ردّت روسيا على ارتفاع أسعار السلع العالمية من خلال فرض مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية، والقيود على التصدير، والضوابط على الأسعار. إلا أن تلك التجربة أثبتت عدم جدواها، إذ ارتفع معدّل التضخم إلى أعلى مستوى له في أربع سنوات، في الوقت الذي اعترف فيه المسؤولون بقدوم التعافي، ولكن بعد شهور في أحسن الأحوال.
وفي الأسبوع الماضي، انضم الصلب، والنيكل، والألمنيوم، والنحاس إلى القائمة الطويلة للسلع الخاضعة لرسوم التصدير، في ظل سعي فلاديمير بوتين لتخفيف العبء عن المستهلكين. ومنذ أن أمر بوتين الحكومة لأول مرة بفعل شيء حيال ارتفاع الأسعار في أواخر العام الماضي، اتسعت القيود لتشمل القمح إلى زيت الطهي، والسكر إلى الحنطة السوداء التي تعتبر سلعة أساسية في روسيا.
بعد أن أشارت استطلاعات الرأي إلى أن التضخم هو مصدر القلق الأكبر، يحتاج الكرملين إلى إظهار أنه يحاول السيطرة على تلك المعضلة، حتى وإن عادت جذورها إلى مشكلة عالمية في المواد الخام، ولا تستطيع روسيا فعل الكثير حيالها. إلا أن إضافة المزيد من الرسوم الجمركية قد يزيد من مخاطر مفادها أن تلك الإجراءات قد تؤدي إلى تقويض سياسة البنك المركزي، وهيمنة روسيا على أسواق السلع العالمية.
وقالت إلينا ريباكوفا، نائب كبير الاقتصاديين في المعهد الدولي للتمويل في واشنطن: "إنه نهج شعبوي يهدف إلى الإيهام بأنهم مسيطرون على الأسعار وقادرون على تقديم المساعدة الاجتماعية. إذا نظرنا للأمور إلى أبعد مدى، فسنجد أنهم يخاطرون بتلويث مؤشرات الأسعار، وجعل السياسة النقدية أقل فعّالية".
فعلياً، تعاني إلفيرا نابيولينا، محافظ بنك روسيا، من محاولة السيطرة على التضخم الذي ارتفع إلى أكثر من 6% مؤخراً. ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 125 نقطة أساس منذ شهر مارس، محذّراً من أن المزيد من التشديد النقدي قد يكون ضرورياً في وقت قريب من الشهر المقبل، بعد خروج ارتفاع الأسعار عن السيطرة.
وفي مؤتمر صحفي بشهر أبريل، قالت نابيولينا إن الرسوم والضوابط المفروضة على المواد الغذائية الأساسية قلّصت حوالي 20 نقطة أساس من التضخم هذا العام، لكنها حذّرت مراراً وتكراراً من أن هذه الإجراءات قد تكون فعّالة فقط على المدى القصير، ولكنها قد تزيد الضغوط التضخمية مستقبلاً بسبب النقص وزيادة التداول في السوق السوداء.
ماذا يقول الاقتصاديون في بلومبرغ ؟
"كان الارتفاع في معدّل التضخم واسع النطاق، إذ ساعد انخفاض قيمة الروبل خلال العام الماضي في تضخيم الصدمات الناتجة عن الوباء. التأثير المحدود للتحكم في الأسعار ليس مستغرباً" سكوت جونسون، بلومبيرغ إيكونوميكس.
بدورها، تُصّر الحكومة، التي تواجه استياءً فعلياً من انخفاض الدخل، على اعتبار التعريفات ضرورية لحماية المستهلكين. ففي الشهر الماضي، شدّد بوتين على ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة "سريعاً" لكي يتم تجنُّب تقلبات أسعار السلع "ذات الأهمية الاجتماعية". بدأت بعد ذلك مناقشات فعلية حول الخطوات الخاصة بالحد من ارتفاع تكلفة الأسمدة، وشملت الاقتراحات تجميد الأسعار المحلية، وفرض رسوم عائمة.
إلا أنه بعد إدخال التعريفات الجديدة على المعادن، قال النائب الأول لرئيس الوزراء أندريه بيلوسوف الأسبوع الماضي: "اقتصادنا ليس جاهزاً لتلقّي صدمة تتشابه مع الانهيار الجليدي الذي تعرضنا له في العام الماضي".
من جانبهم، أشار المحللون بشركة "في تي بي كابيتال" المملوكة للدولة في موسكو، إلى إمكانية تخفيض أسعار بعض المواد الغذائية لكي يبدو سير عمل الإجراءات جيداً، منوّهين إلى الارتفاع السريع في التضخم بالبرازيل التي لم تطبق ضوابطاً على الأسعار، بشكل يتفوّق على روسيا، وبرغم أن ذلك قد يعود إلى عوامل أخرى تشمل الجفاف الشديد.
لكن استجابة البرازيل حيال ارتفاع الأسعار كانت مختلفة، فقد رفعت البلاد أسعار الفائدة، بينما فرضت دول أخرى مثل الأرجنتين قيوداً على صادرات لحوم البقر، وفرضت أوكرانيا بعض القيود المحدودة على صادرات زيت عبّاد الشمس، بينما بدأت الصين في بيع بعض الاحتياطي المعدني الضخم في محاولة لتهدئة الأسعار العالمية.
أما روسيا، فتستهلك 10% فقط من إنتاجها من النيكل، وثلث إنتاجها من الألمنيوم، وحوالي نصف الفولاذ الذي تنتجه، ولهذا لن يكون للإجراءات الأخيرة تأثير كبير على التضخم الكلي، وفقاً للمحللين بشركة "بي سي إس غلوبال ماركيتس" في موسكو.
حذّرت أيضاً متحدثة باسم "إن إل إم كيه بي جيه إس سي"، أكبر منتج للصلب في روسيا، من أن التعريفات الجمركية ستحرم المنتجين ذوي الهوامش المنخفضة من الخطط الاستثمارية، ما قد يؤدي إلى الإضرار بدخول المستهلكين في نهاية المطاف.