شكّل الاقتراح الذي تقدم به مجلس الشيوخ والبيت الأبيض الأسبوع الماضي بشان خطة البنية التحتية، مثالاً نادراً على التعاون بين الحزبين – وهو تعاون نادر في واشنطن هذه الأيام، إلى درجة تغري بالاحتفاء بهذا الاقتراح، لهذا السبب وحده، بصرف النظر عن محتواه. فالتوافق والمساومة بالتأكيد، أمر لا غنى عنه في كل حكم ديمقراطي سليم، لكن من المؤسف أن ذلك لا يغير من حقيقة أن المشروع ينطوي على عيوب خطيرة.
تنص الخطة على إنفاق 550 مليار دولار جديدة –في صيانة الطرق والجسور وتحسين الممرات المائية والمواصلات، وتنفيذ أعمال الصيانة الضرورية المتأخرة. وتتضمن استثمارات جديدة في الطاقة النظيفة، والمحافظة على المناخ، والإنترنت فائق السرعة وغيرها، حيث إن الكثير من هذه الاستثمارات ضروري ومطلوب. ويحسب للخطة أيضاً أنها تخلت عن بعض الأفكار الرديئة التي طرحت سابقاً أثناء المباحثات، مثل فكرة إنشاء بنك جديد للبنية الأساسية.
استثمارات ضخمة
رغم ذلك، لا تكشف الحزمة ككل أن واضعيها معنيون، أولاً وقبل كل شيء، بتحقيق عائد وقيمة من أموال دافعي الضرائب. عشرات المليارات تخصص لغرض بعد آخر – ويبدو أن المعيار الرئيسي لتقدير الاحتياج هو "كلما زاد كان أفضل". تتضمن الخطة 39 مليار دولار لتحديث المواصلات العامة، و66 مليار دولار لتطوير السكك الحديدية (في أكبر استثمار في السكة الحديد منذ إنشاء شركة السكة الحديد "أمتراك" قبل 50 عاماً، وفق ما يقوله البيت الأبيض، دون أن يتوقف للسؤال عما إذا كنا نحتاج إلى هذا الاستثمار الضخم أم لا)، و17 مليار دولار للموانئ، و25 مليار دولار للمطارات، و50 مليار دولار لصيانة البنية الأساسية، وغيرها وغيرها.
لكي نكون واضحين، إن الاستثمار في البنية الأساسية تم تجاهله منذ زمن طويل. هناك جوانب نقص خطيرة يجب أن تستكمل وحاجات جديدة يجب تلبيتها. غير أنه من الخطأ صياغة خطة بهذه الحجم، ووضعها ضمن مشروع واحد، دون أدنى تفكير في موازنة التكلفة بالعوائد، ولا اهتمام بعبء إنفاق هذه المبالغ الطائلة بما يضمن الكفاءة. إن واشنطن تدين للشعب الذي سوف يدفع تكلفة هذه الاستثمارات، بمزيد من العناية عند إجراء الحسابات.
لا يفيد أن يكون السياسيون الذين يأخذون زمام المبادرة في الإعلانات الأولية عن الخطة، أن يكونوا هم أصحاب الفضل، من دون أن تكون لهم أي علاقة بالنتائج النهائية، سواء كانت هذه النتائج جيدة أم سيئة. ولأن فترات الإعداد تستغرق سنوات عديدة، فإن أبطال هذه الموجة من زيادة الإنفاق، قد لا يكونون حاضرين عند قص الشريط وقت الافتتاح. إن برامج الإنفاق العابرة التي تتضمن عدداً لا يحصى من المشروعات الفردية وتلك التي تمر عبر العديد من دوائر المدن والولايات والوكالات الفيدرالية، تتطلب درجات عالية من التنسيق وبيانات كثيرة ودقيقة. يستطيع الكونغرس أن يعالج هذه الفجوة الإدارية عن طريق إنشاء مكتب مستقل لجمع المعلومات ووضع المؤشرات القياسية وتحديد الأولويات في مشروعات البنية الأساسية. ومع التقدم في إنفاق الاستثمارات، ستحتاج أيضاً إلى مراجعة دقيقة أكثر فأكثر، حتى يمكن استخلاص الدروس – وهي مهمة ينبغي أن توكل إلى "مكتب محاسبة الحكومة" (Government Accountability Office)، مع تجهيزه تجهيزاً ملائماً لإنجاز المهمة.
يشترط تعظيم العائد على أموال دافعي الضرائب كذلك، تركيزاً فريداً على مراقبة الإنفاق. ويغيب ذلك في معظم بنود الخطة. في الحقيقة، كثير من مؤيدي الخطة ينوون أن تتكلف أكثر مما تحتاج، عبر نصوص مثل "اشتر أميركا" (Buy America) وقواعد الالتزام "بالأجور السائدة" وغيرها.
تعقيدات التمويل
إن جانب التمويل من الخطة يزيد المشكلة تعقيداً. فواضعو الخطة يجتهدون لإثبات أن تمويلها جاهز ويسير، لكن برامج التمويل التي يضعونها ضعيفة في أفضل الأحوال. لم يتركوا حيلة إلا واستخدموها، بدءاً من المشروع المشبوه بتوفير (6 مليارات دولار من بيع أصول في احتياطي النفط الاستراتيجي)، إلى خطة قد تشكل خطراً لتوفير (3 مليارات دولار من "إصلاح المعاشات"). ووفق أحد التقديرات، لن توفر هذه الإجراءات أكثر من نصف الإيرادات التي يزعم مروجو مشروع القانون أنهم سيحصلون عليها.
أخيرا، فإن الاحتفاء بالتوافق بين الحزبين قد يكون سابقاً لأوانه. كثير من الديمقراطيين تعهدوا بعدم المواقفة على هذه الخطة إلا إذا انطلق مشروع آخر – مشروع "بنية أساسية إنسانية"، يتكلف على الأقل 3.5 تريليون دولار، ويشمل على ما يبدو كل هدف سياسي على قائمة الأمنيات المتزايدة. في بعض الأوقات، بدا الرئيس جو بايدن يدعم هذا التعهد. وفي النهاية، فإن الاتفاق بين الحزبين ربما يدرج باعتباره جزءاً من خطة حزبية واضحة وأكبر حجماً بكثير للإنفاق الحكومي. وهذا يكفي لأن يجعل التوافق مشبوهاً، وفاقداً للمصداقية.
رغم كل شيء، سيكون ذلك مؤسفاً: إن خطة البنية الأساسية تنبهنا على الأقل إلى أن السياسة الأمريكية يمكنها، وينبغي عليها أن تحقق تقدماً – وهي إمكانية كانت مهددة بالنسيان. على مدى أسابيع، شرع أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين، في بناء الائتلافات وتقديم التنازلات وحشد الدعم الشعبي، وبصورة عامة ينخرطون في مفاوضات "الأخذ والعطاء" المرتبطة بطبيعة العملية السياسية، وكل ذلك سعياً إلى تحقيق توافق لمصلحة الطرفين. وهذا ما ينبغي أن يكون – وكانت النتيجة، رغم كل المآخذ والعيوب، أفضل بكثير مما كان المرء يتوقعه من مقترحات سابقة.
تعتبر العودة إلى هذا النوع من التفاوض التقليدي، ضرورة ملحة. لكن التوافق ليس المسألة الوحيدة التي تطلبها البلاد من حكومتها. السياسة الذكية، الاهتمام الدقيق بالتفاصيل، والإدارة المالية الحريصة، هي الأخرى أمور ضرورية أيضاً.