على الرغم من أنه من الواضح منذ فترة طويلة أن ضحايا التحرش الجنسي غالباً ما يواجهون الانتقام الذي يمكن أن يضر بمسيرتهم المهنية، إلا أن التكلفة المالية التي يتحملونها من الصعب تحديدها.
لوضع رقم محدد لذلك، سعت دراسة نُشرت يوم الأربعاء من قبل "تايمز أب" ومعهد أبحاث سياسات المرأة (IWPR) بعنوان "الدفع اليوم وغداً" إلى تحديد ما دفعه الأشخاص الذين تعرضوا للتحرش. واجه الضحايا الذين جرت مقابلتهم نفقات تتراوح بين عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف من الدولارات.
بالنسبة لسيدة تعمل في صناعة البناء ذات الأجر الجيد والتي يهيمن عليها الذكور، يمكن أن تصل تكلفة الحياة إلى 1.3 مليون دولار، وفقاً للدراسة. حتى بالنسبة لشخص أُجبر على ترك وظيفة منخفضة الأجر مثل أولئك العاملين في صناعة الوجبات السريعة، فإنه تكبد تكاليف مالية بلغت 125600 دولار.
جاء الموظفون الذين شاركوا في الدراسة من مجموعة متنوعة من القطاعات -بداية من قطاع التكنولوجيا إلى النقل بالشاحنات وصولاً إلى خدمات الحراسة. وقال الجميع تقريباً إنهم فقدوا بعض أعمالهم أو أجبروا على ترك وظائفهم كلياً. فقد معظمهم مهامهم والأجر كإجراء انتقامي نظير فضح الأمر -فقد خفضت ساعات عملهم، بسبب تقييمات الأداء الضعيفة، أو حُرموا من المكافآت والترقيات حتى إضطروا للخروج أو تعرضوا للطرد. وظل البعض عاطلاً عن العمل لمدة تصل إلى خمس سنوات.
ووفقاً للدراسة، غير العديد منهم المهن، حيث بدؤوا من جديد في وظائف كانت تدفع أقل بكثير مما تركوه وراءهم. بالنسبة للبعض، كان ذلك يعني إنفاق المزيد من الأموال على إعادة التدريب أو التعليم. وفي الوقت نفسه، عانى الجميع من ضياع الأجور وفقدان المزايا الصحية واستنفاذ مدخرات التقاعد مع تراكم الديون.
قالت سي نيكول ماسون ، رئيسة معهد أبحاث سياسات المرأة، عندما بدأت حركة "أنا أيضاً" أو (MeToo#) بجدية في عام 2018: "كان لدينا كل هؤلاء النساء ينشرن قصصهن... ولكن لدينا القليل جداً من الأبحاث أو البيانات حول ما يعنيه هذا بالنسبة للتحوّل الاقتصادي للمرأة، والأمن، والتنقل الوظيفي. لم نتمكن حقاً من الإجابة على هذا السؤال".
قد يكون من الصعب الحصول على البيانات؛ إذ تأتي التسويات عادة مع اتفاقيات عدم إفشاء، ولا تطلب الحكومة من الشركات الإبلاغ عما إذا كانت المرأة تغادر العمل بسبب التحرش. قالت ميسون: "لقد أخذنا محاولة تحديد ذلك الأمر كمهمة شخصية".
حالة" مارلين" مثال رئيسي لما يمكن أن يحدث. قالت مارلين، التي طلبت الكشف عن هويتها بالاسم الأول فقط بسبب التقاضي المستمر، إن الزملاء في الوكالة التي عملت بها حذروها من أنها تمت ترقيتها لأسباب خاطئة. ووفقاً لدعوى رفعتها في شهر مايو الماضي، اكتشفت مارلين سريعاً ما كانوا يقصدون بذلك.
بعد شهرين من بدء عملها الجديد كمساعدة تنفيذية، زعمت أن مشرفها بدأ في إبداء تعليقات حول مظهرها وحياتها الشخصية. ثم بدأ في ترك هدايا صغيرة مع بطاقات مكتوبة بخط اليد في مكتبها ليلاً، على حد قولها. ولكن عندما أخبرته مارلين أنها غير مهتمة، تغير كل شيء، وبدأ في إرسال وابل من رسائل البريد الإلكتروني للمطالبة بمزيد من العمل. وعندما اشتكت، وجدت مارلين نفسها معفاة من الواجبات والامتيازات أثناء ترقية مشرفها، وفقاً لأوراق المحكمة. ونُقلت أيضاً من منطقة المسؤولين التنفيذين إلى منطقة استقبال، بجوار ماكينة تصوير مستندات مباشرة.
قالت مارلين إنها خلصت إلى أنه ليس لها مستقبل في الوكالة، واستقالت. حصلت على الحق في رفع دعوى من لجنة تكافؤ فرص العمل وفعلت ذلك في محكمة الولاية. لكنها انتقلت أيضاً إلى ولاية أخرى، حيث أضطرت لتولي وظيفة على مستوى المبتدئين في مجال مختلف، وهو مجال ليس لديها خبرة فيه، على حد قولها. وبعد سنوات، قالت مارلين إنها لم تكسب بعد نفس قدر المال الذي كسبته في وظيفتها القديمة.
ادعاءات مارلين هي من النوع الذي تسعى العديد من الشركات إلى تجنبه من خلال التدريب القوي والتحذيرات من المضايقات المحتملة. لكن حتى الآن، بحسب معهد أبحاث سياسات المرأة، هناك ما لا يقل عن ربع عدد النساء ما زلن يتعرضن للتحرش الجنسي في العمل. تؤثر العواقب المالية على فجوة الأجور بين الجنسين والتي تجعل النساء يكسبن 82 سنتاً مقابل كل دولار يجنيه الرجل. تركت العديد من النساء اللواتي جرت مقابلتهن مع حركة "تايمز أب" ومعهد أبحاث سياسات المرأة وظائف ذات رواتب عالية، بعضها في أماكن يسيطر عليها الذكور، مقابل عمل منخفض الأجر.
لا فرق
يمكن التحرش بالرجال أيضاً. قال أنتوني غيرينيس، الذي قدم في عام 2019 شكوى إلى لجنة تكافؤ فرص العمل، مفادها إنه بدأ العمل في شركة عقارات في غاينيسفيل، بولاية فلوريدا، في سن 19 عاماً. في غضون عامين، شق طريقه إلى مقر الشركة، ووصل في النهاية إلى إدارة الموارد البشرية.
في غضون شهر من بدء منصبه الجديد، زعم غيرينيس أن زميلاً أقدم منه بادر بتصرفات غير مرغوب فيها. قال غيرينيس في مقابلة إنني شعرت بـ"الرعب المطلق" ، لأنه "كان بين يديه كل حياتي". عندما رفضه غيرينيس، جرى تجريده من المسؤوليات وفصله لاحقاً، وفقاً لتقرير لجنة تكافؤ فرص العمل الخاص به.
قال غيرينيس إنه فقد تأمينه الصحي، وعانى من أجل دفع ثمن دواء مرض المياه الزرقاء في العين، وذلك في الوقت الذي استنفذ مدخراته. وأضاف في مقابلة: "لقد تحولت من الحصول على حزمة تعويضات قدرها 103 آلاف دولار إلى تقديم طلب للحصول على قسائم الطعام". "كل شيء فقدته -الآن أنت تتحدث عن مئات الآلاف من الدولارات".
بينما كان يحاول العثور على عمل آخر، قال غيرينيس إنه يشعر وكأنه مدرج في القائمة السوداء. تسع سنوات من الخبرة وجائزتان تفشل في أن تُكسبه أي رد على طلبه للعمل. وأضاف: "هذه مسيرتي كلها، وأشعر بأنني مهمل للغاية..أنت مغمور للأبد ومتأثر للأبد بسبب تصرف شخص واحد فقط سيء".
وبحسب معهد أبحاث سياسات المرأة وحركة "تايمز أب" فإن دراسة مثل هذه الحالات ما هي إلا البداية، وإنهما يخططان لإجراء تحليل أوسع. ومن جهتها، قالت ماسون عن بداية حركة "أنا أيضاً" : "كانت المناقشات في عام 2018 حول الدعاوى القضائية والمساءلة... هذه اللحظة تبحث حقاً في ماهية التأثير، وكيف نتحدث عما نخسره اقتصادياً".