على الأمريكيين أن يستقيلوا من وظائفهم بوتيرة أعلى من السائدة

صورة تعبيرية تظهر مرأة ترفع يافطة تقول استقيل.  - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية تظهر مرأة ترفع يافطة تقول استقيل. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

التقيت صديقاً لي بعد انقطاع. هو يعمل في الشركة عينها منذ قرابة عقد، ولطالما شعر بالرضى، تجاهل إمكانية جني دخلٍ أكبر لدى شركاتٍ أخرى، رغم ما ينطوي عليه ذلك من رفع شعوره بالأهمية وفتح أفق تقدم أمامه، كما لم يعر اهتماماً لاحساسٍ متنامٍ بعدم الاكتفاء وغياب المسار الصاعد في عمله. ذلك لأن وظيفة المبيعات التي يشغلها جعلته كثيرَ السفر، وأحاطته بزبائن وزملاء يروقونه، أضف الى ذلك الفنادق الجيدة والوجبات الفاخرة. لكن حل الوباء وجرده من تلكم الميزات، وبات عليه أن يواجه ما تفتقر له وظيفته. يفكر صديقي الآن بالاستقالة وينبغي له الإقدام عليها. اعتيادياً، لا يغير الأمريكيون وظائفهم بالتواتر اللازم ما يُخلُ بالاقتصاد.

تتفاوت عادة وتيرة الاستقالات مواكبةً تقلبات سوق العمل، بحيث تزيد مع وجود العديد من الشواغر حيثما التفت المرء. إلا أن النزعة العامة لترك الوظائف في تراجع منذ الثمانينات. ليست الأسباب برمتها مفهومة، حيث يظن بعض الاقتصاديين بأن مردها إلى تنامي قوة المشغلين، أو ربما لزيادة انتشار عقود تشترط عدم المنافسة. لكن تلك لا يمكن أن تفسر لم تراجع استبدال الوظائف في جميع مستويات المهارة والرواتب، وحتى في صناعات سوق عملها تنافسي. ربما يتعلق السبب بأن المزايا التي يقدمها المشغلون باتت جزءاً طاغياً في التعويض الكلي. ويتكهن اقتصاديون بأن عدم تغيير الوظائف من الأسباب التي جعلت الأجور لا تصعد كثيراً منذ الثمانينات.

أحد احتمالات سببية قلة تغيير الوظائف، هي أن الشعب في حال من فتور الهمة.

كتب عالم النفس التنظيمي، آدم غرانت، حول سبب فتور الهمة بين الأمريكيين بما يعني حالاً هم فيه فاعلون وغير مكتئبين، لكنهم ليسوا في ازدهار. وعزى ذلك الى أن إقبالهم على المخاطرة تراجع، وغدوا أقل انفتاحاً على التغيير وتجربة المجهول. إن كنا فاتري الهمة فإننا لا ننمو عاطفياً أو اقتصادياً. لقد أقحم الوباء الأمريكيين في حال من الفتور الشديد بل أن بعضهم لا يغادر المنزل لفترات طويلة من الزمن، مما يجبر المرء على إدراك كم أمضى ملتصقاً بوظيفته.

بيئة الوباء

جعل الوباء وبيئة العمل من المنزل التي أفرزها اقتصاديون يتكهنون بأنه على الموظفين أن يتأقلموا أكثر مع التقنية، وأن يكونوا أكثر كفاءة، كما عليهم أن يحدثوا توازناً أفضل بين العمل والحياة. هذا بدوره سيجعلهم أكثر قابلية للانتقال. وجد استقصاء لشركة "مايكروسوفت" حول النزعات في أماكن العمل أن 40% من الأمريكيين يفكرون بترك وظائفهم هذا العام وكثير منهم فعلوا ذلك، حيث أن نحو 2.5% من الموظفين تركوا وظائفهم في مايو، وفقاً لاستقصاء أجراه مكتب إحصائيات العمل حول فرص التوظيف ودورة سوق العمل. رغم أن ذلك أدنى من سقف 2.8% الذي لامسه في أبريل، لكنه ما زال أعلى من أي نقطة منذ 2001 على أدني تقدير. أضف الى ذلك أن نسبة الاستقالات كانت 2.3% فقط في 2019، عندما كانت البطالة فقط 3.6% مقارنة مع 5.8% في مايو.

أنماط التغيير الاستباقية مهمة، ليس لمجرد أنها عادة ما تأتي بدخلٍ أعلى عند تغيير الوظيفة، لكن لأنها قد تحمل في جعبتها مزيد الإبداع وتنمية المهارات أيضاً، ما ينعكس على صحة الاقتصاد واستدامته. كما قد تقلل من عدم المساواة. يُقدِّر اقتصاديون أن الصناعات التي اعتادت تغيير عامليها وظائفهم تقدم رواتب أعلى. وفقاً لاقتصاديين كُثر، أدت حقيقة أن تغيير الوظائف أصبح أقل انتشاراً الى عدم مساواة أوسع وقابلية انتقال اقتصادية أقل.

الاستقالات بين المؤقت والمألوف

ما يزال ثمة تساؤل حول ما إذا كانت هذه الزيادة في الاستقالات ظاهرة مؤقتة، وأنها ستغدو جديدة المألوف. من جانب آخر مررنا جميعاً بحال اضطرار للتعايش مع عدم الارتياح والتعامل مع أمور خارجة عن سيطرتنا طيلة 15 شهراً خلت. ربما تلهمنا حريتنا المستجدة وبعضاً من مال التحفيز لإحداث تغييرات نحتاجها. البديل الآخر الأرجح هو أننا سنصبح أكثر تجنباً للمخاطرة، حيث من المعتاد أن الناس يميلون لتفادي المخاطرة بعد تعرضهم لصدمات كبيرة. بمعنى آخر، رغم أن كثرة من الناس عازمون على الاستقالة، لكن هل سيلتزمون المألوف، ويجنحون للاستمرار عند عودتهم لصحبة زملائهم من حولهم واسترجاعهم عاداتهم اليومية؟

يعوّل المشغلون على ثاني هذه الاحتمالات، بل ويعرض بعضهم جداول أكثر مرونة وإمكانية العمل عن بعد، آملين أن يكفي ذلك لاستبقاء الموظفين وثنيهم عن الاستقالة. يراهن آخرون على أن الناس ما زالوا يميلون للتراخي بطبيعتهم، وأن رغبتهم بالتغيير ستنتهي. عرضت نوادٍ للميسر ومكاتب محاماة كبرى علاوات في منتصف العام لاستبقاء الموظفين، على أمل أن هذه الدفعات الخاصة ستساعد لإعادة الناس الى مسالكهم القديمة وطرقهم المتساهلة.

التغيير صعب ونحن غير متمرسين في التعامل معه، حتى بعد الأشهر الخمسة عشرة الأخيرة، لكن إن استطعنا أن نتعلم كيف نتقبل ونحتضن التغيير تكون النتيجة اقتصاداً أكثر فاعلية. لكن ماذا عن صديقي؟ إنه ينتظر علاوة تدفعه للبقاء بضعة أشهر قبل أن يستقيل.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة