أوقفت إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مناقشات ميزانية العام المقبل، والتي من المقرر أن تكون الأكثر تحدياً وحساسية منذ عقود، وسط التركيز المحلي والدولي على حرب إسرائيل على غزة وتصاعد التوترات مع "حزب الله".
على الرغم من تأكيد نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش على أنه سيكون هناك إطار مالي لعام 2025، إلا أنهما لم يقدما أي تفسيرات حول التأخير في صياغة هذا الإطار.
يثير هذا الغموض قلق الأسواق والمستثمرين بشأن إمكانية صياغة الإطار، بالتزامن مع تفاقم العجز في الميزانية وارتفاع إصدار الديون بسبب الحرب. عادة ما يبدأ وضع الميزانية في هذا الوقت من العام.
ردّد كبار الموظفين في البنك المركزي ووزارة المالية التحذير نفسه الذي أطلقته وكالات التصنيف الائتماني وقادة الأعمال، من أن وقف مناقشة الميزانية سيخيّم على آفاق الاقتصاد الإسرائيلي، ويرفع بالفعل علاوة المخاطر على أصولها.
كانت التوترات بشأن عملية الميزانية واضحة في رسالة كتبها محافظ بنك إسرائيل أمير يارون إلى نتنياهو هذا الشهر. فقد حث خلالها رئيس الوزراء على متابعة اجتماع عقدوه قبل أسابيع لمناقشة سبل استقرار المالية، بما في ذلك تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب.
إنفاق دفاعي متزايد
يجادل يارون، الذي يُعتبر بموجب القانون الإسرائيلي المستشار الاقتصادي الأول للحكومة، بأن التعديلات الدائمة على الميزانية التي تبلغ حوالي 30 مليار شيكل (8 مليارات دولار) مطلوبة العام المقبل لتحمل الإنفاق الدفاعي المتزايد وغيره من النفقات المرتبطة بالحرب. كما أنها ضرورية، على حد قوله، من أجل استقرار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل، التي يراها البنك المركزي عند 67.5% هذا العام، ارتفاعاً من حوالي 59% في عام 2022.
ذكر المحافظ أنه من الضروري الحفاظ على إطار الميزانية لعام 2024، وتعزيز العملية المنظمة لوضع ميزانية 2025.
شهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 2% فقط في العام الماضي، وهو ما يمثل نصف ما كانت تتوقعه وزارة المالية قبل اندلاع الحرب. يتوقع مصرف "جيه بي مورغان تشيس" (.JPMorgan Chase & Co) نمواً بـ1.4% فقط لهذا العام، بعد أن خفض توقعاته مرتين خلال الأسابيع القليلة الماضية.
يزداد القلق من وضع الاقتصاد الإسرائيلي وإدارة الحكومة للشؤون المالية، بالإضافة إلى مخاطر تصاعد الصراع، وهو ما يلقي بظلاله على أسواق المال.
ارتفعت العوائد على السندات الحكومية الإسرائيلية لأجل عشر سنوات بالشيكل بحوالي 90 نقطة أساس هذا العام، بينما وصلت فروقها على سندات الخزانة الأميركية إلى أعلى مستوى لها منذ 11 عاماً. تُعد السندات الإسرائيلية بالدولار من بين الأسوأ أداءً ضمن الأسواق الناشئة هذا العام وفقاً لمؤشرات "بلومبرغ".
خفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني لإسرائيل بمقدار درجة واحدة ليصبح عند مستوى "A" في 13 أغسطس، وهو ما يتماشى مع خطوة مماثلة قامت بها وكالة "موديز" في فبراير. قالت "فيتش": "الصراع في غزة قد يستمر حتى عام 2025، مع احتمال توسيع نطاقه ليشمل جبهات أخرى".
اندلع القتال بعد أن اجتاح مقاتلو حركة "حماس" جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، مما أسفر عن قتل حوالي 1200 شخص وأسر 240 رهينة. ردّت إسرائيل بشن هجوم جوي وبري والذي حوّل مساحات شاسعة من قطاع غزة إلى أنقاض، وقتل أكثر من 40 ألف شخص وفقاً لمسؤولي الصحة في غزة التي تديرها "حماس".
كما تبادلت إسرائيل و"حزب الله" الهجمات منذ بداية الحرب. تصاعدت هذه العمليات يوم الأحد، عندما اجتاحت 100 طائرة حربية إسرائيلية جنوب لبنان، مستهدفة آلاف قاذفات الصواريخ التابعة لـ"حزب الله" في ما وصفته بالضربة "ما قبل الاستباقية"، ورد الحزب بإطلاق أكثر من 200 مقذوفة عبر الحدود. الحركتان"حماس" و"حزب الله" مدعومتان من إيران ومصنفتان كمنظمتين إرهابيتين من قبل الولايات المتحدة.
اقتراض قياسي هذا العام
أنفقت إسرائيل حتى الآن 88 مليار شيكل على الحرب، وهو ما يمثل حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وجمعت أكثر من 190 مليار شيكل حتى يوليو لتمويل الجيش وسد العجز المالي. إذا استمر هذا النمط، فإن الاقتراض لهذا العام سيحطم الرقم القياسي الذي سُجّل خلال جائحة كورونا في عام 2020.
ارتفع العجز إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي في الاثني عشر شهراً حتى يوليو. توقعت وزارة المالية والبنك المركزي أن يصل إلى حوالي 6.6% لهذا العام ككل، شريطة ألا يتفاقم الصراع مع "حزب الله".
قال يارون الشهر الماضي: "تمثل السياسة المالية قضية كيبرة وواضحة بالنسبة إلى الأسواق المالية. إذا انتظرت حتى اللحظة الأخيرة، فإنك تتخذ قرارات سيئة".
عادة تتم صياغة مقترحات الميزانية في وقت مبكر من الصيف بإسرائيل، وتُرفع إلى مجلس الوزراء للموافقة عليها بحلول أغسطس، ويتم تمريرها في البرلمان قبل نهاية العام. وبموجب القانون الإسرائيلي، يمكن تمديد العملية حتى نهاية مارس. تسقط الحكومة تلقائياً إذا لم تُستكمل الميزانية.
اجتمع نتنياهو وسموتريتش الأسبوع الماضي لمناقشة الميزانية، لكنهما لم يتوصلا بعد للتوافق على إطار أساسي، ويقول مسؤولو وزارة المالية إنه لم تحدث تقريباً أي مناقشات جوهرية حتى الآن. قال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء، طلب عدم ذكر اسمه، إن خطط الإنفاق والتمويل يمكن الموافقة عليها بسهولة حتى لو تم تقديمها لمجلس الوزراء في أكتوبر، وهو جدول زمني يصفه التكنوقراط بأنه غير واقعي.
ميزانية مشوبة بالتوتر
تعد السياسات المرتبطة بالميزانية مشوبة بالتوتر، حيث يتم توجيه مبالغ معينة إلى جهات يرأسها سياسيون متدينون وقوميون متطرفون يشكّلون جزءاً من ائتلاف نتنياهو، والذين يلعبون دوراً مهماً في استمرار بقائه في السلطة.
هذا العام، بلغ إجمالي هذه الميزانيات التقديرية 6 مليارات شيكل، وتشمل تمويل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وأمور دينية أثارت الجدل.
أفيغدور ليبرمان، زعيم المعارضة والوزير السابق للمالية قبل سموتريتش، أشار في مقابلة إلى أن "الحكومة تتأخر لأن الإعلان عن الميزانية يتطلب التدقيق العام، وإذا لم يتم تقليص النفقات المثيرة للجدل، فستواجه انتقادات داخلية، وربما تقود إلى تخفيض آخر في التصنيف الائتماني لإسرائيل". وأضاف: "من المحتمل أن تختار الحكومة زيادة العجز والديون الخارجية".
وفقاً لمازال معلم، المحللة السياسية التي نشرت مؤخراً سيرة ذاتية عن الزعيم الإسرائيلي، فإن التأخير يعتبر جزءاً من أسلوب نتنياهو المعتاد، ومن المحتمل أن يرفض أي انتقادات، ويصفها بأنها ذات دوافع سياسية. أوضحت: "المماطلة تُعد استراتيجية في الإدارة يتبعها رئيس الوزراء".