تترقب السعودية قطف ثمار إنفاق 271 مليار ريال خلال ثماني سنوات لتنويع اقتصادها في إطار "رؤية 2030" حيث شهدت المملكة تغيراً كبيراً في مساهمة الأنشطة غير النفطية بشكل ملفت في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
تفوقت الأنشطة غير النفطية على النفطية في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، إذ يُتوقع أن يسجل الناتج المحلي غير النفطي هذا العام 3.7%، بحسب محمد الجدعان وزير المالية السعودي في مؤتمر صحفي اليوم الثلاثاء.
انتقلت مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج الإجمالي من 47.7% عام 2016، إلى 51.7% بمنتصف العام الحالي.
الأنشطة غير النفطية تقود النمو
يُتوقع أن يتجاوز معدل نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة نسبة 5% على المدى المتوسط، في مؤشر إضافي على استمرارية سياسة تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، التي تمثل أحد مستهدفات "رؤية 2030"، بحسب تصريحات لوزير المالية السعودي محمد الجدعان، خلال النسخة الماضية من "مبادرة مستقبل الاستثمار".
لتحقيق النمو، تعوّل الحكومة السعودية، بشكلٍ أساسي، على الأنشطة غير النفطية، التي سجلت العام الماضي أعلى مساهمة لها في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على الإطلاق بواقع 50%، وبقيمة إجمالية 1.7 مليار ريال، بحسب وزارة الاقتصاد والتخطيط.
بدأت المملكة تطبيق رؤية طموحة لتقليل الاعتماد على النفط منذ 2016، وأنفقت مبالغ ضخمة من الميزانية وهو ما ساهم في جذب القطاع الخاص الذي زادت مساهمته في الناتج المحلي إلى 24.7% من الناتج المحلي، بحسب وزير المالية السعودي.
تتوقع البلاد أن ينمو ناتجها المحلي الحقيقي هذا العام بنسبة 0.8%، على أن يرتفع إلى 4.6% العام المقبل، ثم 3.5% و4.7% في السنتين المقبلتين، حيث سيصل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى 4.7 تريليون بحلول عام 2027.
عجز 101 مليار ريال
سيسجل عجز الميزانية للعام 2025 نحو 101 مليار ريال، بانخفاض قدره 12% عن العجز المتوقع لهذا العام، وفق بيان صادر اليوم الثلاثاء بعد جلسة مجلس الوزراء الخاصة بإقرار الميزانية برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.
تترقب الحكومة تحصيل إيرادات بنحو 1.184 تريليون ريال العام المقبل، على أن تصل المصروفات إلى 1.285 تريليون ريال، بما يتوافق مع "البيان التمهيدي" لميزانية العام المقبل الصادر عن وزارة المالية أواخر سبتمبر.
يرى صندوق النقد الدولي أن القطاع غير النفطي في السعودية يشكّل "وسادة أمان" لاستمرار نمو الاقتصاد السعودي للعامين الحالي والمقبل، مقدّراً نموه في المملكة 4.4% العام المقبل، مقابل توقعات عند 3.7% للعام الحالي.
قال الجدعان إن "أرقام ميزانية 2025 تعني استمرار نهج توسعي مخطط له من الحكومة لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ورفع مستوى جودة الخدمات وتوسيع هذه الخدمات والتركيز على استراتيجيات ذات أثر اقتصادي مؤثر على الوظائف وعلى فرص الأعمال"، وأضاف أن ذلك سيكون له تأثير على استدامة الاقتصاد السعودي، وإكمال المشاريع التي بدأت في السنوات السابقة لربط منظومته الاقتصادية".
سيبقى التضخم في السعودية تحت السيطرة، بحسب الجدعان الذي أشار إلى أنه سيبقى منحصراً في حدود 1.9% خلال السنوات الثلاث المقبلة، من 1.7% هذا العام، رغم ارتفاعه على مستوى العالم، بحسب الجدعان.
كان تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر في أكتوبر عن صندوق النقد الدولي قد أشار إلى استمرار النفط في الضغط على ميزانية ونمو السعودية، وسط تراجع الطلب لا سيما من الصين، وخفض الإنتاج إلى حدود 9 ملايين برميل يومياً بموجب اتفاق "أوبك+"، وانخفاض أسعار الخام، التي يتوقع الصندوق أن تناهز 72.8 دولار للبرميل كمتوسط في 2025.
تغير هيكلي وإنفاق حكومي
لفت وزير المالي السعودية إلى بلاده تشهد تغيراً هيكلياً في اقتصادها، حيث قال إن "مساهمة الاستثمار الخاص في الناتج المحلي يحتاج وقتاً طويلاً جداً لتغييره في كل الدول ويتغير ببطء، لكن المملكة منذ 2016 شهدت تغيراً مميزاً، وهذا يعكس ثقة القطاع الخاص في اقتصاد المملكة".
كان الأمير محمد بن سلمان أكد عقب إقرار ميزانية 2025 أن تسارع وتيرة نمو الناتج المحلي العام المقبل؛ "سيكون مدفوعاً بارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية، التي بلغت مستوى قياسياً جديداً لها خلال العام 2024م عند 52%" من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية.
من المرتقب أن تنفق الحكومة 526 مليار ريال العام المقبل على قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والخدمات البلدية للعام المقبل. نوه الجدعان خلال المؤتمر الصحافي أن "هذه القطاعات هي محور ارتكاز قيادة وتوجيهات قيادة الدولة. وتوزيعها القطاعات يأخذ في الاعتبار الاستراتيجيات والمشاريع ذات الأثر على الوطن، وعلى المواطن، وعلى فرص الأعمال، وعلى استدامة هذا الاقتصاد".
"التغيرات التي يشهدها اقتصاد المملكة هي نتيجة عمل سنوات لاستراتيجيات يتم تنفيذها بكفاءة ومبالغ كبيرة جداً يتم إنفاقها من المالية العامة والقطاع الخاص لاستغلال الفرص الاقتصادية التي نتجت عن "رؤية 2030"، بحسب الوزير.
تسعى السعودية للحفاظ على نقطة القوة المتمثلة في بقاء اقتصادها معتمداً على التمويل العام، في الوقت الذي يرغب الكثير من المستثمرين رؤية دولة تتسم بالانضباط المالي، ما يدفع المملكة للإبقاء على احتياطيات كبيرة وفعالية كبيرة في الإنفاق الحكومي وحشد المال من القطاع الخاص، كما قال وزير المالية محمد الجدعان أواخر الشهر الماضي خلال "مبادرة مستقبل الاستثمار".
استناداً إلى تقارير صادرة عن جهات رسمية وشركات استشارية وبيانات جمعتها "الشرق"، أطلقت المملكة مشاريع عقارية وبنية تحتية بقيمة 1.3 تريليون دولار خلال الأعوام الثمانية الماضية، كجزء من خطتها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط وجعل المملكة وجهة أكثر جذباً للعيش والعمل والسياحة.
ماذا تنوي الحكومة على المدى المتوسط؟
- الاستمرار في العمل على مشاريع كبرى تهم قطاعات عدة مثل مشاريع النقل، وتحسين جودة الحياة وصحة المواطن، وربط البنى التحتية.
- الاهتمام بالاستراتيجيات القطاعية والمكانية: الصناعة لتوفير التوظيف والتصدير والمنافسة.
- التركيز على السياحة لأنها أكثر القطاعات خلقاً للوظائف ومساعدة في دعم ميزان المدفوعات، إضافة إلى قطاع النقل والخدمات اللوجستية.
- الاهتمام بقطاع الطاقة: لا يعني ذلك فقط البترول، وإنما بشكل أوسع قطاع الطاقة المتجددة، والغاز وإيصاله إلى المناطق الصناعية حول المملكة، ومحطات التحلية.