تخطط سلطنة عمان لتحويل عاصمتها مسقط، إلى مدينة أعلى كثافة سكانية وأكثر اخضراراً، بشبكة نقل عام أكثر تطوراً.
وضع المخطط العمراني خبراء من شركة "برودواي ماليان" (Broadway Malyan)، ويستهدف التخطيط الحضري مساعدة العاصمة الساحلية، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة، على مواجهة عدة تحديات بحلول عام 2040، والتي تتمثل في: تزايد متسارع لعدد السكان، واقتصاد يتنوع بعيداً عن النفط، وتفاقم مخاطر الطقس القاسي نتيجة تغير المناخ.
رغم أن الخطة لا تزال قيد الموافقة، وهي مدعومة من وزارة الإسكان العمانية، إلا أنها تسعى إلى طرح رؤية جديدة للتوسع الحضري في الخليج تختلف عن النموذج المتبع في مدن مثل دبي وأبوظبي، بمعنى أن تحتضن المدينة مباني متوسطة الارتفاع وليست شاهقة، وزيادة المساحات الخضراء داخل المدينة.
تحديات أمام مسقط
يواجه موقع مسقط تحديات فريدة، بعضها يتعلق بالجغرافيا باعتبارها عاصمة لدولة يبلغ عدد سكانها حوالي 4.5 مليون نسمة يتمركز معظمهم على الساحل، وتقع المدينة في شريط ضيق بين الجبال والبحر. نتيجة لذلك توسعت مساحة المدينة على طول ممر متعاقب، حيث تتراص الأحياء بعضها تلو الآخر كعربات قطار. وعليه، تشكّلت كمدينة متعددة المراكز، حيث يمكن أن تكون أوقات التنقل من طرف إلى آخر طويلة (تصل إلى 160 دقيقة خلال ساعات الذروة الصباحية) مما يشجع السكان على البقاء بالقرب من منازلهم.
ورغم الجمال الطبيعي للموقع، إلا أن هذا الشريط الضيق يواجه تحديات بيئية. حيث تتقاطع المدينة مع شبكة تضم 14 وادياً، وهي عبارة عن مجاري أنهار تكون جافة معظم العام، لكنها تتحول إلى فيضانات مفاجئة خلال موسم الأمطار. ما يجعل 45% من مساحة المدينة عرضة لخطر الفيضانات الناجمة عن الأودية، و20% عرضة لخطر ارتفاع المد.
زيادة حدة الطقس القاسي جعلت إدارة الفيضانات جزءاً أساسياً من تأمين مستقبل المدينة، ففي مايو 2024، تسببت الفيضانات غير العادية في وفاة 17 شخصاً في مختلف أنحاء عُمان. كذلك شجعت الطبيعة الجغرافية على هيكل حضري غير متصل بشكل سلس، حيث يتوقف التطوير أو يبدأ بناءً على تضاريس الأرض.
حتى وقت قريب، لم تكن هذه التحديات مشكلة كبيرة نظراً لصغر حجم المدينة. رغم أن مسقط مدينة قديمة ذُكرت كميناء رئيسي في القرن الأول، إلا أن عدد سكانها لم يتجاوز 100 ألف نسمة حتى عام 1979، و500 ألف نسمة في عام 1994. ومع وجود هذا العدد المحدود من السكان، ظلت المسافات داخل المدينة يمكن قطعها بسهولة، وكان من السهل الحصول على أراضٍ للبناء.
ينص القانون العماني على حق المواطنين في امتلاك الأراضي، حيث يحق لأي رجل عماني فوق 23 عاماً، وكذلك العديد من العمانيات، الحصول على قطعة أرض مجانية تصل مساحتها إلى 600 متر مربع لبناء منزل. على الرغم من أن الحصول على قطعة أرض الآن يتطلب انتظاراً طويلاً من خلال نظام القرعة، إلا أن الحلم النموذجي الذي يراود العمانيين ظل امتلاك فيلا خاصة، وليس العيش في شقة. رغم أن مسقط تضم بعض المناطق ذات الكثافة العالية، إلا أن هذه المناطق تُعتبر أقل إقبالاً على العيش فيها، ويقطنها بشكل أساسي الوافدون من ذوي الدخل المنخفض الذين يستخدمون وسائل النقل العام المحدودة.
ولكي تحظى مسقط بقدرة على المنافسة يتطلب الأمر تغيير هذه العادات. وبحلول عام 2040، يُتوقع أن يصل عدد السكان إلى 2.7 مليون نسمة. وإذا استمر التوسع الحضري بنفس الوتيرة، لن يتسنى إدارة مساحة المدينة بشكل فعال، وستفتقر إلى الاستدامة.
خطة التطوير الرئيسية لمسقط
تتضمن الخطة الرئيسية عدة أدوات لكسر هذا النمط من التوسع، منها التطوير لتصبح أعلى كثافة، ووسائل نقل عام، وحظر البناء في المناطق الخضراء، وإنشاء منظومة للحدائق. على أن يتم إنشاء خط قطار خفيف بطول 55 كيلومتراً على طول الساحل ليصبح العمود الفقري الجديد للمدينة. سيخترق هذا القطار المناطق الجبلية التي تفصل بين مسقط القديمة والجزء الغربي من المدينة الذي يضم المطار الدولي والمنتجعات الفاخرة مثل فندق "سانت ريجيس" المطل على خليج عُمان.
كما سيتم تشغيل حافلات نقل سريع لتوفير خط ربط شرق-غرب موازٍ داخل المدينة، بالإضافة إلى تشجيع مشروعات التطوير المكثفة على طول خط القطار الخفيف، مع إنشاء مباني متوسطة الارتفاع للحفاظ على المناظر المطلة على الجبال.
تشتري الحكومة حالياً الأراضي على طول هذا المحور المركزي لإعادة توجيه التطوير نحو "المنطقة الوسطى المفقودة"، وهي منطقة غير مستغلة بشكل كافٍ بين المدينة القديمة والمناطق الحديثة قرب المطار.
في وسط هذا التطوير، سيتم إنشاء مشروع واجهة بحرية من تصميم شركة "زها حديد"، لتشكّل سلسلة من الأبراج الممتدة نحو الميناء، وتصبح ذات طابع استثنائي في مسقط لبناء ناطحات السحاب.
في الوقت نفسه، سيتم تجديد منطقة "روي"، التي تُعتبر مركز المدينة الحالي، لتصبح أكثر جذباً للسكان من مختلف أنحاء مسقط الكبرى.
رئة خضراء في عمان
تهدف الخطة أيضاً إلى حظر البناء في بعض المناطق. ويتضمن ذلك فرض منطقة يُحظر البناء بها عند سفوح الجبال وفي الجزء الغربي النائي من المدينة، الذي لا يزال غير مطور بشكل كبير، وسيُستخدم كـ"رئة خضراء" مستقبلية. كما سيتم تحديد مناطق خضراء في المناطق المعرضة لخطر الفيضانات.
وقال "فيل بوندز"، مدير التخطيط الحضري في "برودواي ماليان": "وضعنا العديد من الخرائط المتعلقة بالفيضانات. بشكل عام، حاولنا إبقاء جميع أشكال التطوير بعيدة عن المناطق المعرضة لخطر الفيضانات خلال الخمسين عاماً القادمة". أشار إلى أن بعض أنظمة الأودية سيتم تطويرها بزراعة النباتات وتغذيتها بالمياه المعاد تدويرها التي كانت ستذهب إلى البحر، مما سيوفر مناطق خضراء مفتوحة بجميع أنحاء المدينة.
تتوافق أهداف الخطة مع ما يُعتبر اليوم مخططاً حضرياً جيداً. على الرغم من أن تنفيذ الخطة قد يبدو غير مؤكد، فإن التنسيق بين المشاريع التي بدأت بالفعل يُعزز فرص تحقيقها. أُجريت دراسة الجدوى لخط القطار الخفيف في أغسطس 2024، ويتوقع أن يبدأ إنشاؤه في منطقة الواجهة البحرية الجديدة قبل نهاية العام الجاري. ويُتوقع أن تحقق الخطة عائداً كبيراً، حيث قدّر بوندز أن استثماراً بقيمة 19 مليار دولار سيحقق قيمة إضافية تصل إلى 50 مليار دولار.