حقق الرئيس جو بايدن نصراً سياسياً من خلال إبرام صفقة بشأن خطة البنية التحتية بقيمة 579 مليار دولار مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين، ومع ذلك تواجه خطة الحزبين عقبات في الكونغرس تعكس تحديات لأجندته الاقتصادية الأوسع.
وحسب الاتفاق الذي أُعلنَ عنه خارج البيت الأبيض يوم الخميس مع وجود أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين المبتسمين إلى جانب الرئيس، يمكن لبايدن أن يدّعي أنه يوفي بوعده بالحكم لجميع الأمريكيين، والسعي إلى حلّ وسط مع خصومه.
مع ذلك، أوضح بايدن أن الانقسامات الحزبية باقية، وبينما كان أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون يكتفون بالنظر، قال للصحفيين إنه يتوقع من الديمقراطيين أن يطبّقوا مشروع قانون أكبر مع مزيد من الإنفاق إلى جانب تشريع الحزبين هذا.
من جهته قال السيناتور روب بورتمان، وهو جمهوري من ولاية أوهايو، ساخراً: "لديّ وجهة نظر مختلفة قليلاً عن ذلك".
تواجه خطة البنية التحتية مزيداً من العقبات في الكونغرس، إذ يخطّط عديد من الجمهوريين المحافظين لمحاربة كامل الخطة -كل من اتفاقية الحزبين والتشريع الذي كتبه الديمقراطيون، فيما يقول الليبراليون المنزعجون من المدى الذي ذهب إليه بايدن لتأمين الدعم الجمهوري من أجل التوافق على القسم الخاص بالحزبين، إنهم لن يدعموه ما لم يؤكَّد أن التشريع الديمقراطي المصاحب سيمرَّر أيضاً. لكن بايدن أوضح لاحقاً أنه لن يوقع على أي من التشريعين دون الآخر.
اقرأ أيضاً: "الحكومة الضخمة" تعود.. بايدن يغيّر السياسة الاقتصادية الأمريكية
يوم ضخم
سيسعى الجمهوريون لجعل الديمقراطيين يدفعون ثمناً سياسياً للتشريع الديمقراطي المتوقع أن يكون ثمنه تريليونات الدولارات، من خلال اتهام بايدن بزيادة العجز والديون والتضخم من خلال الإنفاق الباهظ.
وبغضّ النظر عن مستقبل التشريع، كان إعلان يوم الخميس لحظة مزدهرة للرئيس، عضو مجلس الشيوخ السابق منذ 36 عاماً، الذي يسعده إخبار المراسلين بانتظام بأنه يفهم الكونغرس أفضل منهم.
وقال بايدن في تصريحات بعد الإعلان: "تشير هذه الاتفاقية للعالم إلى أنه يمكننا العمل، وتقديم أشياء مهمة وتنفيذها"، واصفاً إياه بأنه "يوم ضخم" لنصف جدول أعماله الاقتصادي.
تعليقاً على الموضوع قال ستيف ريتشيتي، مستشار الرئيس وكبير المفاوضين في إطار عمل الحزبين، في مقابلة، إن بايدن حصل على "ثلثَي كل ما كان يبحث عنه، بخاصة في البنود ذات الأولوية القصوى".
نصب الأسوار
نصب الرئيس ومساعدوه بعض الأسوار أمام النقاش القادم، قائلين إنهم لا ينوون استخدام التشريع الخاص بالديمقراطيين فقط لتغيير شروط صفقة الحزبين، مثل زيادة التمويل لشركة "أمتراك".
لكن ريتشيتي قال إن أجزاءً من "خطة الوظائف الأمريكية" بقيمة 2.2 تريليون دولار لبايدن، استُبعدت تماماً من اتفاقية الحزبين، هي هدف مشروع، مثل 400 مليار دولار لدعم تقديم الرعاية المنزلية والمجتمعية، و200 مليار دولار للإسكان المستدام بأسعار معقولة.
ووفقاً للبيت الأبيض، فإن قانون البنية التحتية إذا أقرّه الحزبان فسيوجّه مئات المليارات من الدولارات إلى مشاريع تتراوح من النقل العامّ، إلى إصلاح الطرق والجسور، إلى تركيب شواحن للسيارات الكهربائية على الطرق السريعة، ومد خطوط طاقة جديدة "مرنة" في جميع أنحاء البلاد.
اقرأ أيضاً: تفاصيل خطة بايدن الضخمة لاستثمارات البنية التحتية
لطالما اتفق المشرّعون في كلا الحزبين على أن احتياجات البنية التحتية في البلاد ماسَّة، لكن عدم قدرتهم، حتى الآن، على التوصل إلى اتفاق لمعالجة القضية -مع مناقشتها إلى ما لا نهاية- أدى إلى ظهور نكتة طويلة الأمد في واشنطن مفادها أن كل أسبوع هو "أسبوع البنية التحتية".
وسرعان ما ظهرت انتقادات مفادها أنه في حين ادعى بايدن وحلفاؤه في مجلس الشيوخ أن تكلفة خطتهم البالغة 579 مليار دولار ستقابلها بنود من شأنها زيادة الإيرادات الضريبية، فإن عديداً مما يُسمَّى "وسائل الدفع" هو مجرد حيل للميزانية، لا تخفيضات فعلية للإنفاق أو زيادة للضرائب.
من جانبه قال بيل هوغلاند، نائب الرئيس الأول في مركز "السياسات بين الحزبين" وأحد كبار موظفي مجلس الشيوخ الجمهوريين السابقين الذين عملوا في قضايا الميزانية لمدة 25 عاماً:
لا أريد أن أقول إنها مخادعة، لكنها متساهلة، متساهلة جداً
استخدم هوغلاند كمثالٍ بنداً من شأنه تسخير الأموال من مزادات شبكة لاسلكي الجيل الخامس (5G) لخطة البنية التحتية، وقال: "بينما هناك أموال يمكن تحقيقها في هذا المجال، فإنها ليست مدخرات طويلة الأجل بالنسبة إليّ".
ستسقط الصفقة بين الحزبين بسبب تعطيل مجلس الشيوخ، ما لم يصوّت لها الحزب الديمقراطي في انسجام تامّ، ويتمكن من إقناع 10 جمهوريين بتأييدها. في هذا السياق قال السيناتور ميت رومني، وهو جمهوري من ولاية يوتا انضمّ إلى بايدن في البيت الأبيض يوم الخميس، إنه يتوقع أن يصوت هذا العدد على الأقل لصالح الخطة. وفي يوم الخميس أصدر 11 جمهورياً ضمن مجموعة من 21 عضواً بمجلس الشيوخ بياناً مشتركاً يؤيد الاتفاق.
"الرضوخ" السريع
قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، الذي صنع مسيرته من خلال إحباط تطلعات الرؤساء الديمقراطيين، في وقت سابق من يوم الخميس، إنه كان "يستمع" إلى إطار عمل المجموعة المكونة من الحزبين، لكنه أعرب في وقت لاحق عن غضبه بعد أن أوضح بايدن أنه لن يوقّع على مشروع القانون من الحزبين دون أن يصاحبه التشريع الآخر الذي يدعمه التقدميون.
وفي معرض تعليقه على الأنباء قال مكونيل: "رضوخ كامل في أقل من ساعتين؟ هذه ليست طريقة إظهار أنك جادّ في الحصول على نتيجة عبر توافق الحزبين".
لدى الديمقراطيين تحدياتهم الخاصة، إذ قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إن مجلسها لن ينظر في أي صفقة بنية تحتية من الحزبين، حتى يُقِرّ مجلس الشيوخ مشروع القانون الخاص بالديمقراطيين. سيتطلب ذلك استخدام ما يسمى إجراء تسوية الميزانية للالتفاف على التعطيل.
ولم يتضح مباشرةً ما إذا كان الديموقراطيان جو مانشين من ولاية فرجينيا الغربية، وكيرستن سينيما من ولاية أريزونا، اللذان هما اثنان من مهندسي خطة الحزبين، سيدعمان مشروع قانون المصالحة.
عقلية مانشين
قال مانشين يوم الخميس إن مشروع قانون المصالحة أمر لا مفرّ منه، لكنه أشار إلى أنه لا يمكنه دعم مشروع كبير مثل مشروع الـ6 تريليونات دولار التي قال رئيس الميزانية في مجلس الشيوخ بيرني ساندرز إنه سيصوغها، وأضاف:
لا أعتقد أنه يمكننا تحمل مزيد من الديون
من المتوقع أن يلبي مشروع قانون المصالحة وعود حملة بايدن بتوسيع الدعم الفيدرالي لرعاية الأطفال، والوصول إلى كلية المجتمع ورعاية المسنين، وهي قضايا أطلق عليها الرئيس اسم "البنية التحتية البشرية". وفي محاولة لاسترضاء التقدميين، وعد بايدن بعدم التوقيع على أي مشروع قانون بمفرده، وأضاف مانشين: "لن أستريح حتى يصل كلاهما إلى مكتبي".
يتابع كل من دعاة المناخ والنقابات والجماعات التقدمية من كثب مشروع قانون المصالحة لضمان معالجة أولوياتهم. فضمن صفقة الحزبين، هناك أموال لشحن السيارات الكهربائية، وحافلات المدارس الكهربائية، وتنظيف التلوث، والاستبدال بأنابيب المياه المحتوية على الرصاص. ولكن بالنسبة إلى الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، فإن هذا لا يكفي.
اقرأ المزيد: الديمقراطيون متخوفون من مماطلة مجلس الشيوخ لخطة بايدن الاقتصادية
مخاوف انتخابية
قال رون وايدن، رئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ، في مكالمة يوم الخميس مع الصحفيين: "بغض النظر عن كيفية تطور تشريعات الحزبين، لا يمكننا التخلص من أولويات مثل المناخ، والأدوية الموصوفة، والإنصاف الضريبي".
يتعرض المشرعون الديمقراطيون لضغوط لتمرير جميع أجزاء التشريعات الرئيسية بحلول أوائل الخريف، قبل أن يحول أعضاء الكونغرس تركيزهم نحو انتخابات التجديد النصفية لعام 2022. من جهتها، تنظر إدارة بايدن إلى عدد الوظائف التي أوجدتها أي صفقة بنية تحتية كجزء رئيسي من رسالته الاقتصادية إلى الناخبين.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن الإنفاق على البنية التحتية سيضيف إلى النمو الاقتصادي للبلاد، مع خلق وظائف جيدة ونقابية مدفوعة الأجر. لكن المسؤول رفض تحديد عدد الوظائف التي ستوفرها صفقة البنية التحتية، رغم أن بيان البيت قال الأبيض إنها ستكون "بالملايين".
جاء اتفاق البنية التحتية من مجموعة تضمّ 10 من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، وافقوا على إطار عمل في وقت متأخر من ليلة الأربعاء، بعد أيام من المفاوضات مع كبار مساعدي بايدن بما في ذلك ستيف ريتشيتي، مستشار الرئيس، ومدير المجلس الاقتصادي الوطني بريان دييس، ورئيسة الشؤون التشريعية للبيت الأبيض لويزا تيريل.
نظر مساعدو البيت الأبيض إلى الاقتراح نظرة إيجابية، وأخبروا المفاوضين في مجلس الشيوخ مساء الأربعاء بأنه من المرجح أن يؤيده بايدن.
بعد أقلّ من 12 ساعة، وبعد اجتماع قصير مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ، خرج بايدن من البيت الأبيض إلى جانب المشرعين، للإعلان عن توصلهم إلى اتفاق.
يُذكَر أن محاولة سابقة للتوصل إلى حل وسط بين الحزبين انهارت، بقيادة السناتور الجمهوري شيلي مور كابيتو من وست فرجينيا، بعد عدم تمكن البيت الأبيض والجمهوريين من الاتفاق على أفضل طريقة لدفع ثمن الصفقة. وقال أحد المشرعين إن تلك المحادثات ساعدت على تحديد بعض الخطوط الحمراء في المفاوضات، مثل عدم تغيير قانون تخفيض الضرائب الجمهوري لعام 2017، وتحديد البنية التحتية بالمعنى التقليدي للمشروع المادي.