إذا وضعنا رسمة وردة بجانب أي اسم فستجعله يبدو أكثر جاذبية، وكأنها أثّرت عليه برائحتها الزكية، لكن ماذا لو كان هذا الاسم مكتوبًا بخط "كوميك سانز" Comic Sans؟.. هناك الكثير من الأبعاد المهمة للخطوط التي تكتب بها الشعارات، فبإمكانها التعبير عن الثقة أو الفوضى، كما يمكنها أن تجعلك تبدو ذكيًا أو جاهلًا، بالإضافة إلى إعطائها انطباعًا عن قيمة الشيء أو الشخص الذي تمثله، ما يجعل تصميم الشعار المناسب عملية مهمة وحرجة للغاية بالنسبة للشركات العريقة التي تتميز بالأصالة والجودة.
خلال فصل الخريف، وقبل أسبوع الموضة في لندن عام 2018 بفترة قصيرة، كشفت شركة "بربري بي إل سي" (Burberry Group Plc) الستار عن شعارها الجديد، قبيل إطلاق المجموعة الأولى لـ"ريكاردو تيسي" (Riccardo Tisci) المدير الإبداعي الجديد للشركة؛ حيث أن الشعار النصي الخاص بالشركة لم يتغير بشكل ملحوظ، منذ اعتمادها الشعار الرمزي في هيئة فارس يمتطي حصانًا قبل أكثر من 100 عام.
قد يبدو هذا الشعار كصورة منحوتة على أحد المباني الحكومية المهيبة، لا سيما مع أحرفه الرفيعة الناعمة البعيدة عن بعضها والمكتوبة بخط "سيريفس" (serifs) الذي يعطي انطباعًا رسميًا إلى حد ما. وبالعودة إلى الشعار الجديد للشركة، من الضروري تسليط الضوء على الأحرف العريضة المكتوبة بخط "سانز- سيريف" (sans-serif) بشكلٍ هندسي، الأمر الذي يعطي الشعار لمحة أكثر جرأة وصخبًا، ليصبح بتصميمه الجديد أشبه بالملصقات التي تراها على ألواح التزلج، أو العبارات التي يقوم رسامو الشوارع بكتابتها على جدران المباني الحكومية.
صمم الشعار الجديد "بيتر سافيل Peter Savillen، الذي اشتهر بتصميمه أغلفة ألبومات أغاني شركة "فاكتوري ريكوردز (Factory Records) في الثمانينيات، وبتعاونه الأخير مع مجموعة من الشركات الكبيرة مثل "لاكوست" (Lacoste) و"تيت مودرن" (Tate Modern) و"يوجي ياماموتو" Yohji Yamamoto.
وعلى الرغم من أن "سافيل" لم يكن مستجدًا في مجال العمل مع كبار العملاء المميزين، لكنه يرفض تمامًا فكرة ارتباط الخطوط بمعنى ضمني، أو استخدامها للدلالة على السعر، فهو يرى في المحتوى أو المنتج نفسه- لا شعار الشركة- تعبيرًا عن رسالتها، كما لا يرى أي مغزى في تضمين الخطوط الأنيقة التي توحي بالفخامة والرقي أي معانٍ أو دلالات خفية.
ماركات عالمية
جاء تصميم المونوغرام (النقشة) الجديد للشركة بناءً على رغبة "تيسي" بإيجاد تصميم يلائم جميع الملابس ويبدو جميلًا على قميص من الشيفون أو معطف من الغبردين، في حين وصف "سافيل" الشعار والنقشة- اللذين اختارهما مع "تيسي" بالحداثة والعراقة، في الوقت ذاته.
بدأ العديد من الماركات العالمية الفخمة اعتماد شعار شبيه بذلك الذي اعتمدته شركة "بربري" (Burberry)، حيث أشار المصمم "بيل غاردنر" (Bill Gardner)- الذي يهتم كثيرًا بتتبع المواضيع المتعلقة بالهويات المؤسسية- إلى مجموعة كبيرة من "الماركات العالمية" التي قامت مؤخرًا بتغيير شعارها النصي، وكتابته بأحرف كبيرة بخط "سانز- سيريف" (sans-serif)، كان من بينها: "سيلين" (Céline) و"ريموا" (Rimowa) و"ديان فون فورستنبرغ " (Diane von Furstenberg) و"بالينسياغا" (Balenciaga) و"سان لوران" (Saint Laurent)، بالإضافة إلى شركة "كالفن كلاين" التي اختارت المصمم "سافيل" لتصميم شعارها الجديد عام 2017.
يشار إلى أن جميع هذه الشعارات الجديدة تتميز بالزوايا الحادة للأحرف المستخدمة في كتابة نصوصها. وبمجرد إعلان شركة بربري" - للمرة الأولى- عن شعارها الجديد، رحبت مدونة التصميم "براند نيو" (Brand New) باختيارها ذلك بنوع من النقد، قائلة "إنه لا يختلف كثيرًا عن شعارات العلامات التجارية الأخرى التي استخدمت الخط ذاته، ولا يقل تميزًا عنها".
الاختلاف بين شعارات الشركات
قد تبدو الشعارات الجديدة متشابهة إلى حد كبير للوهلة الأولى، لكنك لا بد أن تلاحظ الاختلافات فيما بينها عند التمعن فيها، فبعضها يتميز بأحرف عريضة في حين تكون المساحة أكبر بين أحرف بعضها الآخر. ومع ذلك، من الصعب لنا ألا نرى التوجه العام الذي تعتمده الشركات في تصميم شعاراتها الجديدة، والذي يقوم على مبدأ البساطة واستخدام الأحرف العريضة لإظهار الرقي والفخامة. حول ذلك، قال "غاردنر": "إن أسلوب سبارتن (الذي يعتمد على البساطة وعدم التكلف) قد انتشر على نطاق واسع في جميع مجالات التصميم".
ويقول "آرمين فيت" (Armin Vit) المؤسس المشارك في شركة "أندر كونسيديراشون" (Under Consideration) للتصميم ومدونة "براند نيو" (Brand New) التابعة لها: إن اختيار الشركات للشعار النصي الجديد "يشبه ارتداء بدلة رسمية وربطة عنق سوداء"، فرغم بساطة هذه القطعة فإنها تفسح مجالًا للتعبير عن الشخصية بطرق أخرى. وفي حالة "بربري" جاء التعبير عن هوية الشركة من خلال النقشة الرائعة التي صممها "سافيل"، والتي استخدمت بقوة في جهود إعادة طرح العلامة التجارية.
أمضت مصممة غرافيك من لندن تدعى "سارة هيندمان Sarah Hyndman"- وهي مؤلفة كتاب "واي فونتس ماتر" (Why Fonts Matter)- سنوات في دراسة العلاقة التي تربط أسلوب الخط بالفخامة، بحيث أجرت استطلاعًا طلبت فيه من مئات الأشخاص تصنيف مجموعة من الخطوط بأحد التصنيفات التالية: "رخيص" أو "باهظ" أو "بين ذلك".
وبعد النظر إلى نتائج الاستطلاع لاحظت ميل معظم المستهلكين لاعتبار الخطوط المتباينة الرفيعة للغاية مثل شعار "بربري" القديم أكثر رقيًا، علمًا بأن أسلوب المعالجة النصية يختلف من منتج إلى آخر، فعلى سبيل المثال، يبدو الخط المستخدم في كتابة "لندن، إنجلترا" أسفل الشعار النصي القديم لشركة "بربري" متكلفًا ومبالغًا فيه إذا ما استخدمته شركة للأزياء، لكنه يوحي بالرقي والفخامة عند استخدامه على ملصق زجاجة نبيذ "بوردو" (Bordeaux)، ووفقًا لـ"سارة هيندمان"، يرى الكثيرون أن هذا الأمر "مبالغ فيه".
الابتكار وليس التقليد
يرى "غاردنر" أن عصر استخدام خط "سانز- سيريف" السميك قارب على الانتهاء، فعلى سبيل المثال كشفت شركة "شوباني" (Chobani) للألبان مؤخرًا عن شعارها الجديد، الذي لاقى استحسانًا كبيرًا، وهو مكتوب بأحرف منحنية بخط كاريكاتيري قريب من الخط المستخدم في إعلانات عروض السيرك بدلًا من الخط القديم الذي يشبه واجهة الغرانيت.
ومن الأمثلة الأخرى للشركات التي اعتمدت هذا الخط شركة "نتفلكس" (Netflix) في كتابة اسم مسلسلها الشهير"سترانجر ثينغز" (Stranger Things)، كما قامت شركة "تابيستري"- وهي الشركة الأم لعلامة "كوتش" (Coach) التجارية- العام 2017، بإعادة تصميم شعارها وكتابته بأحرف مستديرة وخط كاريكاتيري، أو هزلي كما يسميه البعض.
في النهاية، نستنتج أن الوصول إلى الرقي والفخامة لا يأتي بتقليد الأساليب والتصاميم الرائجة، بل يتمحور حول اختيار تصميم خالد، لا يصبح صيحة قديمة مع الوقت، فينبغي أن يكون دارجًا وكلاسيكيًا في نفس الوقت، وباهظًا لكن يستحق ما أنفق عليه.
كما يجدر التنويه إلى أن التشابه بين شعار "بربري" الجديد وشعارات العلامات التجارية الأخرى جاء عن قصد، وتذكروا دائمًا أن ارتداء بدلة السهرة قد يعبر عن الذوق الرفيع للشخص الذي يرتديها، لكن لن يحدث ذلك إن كان وحده من يرتديها في الحفل.