تعرَّض مجلس الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً لضغوط متزايدة لتغيير تفكيره بشأن التضخم والسياسة النقدية. ولقد تأخر تصحيح المسار بالفعل. ففي اجتماع لجنة السياسة النقدية خلال الأسبوع الجاري، غيَّر "الفيدرالي" مواقفه، لكن ليس بالقدر الكافي. أبقى البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة عند الصفر، ولم يعلن عن أيِّ خطة لتقليص برنامج شراء السندات البالغ 120 مليار دولار شهرياً.
لكنَّ "المخطط النقطي" الذي يحظى بمتابعة عن كثب أظهر أنَّ غالبية مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي يتوقَّعون حالياً رفعاً لأسعار الفائدة في عام 2023.
تقول أقلية متنامية -سبعة من أصل 18 عضواً ارتفاعاً من أربعة في مارس– إنَّها ترى حالياً أنَّ رفع أسعار الفائدة في 2022 سيكون مناسباً. تابعت الأسواق المالية تصريحات المسؤولين في الفيدرالي الأمريكي، وارتفعت العوائد قليلاً.
يؤكِّد هذا، على الأقل، أنَّ الاحتياطي الفيدرالي يراقب التطورات. ومع ذلك، مايزال هناك شيء من الانفصال بين ما يحدث في الاقتصاد، وما يقوله الاحتياطي الفيدرالي.
في إيصال تفكيره، فإنَّ معضلة البنك المركزي حقيقية. لم يجد الفيدرالي الأمريكي أي خيار في 2020، سوى أن يلزم نفسه إلى أجل غير مسمى بسعر فائدة قصيرة الأجل قريبة من الصفر، وبرنامج ممدود لشراء الأصول.
الوعد المفتوح
لقد ضرب الوباء الاقتصاد، وكانت السياسة المالية تستجيب ببطء. وبدا أنَّ الوعد المفتوح بالتكيُّف النقدي هو السبيل الوحيد لدعم الطلب. وكان جزءاً من الصيغة هو الوعد بعدم استباق التطورات الاقتصادية. بدلاً من محاولة التطلُّع إلى الأمام، كما فعلت البنوك المركزية تقليدياً، سينتظر الاحتياطي الفيدرالي الوصول إلى "الحدِّ الأقصى للتوظيف" وفترة غير محددة للتضخم فوق المستوى المستهدف، قبل التفكير في سياسة أكثر تشديداً (رفع أسعار الفائدة).
وسواء كان هذا الموقف ضرورياً أو لا؛ فإنَّ الظروف المتغيِّرة بسرعة تتطلَّب تعديلاً.
ينمو الاقتصاد بوتيرة أسرع مما توقَّعه الاحتياطي الفيدرالي قبل ثلاثة أشهر، والتضخم يزداد سخونة. فقد ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 5% في مايو، وهو أسرع معدل منذ عام 2008.
من المؤكَّد أنَّ الوباء أدى إلى انخفاض الأسعار في الربيع الماضي. لذا؛ فإنَّ جانباً من هذا الفائض سيكون مؤقتاً، ولكن هناك دلائل على أنَّ التضخم الأساسي آخذ في الارتفاع.
يمثِّل المعيار الآخر المعلن من جانب الفيدرالي لتغيير السياسة، الحد الأقصى للتوظيف، مشكلة أيضاً. فما يزال الحد الأقصى للتوظيف أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، مما يشير إلى الكثير من الجهد الذي يجب القيام به. لكنَّ العديد من الشركات تقول، إنَّه من الصعب ملء الوظائف الشاغرة، وإنَّ الأجور آخذة في الارتفاع، مما يشير إلى أنَّ سوق العمل ضيقة وليست فضفاضة. وكما هو الحال مع الأسعار، فإنَّ التشوهات الناجمة عن الوباء، تعمل على إرباك المشهد.
مشكلة قد تتفاقم
عند انتهاء صلاحية الإضافات الطارئة لإعانات البطالة، من المرجَّح أن يبدأ المزيد من الناس في البحث عن عمل. ومن ناحية أخرى، قد تتطلَّب سوق العمل بعد الوباء مهارات مختلفة، وقد يختار بعض العمال التقاعد المبكر بدل العودة إلى المكتب أو المصنع. هذه التعقيدات تجعل عمل الاحتياطي الفيدرالي أصعب بكثير من المعتاد.
لكنَّ تحليلها العام ما يزال يميل إلى تجاهل إشارات الطلب الزائد بسهولة شديدة، باعتبارها تطورات قصيرة الأجل، وليست مدعاة للقلق.
يجب أن يدرك "الفيدرالي" الخطر المتمثِّل في أنَّ دفعةً مالية ضخمة (أكثر بكثير مما كان متوقَّعاً في العام الماضي)، وفترةً طويلة من الحدِّ الأقصى للتحفيز النقدي، وإطلاقاً غير مسبوق للإنفاق الخاص بعد الوباء، واستمرارَ الصعوبات في جانب العرض؛ كل ذلك سيدفع التضخم أكثر من "معتدل" فوق هدف 2% لفترة كافية لتغيير التوقُّعات وترسيخها. وهذا من شأنه أن يخلق مشكلة للاحتياطي الفيدرالي أكبر بكثير مما يواجهه حالياً.
وبشكل خاص، لا شكَّ في أنَّ أعضاء مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي يفهمون كل هذا، وهم على دراية بالمخاطر. لكنَّ تواصلهم مع الرأي العام بحاجة إلى الميل أكثر في هذا الاتجاه، قبل أن ترتفع اتجاهات التضخم المتوقَّعة.
بنبغي للبنك المركزي أن يتراجع عن عزمه الرسمي على عدم التحرُّك حتى يتم تحقيق أهدافه (مهما كان ذلك يعني). وبدلاً من ذلك، يجب أن يؤكِّد اهتمامه المنفتح بالإشارات الواردة، والرغبة المتجددة في التطلُّع إلى الأمام.