سعت الصين إلى تهدئة المخاوف من رغبتها في الإطاحة بالدولار كعملة الاحتياطي الرئيسية في العالم، يأتي ذلك في الوقت الذي تخطو فيه بكين خطوات أكبر في إنشاء اليوان الرقمي الخاص بها.
وفي هذا السياق، قال نائب محافظ "بنك الصين الشعبي"، "لي بو"، إنَّ الهدف من تدويل عملته ليس استبدال الدولار، وإنَّ الجهود المبذولة لإنشاء اليوان الرقمي تهدف إلى الاستخدام المحلي.
وفي ندوة عقدت يوم الأحد في بواو، قال "لي": "حول تدويل الرنمينبي"اليوان"، قلنا مرَّات عدَّة، إنَّها عملية طبيعية، وهدفنا ليس استبدال الدولار الأمريكي أو العملات الدولية الأخرى، أعتقد أنَّ هدفنا هو السماح للسوق بالاختيار، لتسهيل التجارة والاستثمار الدوليين."
يختبر البنك المركزي الصيني حالياً استخدام "اليوان الرقمي" في برامج تجريبية مختلفة في جميع أنحاء البلاد. وأظهر تقرير نشر في وقت سابق من هذا الأسبوع أنَّ إدارة بايدن تزيد من تدقيقها لتقدُّم الصين نحو اليوان الرقمي وسط مخاوف من أنَّها قد تطلق محاولة طويلة الأجل لاستبدال الدولار.
ويشار إلى أنَّ "بنك الشعب الصيني" يعمل على عملة رقمية منذ عام 2014، وقد أدَّت تحرُّكاته إلى زيادة الاهتمام بين البنوك المركزية وصانعي السياسات، في حين أضاف انتشار العملات المشفرة إحساساً بأنَّ المنافسين على النقد المنتظم يمكن أن يغيِّروا كيفية عمل القطاع المالي. واقترب "بنك الشعب الصيني" من أن يصبح أوَّل بنك مركزي رئيسي يطلق عملة افتراضية؛ فقد بدأ تجربة للمستهلكين والشركات في 11 مدينة في جميع أنحاء البلاد.
وفي هذ الصدد، قال "لي": "الدافع وراء اليوان الإلكتروني، في الوقت الحالي على الأقل، هو التركيز بشكل أساسي على الاستخدام المحلي". وأضاف قائلاً: "إنَّ قابلية التشغيل البيني على الصعيد الدولي هي قضية معقَّدة للغاية، ونحن لسنا في عجلة من أمرنا للتوصل إلى أيِّ حلٍّ معين حتى الآن"، على الرغم من أنَّه قد يكون هناك استخدام عابر الحدود "على المدى الطويل".
أشار "لي" إلى أنَّ البنك المركزي يخطِّط لاختبار الاستخدام عابر الحدود لليوان الرقمي في أولمبياد بكين الشتوية 2022، إذ سيمكن استخدامه من قبل المستخدمين المحليين، وكذلك الرياضيين والزوار القادمين من الخارج.
إمكانات هائلة
من جهته، قال أغوستين كارستينس، المدير العام لـِ"بنك التسويات الدولية"، خلال الندوة نفسها، إنَّ هناك إمكانات هائلة فيما يتعلَّق باستخدام العملات الرقمية عبر الحدود، إذ يمكن أن يجعل ذلك معاملات الصرف الأجنبي، وتسوية المدفوعات أموراً تتحلى بفعالية فائقة. وقال، إنَّه يمكن للدول استكشاف طرق مختلفة لتحقيق التشغيل البيني الدولي، بما في ذلك جعل الأنظمة المختلفة متوافقة، مع خلق روابط اتصال بين الأنظمة.
وفي حين أنَّ رقمنة اليوان يمكن أن تصبَّ في مصلحة استخدامه في المعاملات عبر الحدود، فإنَّ العامل الرئيسي في تحديد الدور العالمي للعملة هو ما إذا كانت الصين ستخفِّف ضوابطها على رأس المال، وذلك وفق ما قاله شين جيانغوانغ، الذي يشغل منصب كبير الاقتصاديين في "جيه دي.كوم" الذي قال أيضاً: "إذا كنت تريد الحصول على عملة احتياطي عالمية، عليك السماح للأجانب بالاحتفاظ بها واستخدامها".
وقال شين في مقابلة أجريت معه خلال المنتدى، إنَّ الصين ستحتاج أيضاً إلى السماح لمواطنيها بشراء المزيد من الأصول الأجنبية، ومواصلة تطوير أسواقها المالية، والسماح بقدر أكبر من المرونة في أسعار الصرف من أجل الدفع باتجاه تدويل اليوان.
ومنذ العام الماضي، شهدت الصين تدفُّق رأس المال إلى أسواقها المالية، مما عزَّز كمية اليوان المتداولة على مستوى العالم. ومع ذلك، عند النظر إلى سياق أسواقها الضخمة، تظلُّ الملكية الأجنبية للأسهم والسندات المحلية منخفضة نسبياً عند حوالي 5% و3% على التوالي. ولا تزال حصة اليوان من المدفوعات العالمية واحتياطيات البنوك المركزية حوالي 2% فقط.
كفاءة السياسة النقدية
من جهته، قال ستيفن تشيو، استراتيجي العملات الأجنبية وأسعار الفائدة الآسيوية في "بلومبرغ إنتليجنس": "اليوان الرقمي هو وسيلة للمساعدة في كفاءة السياسة النقدية، والاستخدام عبر الحدود مع شركاء يميلون إلى التجارة مع الصين في السلع والخدمات، وليس مع اقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة"، وأضاف تشيو قائلاً: "إنْ كان رقمياً أم لا، فإنَّه ليس من السهل إزاحة هيمنة الدولار، سواء كان ذلك كعملة تسوية تجارية أو عملة احتياطية".
وبحسب محافظ بنك الصين الشعبي" السابق تشو شياوتشوان، فإنَّ الخطط الأولية للعملة الرقمية لم تكن مدفوعة باعتبارات الاستخدام عبر الحدود. وأشار إلى أنَّ هناك العديد من المشكلات المتعلِّقة باستخدام عملة رقمية عبر الحدود الوطنية. وقال في المنتدى نفسه الذي عقد في بواو، إنَّ الاستخدام الدولي يمكن أن يؤثِّر على استقلال السياسة النقدية، ومن المهم ألا يتمَّ استخدام هذه العملة في الجرائم".