باتت المملكة المتحدة في المراحل الأخيرة من مفاوضات اتفاقية تجارة حرة مع مجموعة من دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط، بما في ذلك السعودية، وفقاً لمصادر مطلعة.
تُعتبر الصفقة مع مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم ست دول، أولوية لحكومة رئيس الوزراء كير ستارمر، حيث تتطلع إلى تعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، وقد يتم توقيع الاتفاقية قبل نهاية العام، حسبما أفاد مسؤولون من المملكة المتحدة ودول الخليج ممن طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لخصوصية المعلومات.
يبلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي 73 مليار دولار (57 مليار جنيه إسترليني) سنوياً، وفقاً للحكومة البريطانية، التي ترى أن الاتفاقية قد تعزز التجارة بنسبة 16% وتساهم بنحو 2.1 مليار دولار للاقتصاد البريطاني على المدى الطويل.
أفادت وزارة الأعمال والتجارة البريطانية في بيان لـ"بلومبرغ": "تلعب اتفاقيات التجارة مثل هذه دوراً حيوياً في تعزيز الاقتصاد البريطاني. نحن نسعى لإبرام صفقة تجارية حديثة مع دول الخليج كأولوية، وهدفنا هو تأمين اتفاقية تحقق قيمة حقيقية للشركات على الجانبين، بدلاً من التركيز على إتمامها بحلول موعد محدد".
إذا تم التوصل إلى اتفاق قريباً، فقد يحقق ذلك دفعة سياسية لحكومة حزب العمال، التي لم توقع أي اتفاقيات تجارة حرة منذ وصولها إلى السلطة في يوليو. وخلال حملته الانتخابية، وعد ستارمر بإعادة بناء العلاقات الدولية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتعزيز الاقتصاد. ويمكن لاتفاقيات التجارة الحرة أن تدعم الأعمال بين الدول من خلال خفض الرسوم الجمركية وتسهيل العوائق التجارية الأخرى.
كانت المملكة المتحدة قد واجهت تحديات في التفاوض على اتفاقيات تجارية منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي عام 2020. وبينما أبرمت اتفاقيات مع أستراليا ونيوزيلندا، توقفت المحادثات مع الولايات المتحدة والهند. وتشمل الدول الأخرى التي لا تزال في طور المفاوضات مع المملكة المتحدة كلاً من سويسرا وكوريا الجنوبية.
ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي نحو 2.2 تريليون دولار، أي ما يعادل حجم اقتصاد البرازيل تقريباً، وكانت سابع أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة العام الماضي، وفقاً لبيانات حكومية بريطانية. ولدى دول الخليج اتفاقيات تجارة حرة مع نيوزيلندا وسنغافورة وبعض الدول الأخرى، كما أنه يتفاوض مع الاتحاد الأوروبي والهند والصين، إلا أن هذه المفاوضات مستمرة منذ سنوات.
رغم اعتماد دول الخليج بشكل كبير على النفط والغاز، فإن السعودية، والإمارات، وقطر تنفق مئات المليارات من الدولارات لتنويع اقتصاداتها وتطوير قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي، وتصنيع الرقاقات، والسياحة، إذ يرون في الاستثمار الأجنبي عاملاً حاسماً في تحولاتهم الاقتصادية.
كما تمتلك هذه الدول بعضاً من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. وشكل كل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، و"مبادلة للاستثمار" في أبوظبي، و"جهاز قطر للاستثمار" مصدراً كبيراً للاستثمارات الأجنبية في المملكة المتحدة خلال العقد الماضي.
أجرت المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي سبع جولات من المفاوضات التجارية منذ عام 2022، حيث زار وزير الأعمال والتجارة البريطاني جوناثان رينولدز دبي، العاصمة التجارية للإمارات، هذا الشهر في إطار الجهود لإنهاء المحادثات.
وقال رينولدز في تصريح لـ"بلومبرغ" في الأول من نوفمبر: "نرى هنا فرصة حقيقية وشراكة قوية للغاية"، مضيفاً أن اتفاقية التجارة يمكنها "تحقيق تحسن كبير" في العلاقات الاقتصادية.
وأكدت الحكومة البريطانية أنها لن تتنازل عن معاييرها البيئية، والصحية، ورفاهة الحيوان، ومعايير الغذاء خلال المفاوضات مع دول الخليج. كما أكدت أن الخدمات التي تقدمها "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" (NHS) ليست مطروحة على طاولة المفاوضات.
من المحتمل أن تلي الاتفاقية مع المجلس اتفاقيات فردية مع بعض دول الخليج. وقّعت الإمارات، في السنوات الأخيرة، العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تعرف باسم "اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة"، والتي تتناول مجالات تجارية غير مشمولة في الاتفاقيات التي يجري توقيعها في إطار مجلس التعاون الخليجي.