطفال "جست فور مي" (Just for Me) من شركة "سترينغث أوف نايتشر" (Strength of Nature)، والذي يعد جزءًا من مجموعة للعناية بالشعر، علمًا أنّ الشركة لم تُجب على رسائل البريد الإلكتروني التي تطلب منها التعليق على ذلك.
وتصدر عطر "ويندر ستروك تايلور سويفت" (Wonderstruck Taylor Swift)، قائمة العطور، والذي روجت له المغنية التي يحمل اسمها، ووضعه التقرير ضمن منتجات شركة "ريفلون إنك" (Revlon Inc)، إلا أن الشركة قالت إنها لم تبع العطر منذ انتهاء ترخيصه في 2016.
وعند التواصل مع "ريفلون إنك"، حول ما جاء في التقرير، صرّحت الشركة بأن جميع المكونات المستخدمة في منتجاتها "معتمدة وآمنة للاستخدام الذي صنعت لأجله وفقًا لرأي العديد من اللجان العلمية التي تضمّ خبراء والهيئات التنظيمية الحكومية من جميع أنحاء العالم"، قائلة: "نجري اختبارات شاملة على جميع منتجاتنا باستخدام أكثر الوسائل التكنولوجية المتاحة تطورًا للحفاظ على أعلى معايير السلامة".
مشروع قانون "شاكوفسكي" (Shakowsky)
وتخضع صناعة مستحضرات التجميل والعناية الشخصية للتنظيم الذاتي في العادة، إلا أن بعض الولايات الأمريكية وشركات التجزئة مثل "ويلمارت إنك" (Walmart Inc) اتخذت تدابير في السنوات الأخيرة تطالب فيها المصنعين بالكشف عن بعض المكونات أو إزالتها من المنتج.
كما قدمت عدة ولايات مشاريع قوانين من أجل إدراج المواد المعطرة في قائمة المكونات وغيرها من تشديد إجراءات فحص المنتجات. فيما تشير "نودلمان" إلى أن القوانين الفيدرالية السابقة المتعلقة بتنظيم صناعة مستحضرات التجميل قد استثنت المواد المعطرة.
وكان من المتوقع أن تكشف النائب "جان شاكوفسكي" (Jan Schakowsky)، وهي عضو في الحزب الديمقراطي من ولاية إلينوي، في سبتمبر 2018، عن مشروع قانون مستحضرات التجميل والعناية الشخصية الآمنة للعام ذاته، والذي يدعو إلى ذكر جميع المكونات، بما فيها المواد المعطرة على عبوة المنتج، ويحث هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على إصدار قائمة بالمكونات المحظورة.
وأمام ذلك، أبدى صناع المنتجات الاستهلاكية اهتمامهم بهذا الأمر، ففي أوائل عام 2017، قالت شركة "يونيليفر" (Unilever) إنها ستبدأ بالإفصاح عن المكونات المعطرة على الإنترنت، وذكر المواد المعطرة المثيرة للحساسية على منتجاتها في الولايات المتحدة. وسارت على خطاها شركة "بروكتر آند غامبل كو" (Procter & Gamble Co) في وقت لاحق. كما قالت "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson) في أغسطس 2017 إنها ستفصح عن جميع مكونات منتجاتها للأطفال.
توصية بإنشاء الشركات قوائم تضم المواد الكيمايئة غير المستخدمة في منتجاتها
فيما أشادت “نودلمان" بهذه الأفعال، لكنها أكّدت أنه لا تزال هناك حاجة إلى قانون وطني يفرض الإفصاح عن هذه المكونات، موضحة أن فريقها اكتشف موادًا كيميائية مثيرة للقلق في بعض منتجات تلك الشركات، فقد وردت أسماء منتجات من الشركات الثلاث في تقرير الدراسة، ضمن المراتب الـ10 الأولى، بما فيها بخاخ الجسم "أكس فينيكس" (Axe Phoenix) من شركة "يونيليفر" الذي يشيع استخدامه في أوساط الأولاد المراهقين.
ولم ترد "يونيليفر" و"بروكتر آند غامبل كو" و"جونسون آند جونسون" فورًا على رسائل البريد التي تطالبهم بتقديم تعليقات، إلا أن فريق "نودلمان" يوصي الشركات بإنشاء قوائم تتضمن المواد التي لن تستخدمها وتفصح عن كل مادة موجودة في منتجاتها، بما فيها المنكهات والملونات والملوثات، ليكون ذلك خطوة أولى في سبيل وضع خطة أوسع لإدارة المواد الكيميائية.
"نودلمان" تشير أيضًا إلى أنه في كثير من الحالات لا تعرف الشركات الكبرى المصنعة للمنتجات ماهية المكونات الموجودة في المواد المعطرة، والتي تحصل عليها عادةً من أحد المصنعين الكبار الكثر، مؤكدة أن الصناعة ذاتية التنظيم قادرة على إخفاء مكونات محددة تحت مظلة مصطلحات عامة مثل "مادة معطرة".
اتحاد مبتكري العطور يقر بحق المستهلك في الحصول على معلومات موثوقة عن المواد التي يستخدمها يومياً
أما "اتحاد مبتكري العطور" (Fragrance Creators Association)، وهي مجموعة تجارية في صناعة المواد المعطرة، فقال في بيان له: "نؤمن بمبادرات الشفافية المنطقية، ونؤمن بأنه من حق المستهلك الحصول على معلومات دقيقة وواضحة وموثوقة عن المواد المعطرة في المنتجات التي يستخدمها يوميًا"، موضحًا أن المواد المعطرة من أكثر المكونات التي تختبر بدقة عالية في صناعة المنتجات الاستهلاكية، و"تحكمها شبكة معقدة من قوانين الدولة والقوانين الفيدرالية التي تفرض التزامات باللوائح التنظيمية".
من ناحية أخرى، تروي "جيسيكا إيكليزوي" (Jessica Iclisoy) أنّها عندما أنشأت شركتها "كاليفورنيا بايبي" (California Baby) قبل أكثر من 20 عامًا، واجهت صعوبة في العثور على زيت الخزامى (اللافندر) للشامبو والمرطبات التي كانت تحضّرها باستخدام زيوت نباتية فقط.
وعندما طلبت "إيكليزوي" من شركة كبيرة مصنعة للمواد المعطرة إرسال عينات مصنوعة من الخزامى الخالصة فقط، استلمت مركبًا صناعيًا، لذا بدأت شركتها باستيراد الخزامى من فرنسا، وتملكت حقول في كاليفورنيا لزراعة المواد المعطرة الطبيعية التي تستخدمها، قائلة: "كان علي أن أبحث وأتحقق كثيرًا، وكانت المواقف الذي تلقيتها أقرب لقول هذا ليس من شأنك".