قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في تصريح نادر له في الأسبوع الماضي، إنه بعد حصول صندوق الاستثمارات العامة على 40 مليار دولار في وقت سابق من هذا العام لشراء أسهم عالمية، فسينفق بعض المبالغ على الاقتصاد المحلي في العام القادم، وعام 2022 أيضاً؛ إذ يمكن تمويل بعض الاستثمارات المحلية من خلال تسييل بعض الأصول الحالية.
تعدُّ جهة الاستثمار السيادي هذه التي تساوي ثروتها 347 مليار دولار رافعة مالية أساسية لحاكم المملكة الفعلي، لإنعاش النمو وإعادة خطته الاقتصادية الكبرى، المعروفة باسم رؤية 2030، إلى مسارها بعد تعرض أضخم مصدر للنفط الخام في العالم إلى أسوأ كساد شهدته الأسواق منذ عام 1987. ورفض الصندوق تقديم أيَّة تفاصيل أخرى حول الاستثمارات المخطط لها.
أولويات الاستثمار
ينوي صندوق الاستثمارات العامة لعب دور رائد في إعادة تركيز الاقتصاد نحو الصناعات الأقل تطوراً مثل السياحة، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط. ومن المقرر استثمار مبلغ يعادل أكثر من 10 % من الإنفاق الحكومي عام 2021 – ويعادل هذا تقريباً مجموع ما أنفقه الصندوق الذي يترأس ولي العهد مجلس إدارته محلياً خلال العامين المنصرمين.
وقالت "راشنا أوبال"، مديرة الأبحاث في "أزور استراتيجي"، الشركة الاستشارية التي تركِّز على الشرق الأوسط: "يحتاج ولي العهد لجعل صندوق الاستثمارات العامة يحقق هدفه الرئيسي، ألا وهو نجاح رؤية 2030، التي تمثل مصلحة له ولوطنه".
وقد حوَّل الصندوق أولويات الاستثمار على مدى السنوات الخمس الماضية من حيازة حصص في الشركات المملوكة للدولة إلى بناء حصص في "أوبر تكنولوجيز" و"جيو بلاتفورمز" شركة الخدمات الرقمية، التي يسيطر عليها الملياردير الهندي "موكيش أمباني"، تحت إدارة "ياسر الرميان"، المستشار المقرَّب من ولي العهد. كما أنفق الصندوق مليارات الدولارات في مارس على شراء أسهم في شركات من بينها "فيسبوك" و"سيتي بانك" و"والت ديزني" في ذروة عمليات البيع التي تسبب بها الوباء. ومع انتعاش الأسواق، خرج الصندوق بنسبة كبيرة من تلك الصفقات، واشترى في صناديق يتم تداولها في البورصة، وتركِّز على قطاعي المرافق والمواد.
وقال الأمير محمد، إنَّ ذلك ساعد على زيادة العوائد إلى 7 %، مع حصول بعض استثماراته على عائدات بلغت 140 %. وبالرغم من أن معظم الصناديق السيادية في الشرق الأوسط لا تنشر عائداتها، إلا أن هيئة أبوظبي للاستثمار قد قالت، إن معدل عائداتها السنوية لمدة 20 عاماً بلغ 5.4 % في عام 2018، وفق أحدث تقرير لها.
تقدُّم تدريجي
وعلى الرغم أنه كان يتوقَّع من صندوق الاستثمار العام أن يلعب دوراً مهماً في المملكة العربية السعودية، فقد كان هذا أول إفصاح عن حجم الأموال المقرر ضخها في الاقتصاد المحلي. ويأتي هذا مع انطلاق الحكومة السعودية في خطوة تخفيف نفقات، تمتد ثلاث سنوات للوصول بعجز الموازنة إلى الصفر مع حلول عام 2023.
وقدَّر "بنك إي إف جي هيرميز" الاستثماري أن صندوق الاستثمار العام؛ كان يخطط لمشاريع بقيمة 542 مليار دولار تقريباً خلال العقدين المقبلين، و60% من مجموعها الإجمالي في السعودية. وهو برنامج تسيطر عليه مدينة "نيوم" عالية التقنية المخطط لها، التي ستبنى من الصفر على ساحل البحر الأحمر.
وقال "محمد أبو باشا" رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في مجموعة "هيرميس" المالية التي يقع مقرها في القاهرة: " كان التقدم الذي أحرزته قائمة مشروعات صندوق الاستثمارات العامة تدريجياً حتى الآن، فالحكومة تشدِّد على الإنفاق من جيبها الأيسر، وتنفق من جيبها الأيمن."
تحديات مالية
غطَّت الحكومة كامل العجز المالي تقريباً بالاقتراض المحلي خلال الربع الثالث. وفي الشهر الماضي وافق اثنان من أضخم البنوك السعودية، يعدُّهما صندوق الاستثمار العام أكبر المساهمين فيهما، على الاندماج، ليشكلا بذلك ما يمكن أن يكون أفضل بنك، تتجه إليه لتحقيق مشاريع رؤية 2030.
وخفَّضت وكالة "فيتش للتصنيف الائتماني" توقعاتها بشأن المملكة العربية السعودية إلى سلبية هذا الشهر، وقالت، إنَّ الاستثمار المحلي لصندوق الاستثمارات العامة، سيساعد جزئياً على تعويض تأثير التقشف الحكومي. لكنها حذَّرت أيضاً من زيادة الاقتراض بقيادة "أرامكو السعودية"، والصندوق، والشركات في محفظته الاستثمارية.
وقالت شركة "التصنيف": "سيسهم هذا في تآكل قوة الميزانية العامة للمملكة العربية السعودية، وتفاقم وضع الدَّين الخارجي الصافي الإجمالي للمملكة".