هايتي يمكنها إعادة بناء اقتصادها.. وهذه هي الطريقة

السياحة قد تسهم بشكل كبير في تحسين أوضاع الاقتصاد في هايتي الذي يعاني منذ سنوات طويلة - المصدر: بلومبرغ
السياحة قد تسهم بشكل كبير في تحسين أوضاع الاقتصاد في هايتي الذي يعاني منذ سنوات طويلة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بعد اغتيال رئيسها، تواجه هايتي مرَّة أخرى خطر الانزلاق نحو الفوضى السياسية. فالخلل الوظيفي المزمن في البلاد هو نتيجة وسبب لفقرها المزمن في الوقت نفسه.

وما تحتاج إليه البلاد هو التركيز على النمو الاقتصادي، وللقيام بذلك، يجب على هايتي تقليد جيرانها الأكثر نجاحاً، مثل جامايكا، وجمهورية الدومينيكان.

في الوقت الحالي، تعدُّ هايتي أفقر دولة في نصف الكرة الغربي. والأسوأ من ذلك، أنَّه وفقاً لبعض المقاييس، لم ترتفع مستويات المعيشة في هايتي على الإطلاق منذ عام 1950.

في عام 1950، كانت هايتي على قدم المساواة مع جامايكا وجمهورية الدومينيكان. لكنْ اعتباراً من عام 2018، كانت أقل من ثلث ثراء الأولى، وأدنى من السدس مقارنة بالثانية. وهذا يعدُّ واحداً من أكثر الإخفاقات الاقتصادية إحباطاً بشكلٍ مذهل في العالم الحديث، ويجب أن يكون تغيير هذه الحالة مهمة حثيثة بالنسبة للهايتيين، وكذلك للولايات المتحدة، وغيرها من الجيران في المنطقة.

السؤال هنا هو: "لماذا هايتي فقيرة للغاية؟".. إنَّه موضوع مثير للاهتمام ومعقد، ومتجذر في التاريخ والسياسة. لكنْ بدلاً من التركيز على الماضي، يجب على الهايتيين أن يسألوا، "ما الذي يمكن أن يجعل هايتي أقل فقراً؟" الإجابات المحتملة هي: السياحة، وتحسين الزراعة.

"><figcaption style="font-style: normal; text-align: right; direction: rtl;

السياحة مفتاح النمو

تزدهر معظم دول جزر الكاريبي من عوائد السياحة. بالنسبة لجامايكا، تُقدَّر مساهمة القطاع الإجمالية بـ 31٪ من الناتج المحلي الإجمالي. حتى بالنسبة لجمهورية الدومينيكان، فمع مزيج صناعي متنوع جيداً من التصنيع والخدمات بالبلاد، تحافظ السياحة على ما يُقدَّر بنحو 16.3٪ من الاقتصاد. وجزر الكاريبي هي أماكن مشمسة تحيط بها المياه الدافئة الجميلة، وهي مكان مثالي لقضاء العطلات.

لكن حتى الآن، لم تتمكَّن هايتي من الاستفادة من هذه الميزة إلا بنسبة محدودة جداً. وعامل الجذب السياحي الحقيقي الوحيد هناك هو ميناء لابادي، الذي استأجرته شركة رحلات بحرية، وهو محاط بسياج تعزله عن بقية البلاد.

وأكبر سبب لعدم زيارة السياح لشواطئ هايتي الجميلة هو الخوف، فعلى الرغم من أنَّ معدل القتل في البلاد ليس مرتفعاً للغاية في العادة، إلا أنَّه يميل إلى الارتفاع بشكلٍ كبير خلال فترات عدم الاستقرار السياسي المتكررة. وأصبحت هايتي أيضاً بؤرة لعمليات الاختطاف.

ربما لا يمكن البدء في حلِّ مشكلة السلامة في هايتي حتى يتمكَّن المواطنون من اكتساب القليل من الحراك التقدُّمي.

وفي الوقت الحالي، يجب أن تركِّز الدولة على إنشاء واحات صغيرة مؤمنة؛ إذ يمكن للسائحين أن يطمئنوا أنَّهم لن يتعرَّضوا للخطف أو السرقة.

وجرى استخدام هذا النهج من قِبل عدد من البلدان الأخرى مثل المكسيك للحفاظ على السياحة، حتى أثناء نوبات اجتياح العنف في جميع أنحاء البلاد.

وهذا أيضاً هو سبب نجاح جمهورية الدومينيكان وجامايكا في قطاع السياحة، على الرغم من معدلات الجريمة المرتفعة في كلٍّ منهما.

ويجب على هايتي تركيز قوات الأمن بالقرب من هذه الأماكن الشاطئية، وتشييد البنية التحتية اللازمة لتقييد الوصول إليها، كما هو الحال في لابادي.

تشجيع الاستثمار الأجنبي

يمكن لهايتي أيضاً بناء مطار أو اثنين بالقرب من المنتجعات السياحية. وبسبب أنَّ البنية التحتية باهظة الثمن؛ فإنَّ هذه المطارات، والفنادق، والمباني الأخرى في المنتجعات الفعلية، سوف تتطلَّب تمويلاً أجنبياً.

لذلك يتعيَّن على هايتي أن تتأكَّد من تقديم وعود بحقوق ملكية ثابتة للمستثمرين الأجانب. وستكون حقوق الملكية هذه أيضاً ذات تأثير جيد على حوكمة الدولة، لأنَّها ستسمح في النهاية بثقافة ريادة الأعمال.

ستكون العلاقات الاجتماعية الناتجة عن اقتطاع أجزاء من الساحل السياحي للبلاد قبيحة من بعض النواحي، حيث يأتي الأجانب الأغنياء لزيارة أجمل شواطئ هايتي، في حين يتجاهلون جميع السكان المحليين تقريباً، باستثناء الأشخاص الذين يعملون في فنادقهم. لكنَّ النمو الاقتصادي في الوقت الحالي له الأولوية.

تحتاج هايتي أيضاً إلى تحسين إنتاجيتها الزراعية. فما تزال الزراعة تمثِّل حوالي نصف اقتصاد البلاد. ونجحت برامج مثل مبادرة التنمية الاقتصادية الريفية في جامايكا في تحسين غلَّات المحاصيل والدخول الريفية.

ويمكن أن تؤدي زيادة الغلَّات أيضاً إلى منع الحاجة إلى زيادة المساحات المزروعة (التي تتسبَّب في فقدان التربة)، ويمكن أن يساعد تحديث المَزارع الصغيرة في جعلها أكثر قوة بمواجهة الكوارث الطبيعية المتكررة داخل الجزيرة.

التحول إلى ملاذ ضريبي

أخيراً، يمكن أن تفكِّر هايتي في أن تصبح ملاذاً ضريبياً، فقد نجحت العديد من جزر الكاريبي الصغيرة، مثل برمودا، وجزر كايمان في إقناع الشركات الأجنبية بفتح مكاتب لها هناك، أو شراء عقارات محلية، من خلال تقديم معدلات ضرائب منخفضة للغاية على الشركات.

هذه خدعة رخيصة بالطبع، وهي تساعد شركات العالم الغني على التهرب من فواتيرها الضريبية، لكنَّها ستجلب بعض الأموال التي تحتاج إليها البلاد بشكل عاجل، ويمكن أن تساعد في تطوير عادة وطنية لحماية حقوق الملكية. وستتطلَّب هذه الاستراتيجية أيضاً إنشاء أماكن عالية التأمين للأجانب.

السياحة، والإنتاجية الزراعية، ووضع الملاذ الضريبي هي مبادرات متواضعة. ولن يحوِّلوا هايتي إلى قصة نجاح مثل جمهورية الدومينيكان بين عشية وضحاها. لكنَّها مبادرات قابلة للتنفيذ، لأنَّها لا تتطلَّب إصلاح البلد بأكمله في وقتٍ واحد، وتحتاج فقط لإنشاء أماكن عالية التأمين لتوليد بعض الازدهار، الذي يمكن أن يبدأ في المساعدة على إخراج الهايتيين العاديين من الفقر المدقع، وإطلاق دورة فعَّالة من الاستقرار السياسي والنمو.

أموال المغتربين

أيضاً، على المغتربين الهايتيين، ووكالات المعونة الدولية أن يركِّزوا إنفاقهم على خلق مصادر للنمو.

ويمكن للولايات المتحدة أن تقدِّم دفعة إضافية، من خلال إبرام اتفاقية تجارية موسَّعة مع هايتي، على غرار الاتفاقية التي أبرمتها مع جمهورية الدومينيكان.

في الواقع، يجب على العديد من الدول أن تفعل الشيء نفسه، لأنَّ عدم استقرار هايتي ليس في مصلحة أحد.

ختاماً، يمكن القول، إنَّ إصلاح هايتي لن يتمَّ غداً أو بعد غد. لكن عندما تكون في الحضيض؛ فإنَّ الطريق الوحيد للذهاب هو الصعود، والنمو يجب أن يبدأ في مكان ما.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك