أدت أوسع موجة لتفشي فيروس كورونا في الصين منذ بداية الوباء في أواخر عام 2019، إلى إعاقة السياحة والإنفاق خلال ذروة العطلة الصيفية، مما دفع المحللين إلى مراجعة توقُّعات النمو الاقتصادي مع تصاعد المخاطر.
سارعت السلطات إلى إغلاق المواقع السياحية، وإلغاء الفعاليات الثقافية، والرحلات الجوية، على خلفية انتشار تفشي متحوِّل "دلتا" شديد العدوى إلى ما يقرب من نصف مقاطعات الصين البالغ عددها 32 مقاطعة في غضون أسبوعين فقط. نصحت 46 مدينة على الأقل السكان بعدم السفر، ما لم يكن ذلك للضرورة القصوى.
إلى جانب أضرار الفيضانات الأخيرة في أجزاء من البلاد، من المرجَّح أن تكبح أحدث القيود بسبب الفيروسات إنفاق التجزئة والنمو الاقتصادي في النصف الثاني من العام.
خفض التقديرات
خفَّضت مؤسسة "نومورا هولدينغز" توقُّعاتها لمعدل النمو في الصين خلال الربع الثالث إلى 5.1% بدلاً من 6.4% سابقاً، على أن تشهد توسُّعاً بنسبة 4.4% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، مقارنة بـ 5.3%. على مدار العام كاملاً؛ خفَّضت شركة "نومورا" توقُّعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى 8.2% من 8.9%.
قال لو تينغ، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "نومورا" المختص بالصين: "أدت الإجراءات المتشدِّدة التي اتخذتها الحكومة إلى تطبيق حظر السفر الأشد صرامة، وأكثر الإغلاقات إحكاماً في الصين منذ ربيع عام 2020". تابع: " تتطلَّب العواصف المطيرة، والفيضانات الأخيرة أيضاً - وكلاهما أسوأ من المتوقَّع -تخفيضاً لتوقُّعات نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام الجاري".
دعم السياسة النقدية
حدَّدت مجموعة "غولدمان ساكس" التأثير المحتمل على النمو في الربع الثالث بـ 0.7 نقطة مئوية، على الرغم من أنَّها لم تخفِّض توقُّعاتها للنمو، و البالغة 6.2% لهذا الربع. وقالت، إنَّ هناك شكوكاً حول مدة تفشي المرض، ومن المحتمل توافر دعم أقوى من السياسات النقدية. في حين ترى "بلومبرغ إيكونوميكس"، و"ناتويست غروب" مخاطر هبوطية لتقديرات النمو الخاصة بهم.
على الرغم من أنَّ الصين واجهت موجات التفشي المتفرقة للفيروسات على مدار العام الماضي؛ إلا أنَّها كانت أصغر بكثير من جهة النطاق، وجرى احتواؤها بسرعة. في حين أدت موجة تفشي المرض الحالية إلى إغلاق جميع المواقع السياحية في "تشانغجياجيه"، وهي وجهة ذات مناظر خلابة شهيرة في وسط الصين. كما أغلقت مدن أخرى في مقاطعات "هونان"، و"جيانغسو"، و"شانشي" المواقع السياحية.
الصين تضخ سيولة قصيرة الأجل بعد حملات تنظيمية أفزعت الأسواق
حدَّدت الخطوط الجوية في الصين سعة مقاعد أقل بنسبة 9.8% هذا الأسبوع مقارنة بالأسبوع الماضي، وهو ثاني خفض على التوالي، استناداً إلى بيانات من شركة "أو أيه جي" (OAG) المتخصصة في جدولة الرحلات. لتصل السعة الآن إلى 95.7% من مستويات 2019. إنَّها المرة الأولى منذ خمسة أسابيع التي تعرض فيها شركات الطيران عدداً أقل من المقاعد في البلاد مقارنةً بما كانت عليه في فترة ما قبل الجائحة.
كشف موقع حجز السفر "كوناركوم" (Qunar.com) عن تفاقم إلغاء الرحلات الجوية والفنادق في 29 يوليو الماضي بأربع مرات عن الحجم الذي شوهد في الأيام العادية، كما ارتفعت استفسارات العملاء إلى ثلاث مرات الحجم المعتاد.
قال بروس بانج، رئيس قسم الاقتصاد الكلي وأبحاث الإستراتيجية في شركة "تشاينا رينيسانس سيكيوريتيز" في هونغ كونغ : "كان نمو أجور السكان متأخِّراً بالفعل، وإذا لم يتمكَّنوا من إنفاق أموالهم بسبب تفشي المرض، فمن المؤكَّد أنَّ ذلك سيكون عبئاً على الاستهلاك في النصف الثاني من العام الجاري".
أساس مضمون
تلقي موجة انتشار المرض الحالية بثقلها على التعافي الهش في مبيعات التجزئة، وتزيد من عدد المخاطر التي يتوقَّعها المحلِّلون بالفعل في النصف الثاني من العام الجاري، بما في ذلك تباطؤ الصادرات، وهدوء سوق العقارات، والاستثمار في البنية التحتية.
تراجع نشاط المصانع في الصين خلال يوليو إلى أدنى مستوى منذ بدء الوباء
تظهر استطلاعات مديري المشتريات في شهر يوليو أنَّ قطاع التصنيع تعرَّض لضغوط خلال ذلك الشهر. وعلى الرغم من ارتداد مؤشر مديري المشتريات الخدمي
"كايكسين" (Caixin) على نحو حاد في شهر يونيو الماضي من أدنى مستوى له في 14 شهراً - بسبب السيطرة على موجة تفشي سابقة للمرض في مقاطعة غوانغدونغ الجنوبية إلى حدٍّ كبير- إلا أنَّ التوقُّعات ما تزال قاتمة.
وقال وانغ زهي، كبير خبراء الاقتصاد في شركة " كايكسين غروب إنسايت" (Caixin Insight Group)، في بيان يوم الأربعاء، إنَّ المقاييس "تشير إلى أنَّ الانتعاش الاقتصادي ليس على أساس مضمون". أضاف: "ما يزال الاقتصاد يواجه ضغوطاً هبوطية هائلة".
الاستهلاك
تحاول بكين تحفيز الاستهلاك في الاقتصاد لجعله أقل اعتماداً على محرِّكات النمو القديمة مثل الاستثمار والعقارات. و مايزال يشكِّل هذا محوراً رئيسياً بالنسبة للسلطات، فقد قالت صحيفة "تشاينا سيكيوريتيز جورنال" الرسمية في مقال افتتاحي بالصفحة الأولى يوم الأربعاء، إنَّ البلاد يجب أن تعطي الأولوية لتوسيع السوق المحلية لتحقيق الاستقرار في النمو، ومواجهة حالة عدم اليقين في الطلب الخارجي.
انتعاش الصادرات الصينية يزيد تباين النمو بين الأقاليم
تتوقَّع "بلومبرغ إيكونوميكس" انكماش مبيعات التجزئة بنحو 0.2% على أساس شهري في شهري يوليو وأغسطس، على غرار التأثير الذي لوحظ أثناء موجة تفشي المرض في بداية العام في مقاطعتي "هيبي"، و"جيلين". بالنسبة للعام بأكمله، من المرجَّح أن يكون نمو مبيعات التجزئة أقل من التوقُّعات السابقة البالغة 12%.
الرهان
إنَّ السلطات حذرة بالفعل من تباطؤ النمو في الأشهر المقبلة، كما تعهدت بالدعم المالي والنقدي لتخفيف الانتعاش. استهدفت الحكومة نمو الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 6% هذا العام.
يعزز المضاربون من رهاناتهم على التيسير النقدي، لتصل العوائد على السندات، ومؤشر المعدلات المستقبلية عند أدنى مستوياتهما على مدار عام. في حين جاء ارتفاع الديون السيادية يوم الإثنين بعد سبعة أسابيع متتالية من المكاسب، لتسجِّل بذلك أطول سلسلة صعود منذ اندلاع الحرب التجارية مع الولايات المتحدة في عام 2018.
انخفض العائد القياسي على السندات لأجل 10 أعوام بما يقرب من 45 نقطة أساس من أعلى مستوى له في شهر فبراير الماضي، مدعوماً بالتدفُّقات الأجنبية الواردة، والتأخير في إصدار السندات الحكومية المحلية. كما حصلت السندات على دعم من خلال ارتفاع الطلب الناجم عن عمليات البيع المكثَّفة في الأسهم.
اقرأ المزيد: مذبحة أسهم "التعليم" تُدمي بورصات الصين وهونغ كونغ
[object Promise]إلغاءات وتأجيلات
انتشرت موجة تفشي المرض الأخيرة لتصل إلى بكين على الرغم من الإجراءات الصارمة في العاصمة، فقد اتخذت السلطات خطوات يوم الثلاثاء لحظر سفر ركاب السكك الحديدية من 23 منطقة، بما في ذلك مقاطعات "تشنغتشو"، و"نانجينغ"، و"يانغتشو"، و"شنيانغ"، و"داليان". كما أبلغ المركز المالي لشنغهاي عن حالة إصابة بالفيروس هذا الأسبوع.
تمَّ إلغاء أو تأجيل العديد من الفعاليات السياحية، بما في ذلك مهرجان "تشينغداو" الدولي للجعة، وهو أكبر مهرجان للجعة في الصين، ومهرجان الشعلة في مقاطعة "يونان" في جنوب الصين. كما جرى إلغاء أو تأجيل أكثر من عشرة مهرجانات موسيقية في مدن مختلفة، وأغلقت دور السينما في مقاطعات "نانجينغ"، و"تشانغجياجيه"، و"ليانيونغانغ".
توقَّعت إيريس بانغ، كبيرة خبراء الاقتصاد المختصة بالصين الكبرى في "أي إن جي بنك" (ING Bank)، تأثيراً محدوداً على الإنتاج، خاصة أنَّه لم يتم العثور على حالات في مناطق ذات أنشطة صناعية ثقيلة أو تصدير حتى الآن.
وقالت: "إذا ظهرت حالات في مواقع جديدة، مثل المدن الرئيسية للخدمات، أو التصنيع؛ فإنَّها ستؤثِّر على الأنشطة الاقتصادية".