قبل 6 عقود كان الاقتصاد الأميركي أقل شمولاً ولم يوفر الثروة أو الاستقرار لغالبية السكان

سياسات ترمب الاقتصادية يجب ألا تقتصر على الحنين إلى الماضي

صورة تجمع الرئيس المنتخب دونالد ترمب في المنتصف وعن يساره إيلون ماسك وعن يمينه جي دي فانس - بلومبرغ
صورة تجمع الرئيس المنتخب دونالد ترمب في المنتصف وعن يساره إيلون ماسك وعن يمينه جي دي فانس - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

قد يعتمد الإرث الاقتصادي للرئيس المنتخب دونالد ترمب على ما إذا كان يفضل مقارنة الشيء بآخر. وعلى وجه التحديد، هل يعتقد ترمب أن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة أصبح صعباً لكسب لقمة العيش، أم أنه أصعب مما كان عليه في الماضي؟

إنها تفرقة جوهرية، فالفكرة الأساسية في نظرية الشعبوية الاقتصادية، التي تهيمن على السياسيين من مختلف الأطياف سواء اليسار واليمين، هي أن الأوضاع الاقتصادية كانت أفضل في الماضي.

هذا تشخيص خاطئ للوضع الاقتصادي الحالي. حيث أصبح من الصعب دائماً أن تشق طريقك في عالم مليء بعدم اليقين واقتصاد يتغير باستمرار، وسيظل الأمر كذلك دائماً. لكن الأوضاع ليست أصعب مما كانت عليه في الماضي، ففي الكثير من النواحي، أصبحت أكثر سهولة.

قد يكون الحل المقترح غير مفيد بشكل خاص لملايين الأميركيين الذين يعانون في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. ولكن التفريق بين التفسيرين المختلفين للمشكلات الاقتصادية له أهمية كبيرة في توجيه السياسات والخطاب العام.

صحيح أن معدل التضخم لا يزال أعلى مما كان عليه قبل الوباء، وهذا جعل حياة الأميركيين أكثر صعوبة وأقل يقيناً (وهو سبب كبير لفوز ترمب). لكن التضخم لا يوجه أجندته الاقتصادية، التي تهدف إلى جعل أميركا عظيمة مرة أخرى. 

فكرة العودة إلى الماضي، تشير إلى فترة زمنية حتى قبل إدارته الأولى، كانت الأوضاع الاقتصادية أفضل. متى كان ذلك بالضبط غير واضح، لكن ترمب تحدث عن إحياء التصنيع من خلال فرض الرسوم الجمركية، لذا دعنا نقول إنها فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الستينيات. 

من باب الإنصاف، فإن سياسات ترمب لا تختلف تماماً عن أجندة الرئيس جو بايدن، التي كانت تهدف إلى استعادة عظمة أميركا من خلال تمكين النقابات ودعم المزيد من التصنيع من خلال السياسة الصناعية. 

لكن العودة إلى نموذج الاقتصاد القائم على التصنيع في الولايات المتحدة لن تكون مفيدة حالياً.

من المثير تمجيد فترة الستينيات، وقتما كان 30% من القوى العاملة يعملون في وظائف بمجال التصنيع كانت توفر أجوراً مستقرة، وفرص عمل طويلة الأجل ومزايا تقاعدية محددة ودخلاً كافياً يكسبه المعيل لتغطية احتياجات جميع أفراد العائلة.

لكن تلك الحقبة لم تكن جيدة كما يعتقد الناس في الذاكرة أو تصورها النقاشات. كانت مستويات المعيشة أقل كثيراً، وكان الناس يعيشون في منازل أصغر حجماً ولا يسافرون كثيراً، كما كانوا أقل احتمالاً لإرسال أولادهم إلى الكلية. 

في عام 1965، كان 69.5% من الأميركيين في سن العمل الأساسي ضمن قوة العمل. اليوم، تبلغ هذه النسبة 83.3%، ويرجع الأمر  بشكل كبير إلى دخول العديد من النساء بشكل أكبر إلى سوق العمل.  

قبل 6 عقود من الزمان، كان اقتصاد الولايات المتحدة أقل شمولاً ولم يوفر الثروة أو الاستقرار لغالبية السكان. وربما يكون هذا أحد الأسباب وراء حدوث الاضطرابات الاجتماعية الشديدة خلال ما يُفترض العصر الذهبي للاقتصاد. 

الوضع الاقتصادي في الوقت الحالي يوفر المزيد من الفرص لعدد أكبر من الناس، كما أن مستويات المعيشة أعلى ومتوسط ​​العمر أطول. 

حالياً، يتلقى عدد أكبر من الأشخاص التعليم في الكليات ويمتلكون منازلهم و يتمتعون بالتأمين الصحي ويستطيعون الحصول على الائتمان والاستثمار في الأسواق، ويتلقون مزايا التقاعد. وأصبحت الأجور أكثر استقراراً، ويبقى الأشخاص في وظائفهم لفترة أطول. وباختصار، أصبح الاقتصاد أكثر استقراراً مما كان عليه قبل ستين عاماً. 

لا يعني كل هذا  أن اقتصاد اليوم خالي من المشاكل. بالرغم من أن الرعاية الصحية و التعليم أصبحا أفضل وأكثر توفراً، إلا أنهما أيضاً أكثر تكلفة من حيث القيمة الفعلية. 

لا يزال من الصعب على الشباب تأسيس أنفسهم مالياً ومهنياً، ناهيك عن حياتهم الشخصية. التقدم التكنولوجي المتواصل يُضيف حالة من عدم اليقين المستمر إلى الاقتصاد، وهو ما قد يساعد في تفسير السبب الذي يجعل الأمريكيين، رغم أن لديهم ثروة مالية أكبر، لا يزالون يفتقدون الشعور بالأمان المالي. لقد ارتفعت التوقعات الاقتصادية، وهي علامة على التقدم ولكنها أيضاً سبب للتوتر والقلق. 

مرة أخرى، ما تم شرحه سابقاً قد لا يكون كافياً لتهدئة مشاعر الأمريكيين الذين يشعرون أنهم متأخرون. ولكن من حيث السياسة والسياسات، فإن اللغة مهمة. وينبغي أن يكون من الممكن تقديم التعاطف والحلول للمشاكل الحالية دون الوعد بالعودة إلى عالم لم يُعد موجوداً حقاً. 

أفضل طريقة لمساعدة الناس هي تسهيل تأقلمهم مع الاقتصاد الحديث وتعليم أطفالهم للوظائف المستقبلية ومواصلة نمو الاقتصاد وتقديم المساعدة الموجهة حيثما تكون ضرورية. 

إن أي محاولة لتطبيق سياسات اقتصادية قديمة، سواء من خلال زيادة الرسوم الجمركية، أو محاولة إحياء عمل النقابات التي لا تتناسب مع الاقتصاد الحديث أو فرض سياسة صناعية، لن تزيد من الرخاء. بل إنها سوف تخلق تشوهات تؤدي إلى إبطاء النمو وزيادة الديون ومساعدة القِلة على حساب الأغلبية. 

ما نجح في ولاية ترمب الأولى كان السياسات العملية التي تبنت المستقبل، مثل استخدام قانون الضرائب لتحفيز المزيد من البحث والابتكار وإلغاء اللوائح التي تجعل سوق العمل أقل ديناميكية. الاتجاه الذي يتبناه ترمب في ولايته الثانية لا يزال غير مؤكد. 

حتى كتابة هذه السطور، يبدو أن إدارة ترمب قيد التشكيل تضم ثلاثة تيارات على الأقل. يوجد تيار يقوده نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس، يتميز برؤية مستوحاة من نهج اقتصادي يرتبط بمدرسة القانون بجامعة ييل، ويرغب في استعادة وظائف التصنيع التي كانت قائمة في الماضي بأي ثمن.

كما توجد مجموعة مرتبطة بإيلون ماسك، تسعى بشدة إلى إحداث تغييرات، وهي مستعدة لتجاوز العقبات وكسر التقاليد لتحقيق أهدافها. 

 كما يوجد تيار يتبنى موقفاً وسطياً مثل بعض المرشحين المحتملين لمنصب وزير الخزانة، الذين يدركون أن النمو يتطلب تبني أدوات المستقبل، ولكنهم لا يريدون تغيير النظام الاقتصادي الحالي بكامله. الجمع بين الرغبة في التغيير والابتكار والحفاظ على استقرار النظام الحالي. إنهم يعتبرون التعريفات الجمركية أداة للتفاوض وإبرام الصفقات أكثر من كونها وسيلة لإعادة إحياء الاقتصاد القديم.

إذا التزم ترمب بأفكار تيار الوسط، ربما مع القليل من توجهات ماسك، يمكنه تمهيد الطريق للازدهار الذي عاشه العديد من الأميركيين خلال ولايته  الأولى.

إذا تبنى ترمب رؤية فانس للعالم، فقد تعود الولايات المتحدة إلى الاقتصاد التقليدي القائم على إحياء التصنيع، حينها ستصبح الأمور أصعب مما كانت عليه في الماضي.  

خلاصة

يتناول المقال قضية التوجهات الاقتصادية لدونالد ترامب وكيفية تعامله مع الواقع الاقتصادي الأميركي. يطرح الكاتب سؤالاً جوهرياً: هل يعتبر ترمب الوضع الاقتصادي الحالي صعباً بطبيعته أم أنه أصعب مقارنة بالماضي؟ يرى الكاتب أن الإجابة على هذا السؤال مهمة لأنها تحدد النهج الاقتصادي الذي سيتبناه ترامب. استند المقال إلى تحليلٍ مقارن بين الواقع الاقتصادي الحالي وأوضاع الماضي، مستعرضاً كيف أن الذاكرة الجماعية تميل إلى تمجيد حقب معينة مثل الستينيات، والتي يُظن أنها شهدت ازدهاراً اقتصادياً كبيراً. ومع ذلك، يُبرز الكاتب أن تلك الحقبة كانت مليئة بالتحديات الاجتماعية، وأن المستويات المعيشية الحالية تفوق ما كانت عليه في الماضي، من حيث فرص التعليم، والرعاية الصحية، والاستقرار الاقتصادي. اختتم الكاتب بتوصيات تميل نحو تعزيز السياسات التي تواكب الاقتصاد الحديث بدلاً من تبني سياسات تعيد إحياء نموذج اقتصادي عفا عليه الزمن. ويرى أن التركيز على الابتكار والتعليم هو المفتاح لتحقيق رخاء اقتصادي مستدام.

 

 

 

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك