كانت الخطة بسيطة، وهي: إقناع العشرات من أفضل أندية كرة القدم في أوروبا بالابتعاد عن الرياضة الأكثر شعبية في العالم.
خلال فصل الشتاء، أرسل بطل الدوري الممتاز الفرنسي "باريس سان جيرمان" -جنباً إلى جنب مع الفرق المحتملة الأخرى- وثائق تعرض بالتفصيل كيف يمكن أن تكون المنافسة الجديدة مربحة، وفقاً لأشخاص مطَّلعين على الاقتراح، لكنَّ التصدعات كانت قد بدأت تظهر بالفعل.
يخشى أولئك الذين يقفون وراء دوري "المتمردين" من أنَّ ناصر الخليفي رئيس نادي "باريس سان جيرمان"، الذي أمضى شهوراً في إعادة بناء سمعته بعد براءته في قضية رشوة رفيعة المستوى، قد يسرِّب الخطط لمسؤولي كرة القدم الأوروبيين.
تمَّ إبعاد "باريس سان جيرمان" عن المحادثات، وكانت الخطة الجديدة هي منح النادي الفرنسي 14 يوماً للاشتراك في المشروع بمجرد الإعلان عنه، على حدِّ قول الأشخاص الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم.
لكن ذلك جاء بنتائج عكسية بشكل مذهل، وبعد إدانة جميع الأطراف لدوري السوبر، تبع ذلك محاولة أخيرة لإقناع "باريس سان جيرمان" المملوك لقطر بالتسجيل، بما في ذلك اقتراحات لا أساس لها من أنَّ العملاق الألماني "بايرن ميونيخ" قد يغير رأيه، وينضم إليهم.
دور "باريس سان جيرمان"
كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للخليفي عندما قال فلورنتينو بيريز من "ريال مدريد"، للتلفزيون الإسباني، إنَّ نادي "باريس سان جيرمان" لم تتم دعوته بالفعل.
بعد أقل من 48 ساعة من الكشف عن دوري السوبر في وقت متأخر من يوم الأحد (18 أبريل 2021)، انضمَّ "باريس سان جيرمان" إلى جوقة المعارضة من السياسيين، وعالم كرة القدم، وعجَّل بانهياره قبل أن يركل أحد الكرة.
وقال الخليفي في بيان ظهر يوم الثلاثاء، إنَّ الخطة "لا تحل المشكلات التي تواجه مجتمع كرة القدم حالياً، لكنَّها مدفوعة بالمصالح الذاتية بدلاً من ذلك". ومع حلول نهاية اليوم، غادرت الأندية الإنكليزية الستة جميعها – التي تشكِّل نصف قائمة الأندية التي أعلنت مشاركتها- ماعدا إسبانيا وإيطاليا.
استغرق إعداد المشروع ثلاث سنوات، واكتسب زخماً في يناير، ثم حظي بدعم قيمته 4 مليارات يورو (4.8 مليار دولار) من بنك "جيه بي مورغان" الأمريكي. لكنَّ الارتباك، وكارثة العلاقات العامة، ورد الفعل العنيف والغاضب حوَّله إلى انقلاب فاشل أخطأ بشكل مذهل في قراءة المركز العاطفي لكرة القدم الأوروبية.
وقال بول باربر، الرئيس التنفيذي لنادي "برايتون" في الدوري الإنكليزي الممتاز:
"لا أعتقد أنَّه حدث سوء تقدير أكبر من هذا في صناعة الرياضة".
كان الهدف هو إنشاء مجموعة النخبة من 20 نادياً بالمجمل لمنافسة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA)، مما يمكِّن من ضمان مباريات وإيرادات لسنوات قادمة. اشتهرت هذه الرياضة بتضخُّم رواتب اللاعبين، ورسوم الانتقالات المذهلة، وقد أدى الوباء إلى تفاقم الحالة المحفوفة بالمخاطر التي تمر بها الموارد المالية للعديد من الأندية. وكان الأساس المنطقي هو جلب المزيد من الأموال الأمريكية من خلال ابتكار المزيد من النماذج الرياضية الأمريكية.
وكان الأمر بقيادة بيريز في "ريال مدريد"، وحليفه الإيطالي أندريا أنيلي رئيس "يوفنتوس"، وبدعم من المالكين الأمريكيين للأندية الإنكليزية. تركَّز ردُّ الفعل السام في خطتهم على أمرين: صورة الجشع، وفكرة "الكارتل"، إذ لن يكون على 15 نادياً مواجهة الإخفاق في التأهل لبطولة منتصف الأسبوع.
أما الآن فقد تُركوا لمعالجة التداعيات، التي تشمل فقدان التأثير في بطولاتهم المحلية، وفي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم-الهيئة المنظمة لكرة القدم الأوروبية. وتهدد حكومة المملكة المتحدة بوضع لوائح جديدة، تتضمَّن وجود المشجِّعين في مجالس الإدارة، ووضع حد أقصى لأسعار التذاكر، وفحص النماذج المختلفة لملكية النادي.
وقال دانييل بينتو، الرئيس المشارك لـِ"جي بي مورغان"، في بيان لـِ"بلومبرغ"يوم الخميس الماضي: "من الواضح أنَّنا أخطأنا في تقدير حجم الشعور بأنَّ هذه الصفقة ستتحقق، وسنتعلَّم من هذه التجربة كشركة. في النهاية، سُمع صوت جماهير كرة القدم بوضوح".
فشل تسويقي
كانت فكرة دوري السوبر مطروحة منذ فترة طويلة بشكل ما. ولم يكن من المفاجئ أن يتزامن الاقتراح مع قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الهيئة المنظِّمة لكرة القدم الأوروبية، بتوسيع ومراجعة دوري الأبطال، البطولة الأكثر ربحاً في القارة. لكنَّ الطريقة التي تمَّ التعامل بها ضمنت استجابة لاذعة، وفقاً لأحد المصادر المشاركة في عملية العلاقات العامة.
وقال المصدر، إنَّ مالكي الأندية الإنكليزية –"أرسنال"، و"تشيلسي"، و"ليفربول"، و"مانشستر سيتي"، و"مانشستر يونايتد"، و"توتنهام هوتسبور"- رفضوا تصدُّر واجهة المشروع، وتمجيد الكيفية التي يريدون عبرها إصلاح الرياضة والاستثمار في قواعدها الشعبية.
كان ينبغي في أوَّل تواصل أن يقال، إنَّ الدوري سيولد بعد التشاور مع الجماهير والسياسيين. علماً أنَّ الاتفاق على صياغة الإعلان استغرق 10 ساعات، وكان الأمر قد أصبح علنياً في غضون ذلك. وقال المصدر المطَّلع الذي رفض ذكر اسمه، إنَّ ذلك يعني أنَّ المشروع مات بسرعة كبيرة حتى قبل أن يولد.
صدر البيان في الساعة 11:20 مساء الأحد بتوقيت بريطانيا، بعد ساعات من وصول الخبر إلى وسائل الإعلام. وسارع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) بإدانته ووصفه بأنه سخرية: "في الوقت الذي يحتاج المجتمع للتضامن أكثر من أيِّ وقت مضى." وهدد الاتحاد بمنع لاعبي الأندية من المشاركة في منافساته للمنتخبات الوطنية.
وتصاعدت حدَّة الاحتجاج السياسي، ومن داخل عالم كرة القدم. وانتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفكرة، وأثنى على "باريس سان جيرمان" لعدم مشاركته. لكنَّ رد الفعل في المملكة المتحدة كان الأقوى.
جونسون على الخط
كان بعض الوزراء البريطانيين على علم بالخطة في وقت سابق من الأسبوع، برغم أنَّ بوريس جونسون رئيس الوزراء علم بموضوع دوري المتمردين يوم الأحد فحسب. ووضعت حكومته ثقلها الكامل لإفشال الخطة.
وغرَّد جونسون قائلاً: "يجب على الأندية المعنية الاستجابة لمشجِّعيها، ومجتمع كرة القدم الأوسع قبل اتخاذ أي خطوات أخرى". ويوم الإثنين، انتقد وزير الثقافة أوليفر دودن الخطة في البرلمان.
وقال إيدي ليستر كبير مساعدي جونسون، للإمارات العربية المتحدة، أثناء رحلته إلى الخليج، إنَّ مشاركة "مانشستر سيتي" ستضر بعلاقة البلاد مع بريطانيا، وفقاً لما ذكره مصدر مطَّلع على الزيارة. تتبع مجموعة أبوظبي المتحدة التي تملك نادي "سيتي" للشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الوزراء الإماراتي.
أثار ردُّ الفعل السياسي رعب الأندية الإنكليزية، ودفع في النهاية الفريقين الأولين –"مانشستر سيتي"، و"تشيلسي"- للاستعداد للانسحاب، وفقاً لمصدر مطَّلع على الوضع، الذي قال، إنَّ المشكلة كانت في أنَّ أحداً لم يرَ الرفض العالمي قادماً.
كانت الضجة تتسع. ومع حلول مساء الإثنين، كان غاري نيفيل، لاعب "مانشستر يونايتد" السابق، والمحلل الشهير في بريطانيا، في حالة اندفاع كامل. وأعرب عن أسفه على قادة الدوري الممتاز لمحاولتهم إصلاح اللعبة الأكثر شعبية في البلاد دون أن يمتلكوا الشجاعة للدفاع عن الخطة علناً. كما أعرب "يورغن كلوب" مدرب "ليفربول" عن كراهيته للخطة أثناء زيارة فريقه لنادي "ليدز يونايتد" لخوض مباراة.
بداية الانهيار
دعا الدوري الإنكليزي الممتاز إلى اجتماع افتراضي طارئ يوم الثلاثاء. وحضر رؤساء 14 فريقاً، وتغيب الموقِّعون الستة عن دوري الممتاز. وقال باربر، رئيس نادي برايتون: "خلال ما يقرب من 25 عاماً في كرة القدم، لم أحضر أبداً أي اجتماع كان فيه مثل هذا التوافق في الآراء حول قضية واحدة، وإدانة كاملة".
لكن بحلول نهاية اليوم، سينهار كل شيء. كان "باريس سان جيرمان" مكسباً ضرورياً لدوري السوبر. فهذا النادي هو الأكبر في فرنسا، ويدير مالكوه القطريون أيضاً قناة "بي إن" (beIN) الرياضية، ورئيسه الخلافي شخص مؤثر في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. وقد أثار تصريحه ضجة.
بحلول ذلك المساء، كان باربر متجهاً إلى ملعب "تشيلسي" في لندن لحضور المباراة ضد "برايتون". وكان المئات من مشجِّعي "تشيلسي" الغاضبين قد تجمَّعوا منذ وقت مبكر من بعد الظهر كما كان الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش مالك النادي يشعر بالقلق.
وافق باربر على التحدُّث إلى قناة "سكاي" التلفزيونية مناشداً "تشيلسي"، والأندية المتمردة الأخرى للتخلي عن الفكرة بسرعة، وتخفيف الضرر. تمَّ سحب المقابلة من العرض. وكانت الأخبار تتسرَّب بالفعل حول التوتر الذي يسيطر على "تشيلسي" و"مانشستر سيتي".
شارك "مانشستر سيتي" في المشروع في وقت متأخر، وكان النادي قلقاً من احتمال تفويته للفرصة، إن اشتركت جميع الفرق الكبيرة الأخرى في أوروبا، وفقاً لما ذكره شخص مطَّلع على المداولات. كانت مشكلة "تشيلسي" تكمن في أنَّ "ليفربول"، و"مانشستر يونايتد"، و"أرسنال" -وجميعهم لديهم مالكون أمريكيون- كانوا يروِّجون للخطة منذ أشهر، وكان بحاجة إلى التحرك بسرعة، بحسب ما قال مصدر مطَّلع على شؤون النادي. ورفض المتحدِّثون باسم الناديين التعليق.
ومع ذلك، أصبح الوضع لا يطاق، وتطورت الأحداث. وبمجرد انسحاب "مانشستر سيتي"، أدرك المسؤولون في دوري السوبر بالفعل أنَّها خسارة لا يمكن تعويضها، وفقاً لما ذكره شخص مطَّلع على تفكيرهم، ثم تبعه "تشيلسي" في الانسحاب.
نصر عظيم
أعلن "مانشستر يونايتد" رحيل إيد وودوارد، نائب الرئيس التنفيذي، قبل الانسحاب أيضاً. وقال دانييل ليفي رئيس "توتنهام هوتسبور"، إنَّه يأسف "للقلق والإزعاج" الذين تسبَّب بهما الأمر.
بحلول صباح الأربعاء، غادر فريق "أتلتيكو مدريد" الإسباني، والإيطاليون أيضاً. ولم يتبقَ سوى "ريال مدريد"، و"برشلونة"، وكلاهما دافع عن الخطة، وتعهَّدا بالضغط من أجل دوري جديد بشكل ما. لم ينسحب أي من الفرق الـ12 من الشركة المالكة لدوري السوبر والمسجَّلة في إسبانيا، وفقاً لشخص مطَّلع على الجوانب القانونية.
لكنَّ الآخرين كانوا يحتفلون. كان رئيس الوزراء جونسون في مقرِّ رئاسة الوزراء في "10 داونينغ ستريت" عندما وردت أنباء مفادها أنَّ كل شيء قد انهار. وبرغم أنَّه نفسه ليس من مشجِّعي كرة القدم، إلا أنَّ رئيس الوزراء كان مدركاً لقوة الشعور، وربما الشهرة السياسية الناجمة عن الانحياز إلى جمهور كرة القدم. فقد قال المصدر، إنَّه صرخ قائلاً: "نصر عظيم لحكومة الشعب!".