تقارير تتحدث عن تعليق العقوبات الأميركية على سوريا و"إعفاءات محدودة" لستة أشهر

كيف تخطط سوريا لمضاعفة أجور القطاع العام 4 مرات؟

مقر البنك المركزي السوري في العاصمة دمشق - المصدر: بلومبرغ
مقر البنك المركزي السوري في العاصمة دمشق - المصدر: بلومبرغ
واشنطن -حسن يحيى

قررت حكومة تصريف الأعمال في سوريا زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنحو 400% اعتباراً من الشهر المقبل، ما يتطلب تمويلاً شهرياً بقيمة 1.65 تريليون ليرة سورية، أي نحو 127 مليون دولار، وفق تصريحات وزير المالية محمد أبازيد لوكالة "رويترز".

رغم أن نسبة الزيادة ضخمة، لكن قيمتها ليست كذلك. إذ أدى انهيار قيمة العملة السورية من 47 ليرة للدولار قبل الحرب في 2011 وصولاً إلى نحو 16 ألف ليرة للدولار عشية سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، إلى تهاوي أجور الموظفين في القطاع العام لما يوازي عشرات الدولارات شهرياً. تحسنت الليرة بعد سقوط الأسد، ليتم تداولها حالياً عند مستوى 13 ألفاً للدولار، وفق بيانات بنك سوريا المركزي.

رغم ذلك، وفي ظل اقتصاد منهار جراء سنوات طويلة من الحرب، وعقوبات خانقة تثقل كاهل مختلف القطاعات، وحكومة مؤقتة تسلمت السلطة فعلياً قبل نحو شهر، فإن هناك علامات استفهام حول مصادر تمويل هذه الزيادات.

يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية مازن إرشيد في تصريح لـ"الشرق"، أن الحكومة المؤقتة تواجه أزمة مالية خانقة نتيجة تراجع الإيرادات وارتفاع الإنفاق، معتبراً أنه "من غير المرجح أن يتم تمويل هذه الحزمة من موارد اقتصادية حقيقية كزيادة الصادرات أو جذب الاستثمارات، نظراً لحجم الدمار والقيود المفروضة" جراء العقوبات.

تعليق العقوبات الأميركية

لكن هذا التحدّي قد يكون في طريقه للزوال بوقتٍ أقرب مما توقعه كثيرون، إذا من المرتقب على نحو كبير أن تصدر وزراة الخزانة الأميركية رخضة عامة تعلق بموجبها العقوبات الأميركية على سوريا مؤقتاً، بحسب تقرير لصحيفة  "وول ستريت جورنال" صدر منذ ساعات.

الصحيفة أوردت أن الحكومة الأميركية ستصدر اليوم "إعفاءات محدودة" لتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا دون السماح بالعمل مع الحكومة السورية أو مساعدتها.

بموازاة ذلك، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء السوري قراراً، يوم الأحد، يقضي بالعمل بمبدأ الإثني عشرية للسنة المالية 2025، وفق اعتمادات السنة المالية لعام 2024، بهدف ضمان الاستقرار المالي؛ كما جاء في بيان نقلته وكالة "سانا" الرسمية.

وينص القرار على السماح بتجاوز الاعتمادات الإثني عشرية المخصصة للرواتب والتعويضات وفق المبالغ المستحقة فعلياً للعاملين لدى الوزارات والجهات العامة. كما تُعدّل الاعتمادات المتخصصة لبند "بنزين، مازوت" لتتناسب مع الأسعار المعتمدة.

وأكدت رئاسة الحكومة أن القرار يقتصر على عقد النفقات العامة وصرفها على النفقات الأساسية والضرورية اللازمة لأداء العمل وفي أضيق الحدود الممكنة. 

يتم اعتماد الموازنة الإثني عشرية من قِبل الحكومة حال تخلف مجلس النواب عن إقرار الموازنة قبل شهر من انطلاق السنة المالية التالية. على أن توضع الموازنات الإثني عشرية على أساس الاعتمادات الدائمة المرصودة في موازنة السنة السابقة. ويجوز للحكومة أن تلجأ لهذا الحل لمدة شهر واحد فقط، فتسمية "الإثني عشرية" لا تعني إمكانية اعتماد هذه الموازنة لاثني عشر شهراً، بل تعود لكون الإنفاق يتم على أساس شهر واحد من أصل 12. 

طباعة العملة "أكبر خطأ"

رغم أن طباعة المزيد من النقود قد يكون "حلاً سهلاً على المدى القصير"، إلا أن إرشيد أكد أن هذه العملية تعني زيادة المعروض النقدي "من دون زيادة مقابلة في الإنتاج"، وفي ظل صعوبة اللجوء إلى زيادة الضرائب على الفئات العاملة والمنتجة"، مع انكماش الاقتصاد وضعف النشاط التجاري، مضيفاً أن طباعة العملة "أمر كارثي للاقتصاد"، ومن شأنه أن يؤدي إلى نزيف جديد في قيمة الليرة وزيادة معدلات التضخم، وبالتالي "تآكل هذه الزيادة، ومفاقمة معاناة المواطنين" الذين أصبح 90% منهم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.

أكد شخص مطلع بوزارة المالية في تصريح لـ"الشرق"، أن الحكومة المؤقتة لن تلجأ إلى طباعة العملة بهدف تمويل هذه الزيادات. وأشار الشخص الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن الحكومة الحالية تعتقد أن طباعة العملة "أكبر خطأ"، إذ كانت "سبباً مباشراً في الانهيارات التي حصلت في قيمة العملة خلال حكم النظام السابق".

عوضاً عن ذلك، فإن الحكومة المؤقتة ستلجأ إلى تمويل غالبية هذه الزيادات من خلال الفائض المحقق من التدقيق بلائحة الموظفين في القطاع العام. 

وجدت الحكومة المؤقتة أن عدد الموظفين في القطاع العام الواردة أسماؤهم في كشوفات الرواتب، بلغ نحو 1.25 مليون شخص، وفق الشخص المطلع، في حين أظهر التدقيق وجود نحو "700 ألف موظف حقيقي الكثير منهم غير فعالين بشكل كامل"، وقيمة راتب الغالبية منهم لا تتعدى 25 دولاراً شهرياً.

الفائض الذي تحقق جراء التدقيق، من شأنه تغطية ما بين 70% إلى 75% من حجم هذه الزيادة، بحسب الشخص المطلع، مشيراً إلى أن المبلغ المتبقي سيتم تمويله من "احتياطات الليرة السورية التي حصلت عليها الحكومة المؤقتة من البنك المركزي".

الأرقام غير دقيقة

كان رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير قال في تصريحات صحفية، إن خزائن المركزي لا تحتوي إلا على أوراق نقدية بالليرة السورية، مع الافتقار إلى السيولة بالعملات الأجنبية. من جهتها، نقلت "رويترز" عن مصادر بأن احتياطيات الذهب في البلد تبلغ نحو 26 طناً، وهو ما يساوي نحو 2.2 مليار دولار، كما كشفت مصادر الوكالة أن دمشق تملك "مبلغاً نقدياً صغيراً من احتياطيات العملة الصعبة"، يُقدّر بنحو 200 مليون دولار فقط. 

الشخص المطلع شدد على أن عملية حصر الاحتياطيات لم تنته بعد، لكنها أعلى من هذه الأرقام، مشدداً على أن الأولوية حالياً تتمثل في إنعاش الليرة السورية، وذلك من خلال "ضبط الموارد وتوجيهها نحو الخزينة العامة، وملاحقة الأموال المجمدة في الخارج وإعادتها، وجذب الاستثمارات الأجنبية للسوق المحلية".

وتترقب الحكومة حالياً استرداد نحو 400 مليون دولار من الأصول المجمدة، لتمويل النفقات الحكومية القادمة، كما يعمل صندوق النقد الدولي على تقديم الدعم لسوريا في إطار جهود المجتمع الدولي لإعادة الإعمار، وفق تصريح جولي كوزاك المتحدثة باسم الصندوق.

جذب رؤوس الأموال

هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول حكومي سوري عن الاستثمارات الأجنبية، إذ سبق لوزير المالية أن كشف لـ"الشرق" عن آمال بلاده في جذب هذه الاستثمارات، لتنمية القطاعات المتضررة جراء الحرب، كما اعتبر قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع أن البلاد تبحث عن مسار اقتصادي حديث خارج إطار الاشتراكية التي كانت قائمة خلال حكم الأسد.

في هذا السياق، أشار إرشيد إلى أن التحول إلى اقتصاد السوق يتطلب بيئة مستقرة ومشجعة للاستثمار، وهو أمر "مفقود حالياً في سوريا"، معتبراً أن البلاد "تحتاج إلى إصلاحات اقتصادية كبرى تشمل إعادة بناء البنية التحتية، وإصلاح الأنظمة المالية، ومحاربة الفساد"، كما أن "جذب رأس المال يحتاج إلى ضمانات قانونية وبيئة آمنة، وهو ما يفتقر إليه الاقتصاد السوري حالياً".

الاستقرار السياسي والأمني

لكن الأهم من كل ما سبق، برأي إرشيد، يتمثل في "توافر الاستقرار السياسي"، الذي يمكنه أن "يمهد لرفع كامل للعقوبات الاقتصادية".

وكان وزير النقل في حكومة تصريف الأعمال بهاد الدين شرم شدد على مسألة رفع العقوبات بهدف تطوير قطاع النقل والمواصلات، معتبراً في مقابلة مع "الشرق" أن العقوبات "تعيق عمليات الإصلاح في البلاد، وتثقل كاهل القطاع".

إرشيد رأى أن رفع العقوبات، في حال تحقق، "سيكون بمثابة دفعة كبيرة للاقتصاد، إذ سيُعيد العلاقات التجارية، ويشجع على استعادة إنتاجية بعض القطاعات مثل الصناعة والزراعة".

كما سيسمح هذا الأمر، بـ"تدفق الاستثمارات الأجنبية واستعادة التحويلات البنكية، مما يساعد في إعادة إعمار البنية التحتية". لكن الأثر الفعلي، برأي إرشيد، "سيظل مرهوناً بقدرة الحكومة على توفير بيئة جاذبة وآمنة للاستثمار".

تصنيفات

قصص قد تهمك