تحمل السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تأثيرات متباينة على الأسواق الناشئة، فبينما ستفرض ضغوطاً على الأوضاع المالية لتلك الاقتصادات فإنها ستوفر لها فرصاً محتملة للنمو مع سعي تلك الدول للتكيف مع المشهد العالمي الذي سيُعاد تشكيله، وذلك بحسب تقرير حديث لمعهد التمويل الدولي.
ستتأثر الأسواق الناشئة بقوة الدولار الأميركي، وإعادة ترتيب الأوضاع التجارية في الولايات المتحدة، والتحولات في السياسة الاقتصادية لأكبر اقتصاد في العالم، وكلها نتائج مباشرة لأجندة ترمب.
على الجانب السلبي، أفرز صعود العملة الأميركية القوي منذ انتخاب ترمب، والذي دفع المؤشر الذي يقيس أداءها مقابل سلة من العملات الرئيسية للارتفاع بما يصل إلى 3%، تحديات أمام عملات الأسواق الناشئة، على الرغم من أن رد فعل العملة الأميركية كان أقل قوة مما كان عليه الوضع لدى فوز الرئيس السابق للمرة الأولى في 2016.
صعود الدولار يضر بالعملات والديون الناشئة
وصل الدولار إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر 2022، في سلسلة من المكاسب التي جناها منذ إعلان انتصار ترمب وسط رهانات المتداولين على أن سياساته التجارية ستعزز قيمة العملة.
ورجح المعهد في تقرير حديث بعنوان "أجندة ترمب والأسواق العالمية"، أن يؤدي استمرار ارتفاع الدولار المدفوع بزيادة العوائد الأميركية إلى صعود تكلفة خدمة الديون المقومة بالعملة الخضراء للعديد من الاقتصادات الناشئة.
تحرك العملة الأميركية صعوداً سيؤدي إلى ضغوط تضخمية في الأسواق الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على الواردات، مما سيدفع صانعي القرار في تلك الأسواق إلى اختيار صعب بين النمو والاستقرار المالي. بالنسبة للبنوك المركزية في الاقتصادات الناشئة، قد يحتم الاستجابة لضعف العملات رفع أسعار الفائدة، مما قد يؤدي إلى تقييد الاستثمار ويبطئ النمو الاقتصادي، بحسب ما كتبه مارسيلو استيفاو، المدير العام وكبير خبراء الاقتصاد، وجوناثان فورتين الخبير الاقتصادي بمعهد التمويل الدولي.
أدى ارتفاع الدولار وعوائد سندات الخزانة الأميركية إلى تسجيل مؤشر عملات الأسواق الناشئة أسوأ أداء له منذ فبراير 2023. تهاوت عملات أوروبا الشرقية وانخفض البيزو المكسيكي بنسبة تصل إلى 3.3% قبل أن ينتعش من جديد وفقاً لما أوردته بلومبرغ يوم الإثنين.
الأسواق الناشئة نقطة جذب
تغذي تعهدات الرئيس المنتخب بفرض قيود أكثر صرامة على الواردات والهجرة رهان المستثمرين على ارتفاع تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة وصعود الدولار، وكل ذلك من شأنه أن يضعف عوائد سندات الأسواق الناشئة، مما يضغط على العملات ويحد من دورات التيسير النقدي في العالم النامي.
وتُعد الأسواق الناشئة جاذبة للمستثمرين العالميين، إذ ارتفعت الأموال المتدفقة إليها بنسبة 83% على أساس شهري إلى 56.6 مليار دولار في سبتمبر، وفق مذكرة بحثية صادرة عن معهد التمويل الدولي الشهر الماضي. وتوزعت التدفقات إلى تلك الأسواق بالمناصفة تقريباً، بين سوق الأسهم التي جذبت 27.9 مليار دولار، فيما بلغت الاستثمارات في أدوات الديون 28.7 مليار دولار.
سياسات ترمب توفر وصولاً أكبر للسوق الأميركة
على صعيد التجارة، ثمة ترجيحات بأن يعيد ترمب النظر في اتفاقات تجارية على رأسها الاتفاقية المبرمة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، إذ إن نهجه يمنح أولوية للترتيبات الثنائية عن تلك متعددة الأطراف.
يحمل ذلك عوائد للأسواق الناشئة، إذ قد يوفر تركيز ترمب على إبرام اتفاقيات التجارة الثنائية وصولاً مباشراً لشركات الدول الناشئة إلى السوق الأميركية. بالنسبة للدول التي تركز على الزراعة أو التصنيع، قد تعزز المفاوضات الثنائية إمكانية دخولها للسوق، وتقلص اعتمادها على الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف. هذا التحول يمكن أن يدعم نمو القطاعات المعتمدة على التصدير في الاقتصادات الناشئة مع إمكانية تعزيز بعض الدول لمواقعها داخل سلاسل التوريد الموجهة للولايات المتحدة.
نتائج متباينة لمنتجي النفط
بالنسبة للأسواق الناشئة المصدرة للموارد، خاصة منتجي النفط، فإن سياسات ترمب بشأن الطاقة ستجلب نتائج متباينة. إذ بينما قد يؤدي زيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة لفرض ضغوط تدفع أسعار النفط العالمية للنزول، فإن موقف ترمب الذي يؤيد الوقود الأحفوري ربما يعزز مركز الصناعة ويدعم الطلب بوجه عام على هذا النوع من الوقود. سيفيد ذلك دولاً مصدرة بعينها، مما يوفر تدفقات من الدخل حتى في ظل تقلبات الأسعار العالمية. في الوقت ذاته، ربما تتأثر التدفقات النقدية التي تتجه إلى الأسواق الناشئة بالتغير في سياسات ترمب.
ثمة جدل بشأن تأثيرات رئاسة ترمب على النفط، فبينما قالت "سيتي غروب" إن رئاسة ترمب قد تكون هبوطية صافية لأسعار النفط الخام، بسبب احتمالات زيادة الإنتاج والتعريفات الجمركية الجديدة التي قد تزيد من تقليص اقتصاد الصين. يقول آخرون، بما في ذلك "ستاندرد تشارترد"، إن المستكشفين النفطيين قد يتجاهلون دعوة ترمب لمزيد من الحفر.
في الوقت نفسه، يستعد العديد من المتداولين لشن أميركا حملة صارمة على إيران من خلال العقوبات ما قد يضر بتدفقات النفط الإيراني. كما أن تأثير إدارة ترمب على البراميل الروسية هو عامل جيوسياسي آخر. وهنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترمب بانتصاره، وقال إن مقترحاته بشأن أوكرانيا تستحق الاهتمام.
استجابة الأسواق الناشئة مختلفة
بوجه عام، ستختلف استجابة الأسواق الناشئة لأجندة ترمب الاقتصادية العامة. إذ ربما تجد الاقتصادات الناشئة التي تتمتع بمركز مالي متين وعلاقات تجارية راسخة مع الولايات المتحدة فرصاً لتعميق الاتفاقيات الثنائية، مما يعزز تدفقات الاستثمار وإمكانات التصدير.
على النقيض، قد تواجه الاقتصادات التي يرتفع دينها الخارجي أو تعتمد بشكل أكبر على الاقتصاد الأميركي تحديات في التكيف مع الدولار الأقوى والسياسات التجارية المتغيرة.