مع دخول طالبان العاصمة الأفغانية كابول يوم الأحد، جمع المحاضرون الجامعيون طالباتهم من أجل الوداع الأخير. ومع إخبار الشابات المصدومات عبارة "قد لا نلتقي مرَّة أخرى"، غادر المحاضرون وجميع الحضور، وأغلقت الجامعات، والمدارس، والمكاتب، والمتاجر أبوابها.
تحدَّثتُ عبر الهاتف مع عائشة خرام، واحدة من آلاف الطالبات اللواتي دُفنت أحلامهنَّ الأكاديمية. خرام، البالغة من العمر 22 عاماً، هي في الفصل الأخير من دراستها في قسم العلاقات الدولية بجامعة كابول. إذ تقول، إنَّه مع بقاء شهرين فقط على العام الدراسي، "يبدو الآن أنني لن أتخرج أبداً". تدور دراستها حول إصلاحات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكيف ستؤثِّر على البعثات الخاصة في دول مثل أفغانستان؛ وهذا شيء إضافي آخر سيُحرم العالم منه الآن بعد أن عادت طالبان إلى السلطة.
أما في هرات؛ ثالث أكبر مدينة في البلاد، التي سقطت في يد طالبان يوم الخميس، تمَّ إبعاد الفتيات اللواتي حضرن إلى جامعاتهن، إذ قالت خرام، إنَّ: "نظام التعليم ينهار".
وبالرغم من هذه الظروف؛ فهناك عمل واحد مزدهر؛ فقد شهدت المحافظات معاودة افتتاح متاجر البرقع، وأصبح الثوب الأزرق السميك الذي يغطي جسد المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين -الرمز القمعي لحكم طالبان السابق- عنصراً باهظاً لابدَّ منه؛ وإن لم يكن للجميع.
تقول خرام، التي كانت ممثِّلة الشباب الأفغاني لدى الأمم المتحدة في عام 2019: "أرى الكثير من النساء اللواتي لم يختبرن فترة طالبان السابقة يقلن 'لن نتبنى هذا اللباس القمعي'. وأنا لا أعرف ماذا سيحدث للجيل الأصغر من النساء الأفغانيات اللواتي عملنَ في مجال البرمجة، وكنَّ بارعات ومتميزات في مجالاتهن؛ إلا أنَّهن الآن يجلسن جميعهنَّ في البيوت، ويتساءلنَ عمَّا سيحدث الآن. لقد شكَّل هذا الجيل أفغانستان الحديثة".
عودة حقبة التسعينيات
الجدير بالذكر أنَّ هناك اجتماعاً لقادة طالبان والحكومة الأفغانية في الدوحة يوم الإثنين، إذ من المتوقَّع أن تجرى مفاوضات من أجل انتقال سلمي للسلطة. وكل ما يمكن لمواطني أفغانستان أن يفعلوه هو الانتظار والقلق. وقد كانت هناك تقارير يوم الأحد عن عشرات الرحلات الجوية بطائرات الهليكوبتر فوق كابول، فقد سارعت الولايات المتحدة ودول أخرى لإجلاء مواطنيها، تاركة الأفغان لمصيرهم.
هذا هو حالنا الآن: تسيطر طالبان حالياً على معظم البلاد، بما في ذلك الأقاليم والعواصم الإقليمية، والمعابر الحدودية مع معظم الدول المجاورة الست، والآن العاصمة، وذلك قبيل الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية في 31 أغسطس. وقد أصدرت طالبان تعليماتها لمقاتليها بالبقاء على أبواب كابول حتى انتهاء المحادثات.
إلا أنَّ هذا يمثِّل ذلك العزاء البارد للأفغان، بما في ذلك آلاف النازحين الذين تدفَّقوا على العاصمة هرباً من حكم الجماعة الوحشي، إذ تُشير التقارير إلى عمليات القتل الانتقامية القبيحة، وأمر النساء بالخروج من أماكن عملهنَّ إلى منازلهنَّ، وأمر الرجال بإطلاق اللحى، ومنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة. وفي قواعد اللعبة المجربة والحقيقية للميليشيات في جميع أنحاء العالم، يتمُّ الضغط على الشباب للانضمام إلى صفوفها، وتتلاشى أحلامهم وأحلام أخواتهم في مستقبل أفضل. وهنا نشهد عودة مباشرة إلى التسعينيات.
وعلى الرغم من المخاطر الحقيقية؛ يواصل العديد من الأفغان التحدُّث علانية، وبعضهم، مثل موسكا داستاغير، محاضر في الجامعة الأمريكية في أفغانستان، ومقرّها كابول، يتواصل مباشرة مع المتحِّدثين باسم طالبان على "تويتر". إذ قال داستاغير على "تويتر" لسهيل شاهين، عضو لجنة التفاوض بالمجموعة: "لقد اكتفى الأفغان من لعب دور الضحية، ولن تختبئ النساء الأفغانيات. حيث يُسلِّط العالم كله الضوء على أفغانستان، وكابول، وطالبان، وماذا يفعلون؟".
جوع القوات الأمريكية وصمة عار وطنية
من الصعب تجنُّب كلمة خيانة. فمنذ اللحظة التي وافق فيها الرئيس السابق دونالد ترمب على الصفقة بين الولايات المتحدة وطالبان -الموقَّعة في 29 فبراير من العام الماضي- التي استثنت الحكومة الأفغانية المنتخبة، كانت النتيجة واضحة. فقد دعت الصفقة إلى سحب أولي للقوات الأمريكية، والإفراج عن 5000 سجين من طالبان. وفي المقابل، تعهدت طالبان بقطع العلاقات مع جميع الإرهابيين، ومنع الأراضي الأفغانية من أن تصبح ملاذات للمسلحين، والدخول في محادثات سلام كان من المفترض أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء عقود من الحرب.
لقد حصلوا على انسحاب القوات، والعديد من هؤلاء السجناء الذين تمَّ إطلاق سراحهم حملوا السلاح منذ ذلك الحين، وساعدوا المجموعة على الاستيلاء على السلطة في جميع أنحاء البلاد. ما الحلقة الناقصة؟ أيَّة علامة تدل على أنَّ طالبان ستفي بالتزاماتها في الصفقة. إنَّ سماح الولايات المتحدة ومشجعيها العالميين بحدوث ذلك، سيؤثِّر على مكانة واشنطن الدبلوماسية لسنوات قادمة.
كما ورد أنَّ الرئيس أشرف غني، غادر البلاد يوم الأحد مع زمرة من مساعديه. لقد فشلت حكومته -الغارقة في مزاعم الفساد وعدم الكفاءة- في توقُّع تقدُّم طالبان السريع، أو توحيد أمراء الحرب الأقوياء في البلاد خلف الجيش الوطني الأفغاني.
من جانبها تقول خرام، إنَّ الناس في حالة صدمة حالياً؛ ولم يبدأ بعد ذرف الدموع، إذ ما من أحد يُدرك ما هو الشعر الذين يجب أن يعتريه الآن. كذلك تسبَّبت حركة المرور في خنق العاصمة في ظلِّ تسابق السكان المذعورين للوصول إلى منازلهم. كما انقطع التيار الكهربائي منذ صباح يوم الأحد، وبالتالي؛ فإنَّ أصحاب السلطة هم وحدهم الذين يمكنهم مشاهدة الأخبار التلفزيونية، ومراقبة "تويتر" بحثاً عن أيِّ مؤشرات على ما قد تفعله طالبان بعد ذلك. وما من شكٍّ في أنَّ الناس يريدون المغادرة، إلا أنَّ الحدود مغلقة.