يبدو رجل فنزويلا القوي يائساً. ففي مقابلة مع بلومبرغ نيوز، ناشد "نيكولاس مادورو"، الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، أن يرفع العقوبات المشددة المفروضة على بلاده، التي كان قد طبقها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترمب".
قال "مادورو": "إذا لم تستطع فنزويلا إنتاج النفط وبيعه، ولا يمكنها إنتاج ذهبها وبيعه، ولا يمكنها أيضاً إنتاج وبيع خام البوكسيت، ولا يمكنها إنتاج الحديد.. إلخ، ولا يمكنها جني إيرادات في السوق الدولية، فكيف سنتمكن من الدفع لحاملي السندات الفنزويلية؟".
وأضاف: "هذا العالم يجب أن يتغير.. وهذا الوضع يجب أن يتغير".
انهيار الاقتصاد
ويبدو قبول وجهة نظره أمراً مغرياً. فسياسات "ترمب" وفرض العقوبات، ومحاولة إيصال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى المواطنين الفنزويليين، والاعتراف برئيس الهيئة التشريعية الفنزويلية كرئيس مؤقت، لم تسفر جميعاً عن انتخابات حرة ونزيهة في فنزويلا.
في الوقت نفسه، من المهم أن نتذكر أن اقتصاد فنزويلا كان في حالة سقوط حر قبل أن تفرض الولايات المتحدة العقوبات.
في الواقع، يرتبط التضخم المفرط، وانهيار قطاع النفط، بالسياسات الاشتراكية والفساد المرتبطين بنظام "مادورو" أكثر من ارتباطهما بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه لتزويره للانتخابات في عام 2018.
تنازلات "تجميلية"
لكن هناك عيب أساسي في الجهود التي يبذلها "مادورو" لإقناع "بايدن" بتخفيف العقوبات المفروضة على بلاده، وهو: أن السبب الجذري لبؤس فنزويلا هو "مادورو" نفسه، حيث اختار فرض سيطرته على المحكمة العليا في بلاده، بعد أن هزمت المعارضة حزبه الحاكم في الانتخابات التشريعية لعام 2015.
واختار المقربين من "مادورو" في تلك المحكمة حل الجمعية الوطنية، واستبدالها بشكل فعال في عام 2017.
لذا يمكن القول إن الأزمة السياسية والاقتصادية في فنزويلا من صنيع "مادورو" نفسه.
يأمل "مادورو" حالياً في أن تكون بعض التنازلات التجميلية، كافية لحمل "بايدن" على إعادة التفكير في سياسة الولايات المتحدة.
وتشمل هذه التنازلات نقل ستة مديرين تنفيذيين في قطاع النفط (خمسة منهم مواطنون أمريكيون) من السجن إلى الإقامة الجبرية، كما عرض على المعارضة الحصول على مقعدين في مجلس انتخابي يتألف من من خمسة أشخاص، مع السماح لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة باستئناف عملياته داخل البلاد.
تجاهل أمريكي
حتى الآن، تجاهل "بايدن" هذه التحركات، وهو محق في ذلك، حيث لم يكن سجن المديرين التنفيذيين أمراً مقبولاً أصلاً في المقام الأول، وقرار مادورو بنقلهم إلى الإقامة الجبرية يثبت أن محاكم فنزويلا ليست مستقلة.
أيضاً، سيظل الموالون لـ "مادورو" يتمتعون بأغلبية في المجلس الانتخابي، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية هو أقل شيء على الإطلاق يمكن لأي زعيم وطني القيام به.
مع ذلك، يمكن اختبار مدى يأس "مادورو". فإذا كان مهتماً حقاً بجذب الاستثمار الأجنبي من الغرب؛ يمكنه الموافقة على الشروط الأولية التي حددتها إدارة "ترمب"، وأهمها السماح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في سباق الرئاسة. ومنذ عامين تقريباً، انسحب مندوبوه من المحادثات بسبب وضع شروط لمثل هذا السباق.
انتخابات حرة
تتمثل إحدى الخطوات الجيدة لـ "بايدن" في إعادة تقديم هذا العرض إلى "مادورو" مرة أخرى، بعد أن ظهر لأول مرة في عام 2019. فإذا كان "مادورو" يريد تخفيف العقوبات؛ عليه أن يسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
في غضون ذلك، يجب على "بايدن" أن يراقب انتخابات المقاطعات والمحليات في فنزويلا المقرر إجراؤها في نوفمبر.
وبحسب ما ذكرته "بلومبرغ نيوز"، يبدو أن المعارضة منقسمة حول ما إذا كان ينبغي لها المشاركة أم لا.
ويجب أن يوضح "بايدن" أنه مهما كان قرار "مادورو" بشأن هذه السباقات الانتخابية، فهي ليست بديلاً عن إقامة عملية ديمقراطية حقيقية يتم فيها تحديد الرئيس المقبل.
ختاماً، يمكن القول إن "مادورو" كانت لديه القدرة دائماً على تخفيف الآلام الاقتصادية التي تلحق بفنزويلا. مع ذلك، فقد اختار حتى الآن بقاءه في الحكم على نجاة بلاده.