"لا حول ولا قوة إلا بالله.. التذكرة بـ8 جنيهات، ليه كدا يا بني؟؟. يعني هنلاحق زيادة المواصلات ولا الكهرباء والخدمات اللي كانت ببلاش"، هكذا كانت تشكو إحدى السيدات أمام موظف التذاكر في إحدى محطات مترو الأنفاق بمحافظة الجيزة صباح الخميس الماضي، بعد أن تفاجأت بزيادة أسعار جميع الرحلات.
للخميس الثاني على التوالي يستيقظ المصريون على زيادات جديدة في أسعار تذاكر القطارات ومترو الأنفاق بنسب وصلت إلى 25% و33% على التوالي. هذه الزيادات المتتالية قد تشعل موجة تضخمية جديدة، مما يستدعي تدخل الحكومة لحماية الفئات الأكثر احتياجاً، وهو ما أكده 3 مسؤولين حكوميين لـ"الشرق" مشيرين إلى أن الحكومة قد تلجأ لحزمة كبيرة جديدة من تدابير الحماية الاجتماعية للأسر والأفراد الأولى بالرعاية.
أعلنت هيئة السكك الحديدية، الخميس الماضي، عن زيادة أسعار رحلاتها بين 12.5% و25%، وذلك ضمن مساعي البلاد إلى تقليص الدعم على الكثير من الخدمات والسلع الرئيسية. وأعلنت الهيئة القومية للأنفاق نفس اليوم أيضاً عن ثاني زيادة في هذا العام لأسعار تذاكر مترو الأنفاق، الذي يمثل وسيلة التنقل الأكثر شعبيةً بالعاصمة القاهرة وضواحيها بنسب وصلت إلى 33%، وستوفر الحكومة ما يصل إلى 2.2 مليار جنيه سنوياً من زيادة أسعار المترو والسكك الحديدية.
زيادة الأسعار
الزيادات الجديدة تأتي وسط توجه الحكومة لرفع أسعار العديد من الخدمات خلال الفترة المقبلة، وفق ما صرح به رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في وقت سابق نهاية يوليو الماضي، وتُعتبر في الوقت نفسه هي الأحدث بعد زيادة أسعار الوقود بنسب تراوحت بين 10% و15%، يوم الخميس قبل الماضي، وهي خطوة تتوقع البلاد أن توفر منها حوالي 36 مليار جنيه.
مسؤول في وزارة المالية قال لـ"الشرق" إن الحكومة قد تدرس توفير حزمة كبيرة من تدابير الحماية الاجتماعية للأسر والأفراد الأولى بالرعاية وذلك في نهاية النصف الأول من العام المالي 2024-2025، مشيراً إلى إن الحكومة -ومع الإجراءات الأخيرة- تضع محدودي الدخل علي رأس أولوياتها، وقد يتم الإعلان عن الحزم الجديدة -إن وجدت- في أكتوبر أو نوفمير المقبلين.
لكن مسؤولاً في وزارة التضامن الاجتماعي أكد لـ"الشرق" أن الحكومة لا تدرس تقديم أي حزم اجتماعية جديدة في هذا الوقت.
خلال العام المالي الماضي، طبقت مصر حزمتين لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بقيمة 240 مليار جنيه، الأولى كانت في سبتمبر 2023، حيث وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بزيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لموظفي القطاع العام لتصبح 600 جنيه، بدلاً من 300 جنيه، وبزيادة الحد الأدنى للدخل للدرجة السادسة، ليصبح 4 آلاف جنيه، بدلاً من 3500 جنيه، ثم في فبراير الماضي قررت الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور 50% ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً.
أحمد حافظ، رئيس قسم البحوث بشركة بلتون القابضة، يرى أن زيادة أسعار الوقود والنقل كانت متوقعة ومأخوذة سابقاً في الاعتبار، إذ تضمنت موازنة الدولة للعام المالي الحالي زيادة مخصصات برامج الدعم والحماية بصورة كبيرة وزيادة مخصصات برامج الدعم النقدي وغيرها من الأساسيات التي تساهم في التخفيف من وطأة الظروف الاقتصادية عن محدودي الدخل، لذا فإن استمرار الدولة في تنفيذ خطة رفع الدعم نهائياً عن أسعار الوقود يُقابله زيادة دعم محدودي الدخل.
كشفت بيانات الموازنة المصرية 2024-2025 عن تخصيص أكثر من 50% من إيرادات الدولة للإنفاق الاجتماعي على الدعم والحماية الاجتماعية، والتنمية البشرية، وتم رفع مخصصات الدعم والإنفاق الاجتماعي إلى 635.9 مليار جنيه مقارنة بـ529.7 مليار جنيه فى العام المالي الماضي، بمعدل نمو سنوى 20%.
التضخم
مدحت نافع أستاذ الاقتصاد بجامعتي القاهرة والنيل، يرى خلال حديثه لـ"الشرق" أن الموجة التضخمية الجديدة "سينتج عنها الكثير من الأعباء خاصة على الطبقات الفقيرة، لذا لا غنى عن قرارات دائمة، وليست بالضرورة حزمة اجتماعية، لأنه في نهاية الأمر ستتآكل هذه الحزم مع موجة التضخم، فالقرارات الدائمة أكثر استدامة واستقراراً، لذا فإن إعادة توجيه الإنفاق الاستثماري إلى إنفاق اجتماعي الفترة المقبلة أصبح مسألة حتمية".
وأضاف: "الإنفاق لصالح هذه الطبقات عادة ما يكون له آثار تضخمية أقل نظراً لطبيعة استهلاكهم واحتياجاتهم التي تعتمد على أساسيات المعيشة فقط".
واصلت وتيرة التضخم في مدن مصر التباطؤ في يونيو، للشهر الرابع على التوالي، لتتراجع إلى 27.5% على أساس سنوي، مقارنةً بـ28.1% في مايو، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في يوليو الماضي. وعلى أساس شهري، ارتفعت أسعار المستهلكين 1.6% في يونيو، مقابل انكماشها بـ0.7% في مايو، والذي كان أول تراجع للأسعار منذ يونيو 2022، وأكبر وتيرة انكماش منذ منتصف 2019.
حسن الصادي، أستاذ اقتصاديات التمويل في جامعة القاهرة، يرى أن زيادة أسعار الوقود والنقل قد تجبر الحكومة على دراسة حزمة جديدة لمساندة أعباء المعيشة، منها التوسع في برنامج تكافل وكرامة أو إقرار علاوة استثنائية للمرتبات والمعاشات، إلا أنه يرى أن تلك الحزم المرتقبة ستكون تكلفتها على موازنة الدولة أكبر كثيراً مما وفرته الدولة من خلال زيادة أسعار الوقود والنقل، لذا قد تؤدي إلى لجوء الحكومة إلى زيادة الضرائب أو غيرها، ما سيرفع التضخم من جديد ويؤدي إلى انهيار قيمة الجنيه ومن ثم تعويم جديد، لذا شدد على ضرورة الخروج من هذه الدائرة التي أثبتت عدم جدواها وتؤدي دوماً إلى لجوء الحكومة للتوسع في الدين الخارجي.
في مايو الماضي، رفعت الحكومة سعر رغيف الخبز المدعم 300%، في خطوة هي الأولى منذ أكثر من 3 عقود. ثم جاء الإعلان عن رفع أسعار الإنترنت الأرضي وخدمات الهاتف المحمول، ثم زيادة في أسعار الكهرباء، ومواد البناء وتحديداً الأسمنت والحديد.
الدعم النقدي
الخبير الاقتصادي هاني توفيق، أكد خلال حديثه مع "الشرق" على أنه لا بد من "الانتهاء من الدعم العيني والمتضمن أسعار الوقود والنقل، على أن يتم في المقابل حصر مستحقي الدعم النقدي، والتوسع في الحزم والمبادرات الخاصة بهم من تكافل وكرامة وغيرها من علاوات، بما يضمن وضع محدودي الدخل على رأس أولويات الدولة"، مشيراً إلى أن "الشرائح الأخرى من الشعب قد تتحمل رفع الدعم العيني".
رئيس الوزراء المصري أكد خلال مؤتمر صحفي في مايو الماضي، أن بلاده ستتحول للدعم النقدي بدلاً من العيني بداية من السنة المالية 2025-2026. تُعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتقدم الخبز المدعوم لأكثر من 70 مليون شخص في إطار برنامج ضخم لدعم الغذاء.
لكن عالية المهدي، الخبيرة الاقتصادية تقول: "ارتفاع الأسعار المتتالي تسبب في حدوث أزمة اجتماعية اقتصادية لدى الناس، لكن أرى أن إطلاق حزمة اجتماعية جديدة ستعني أن الحكومة عادت للدعم العيني من جديد، ولن تنفذ وعودها بالتحول للدعم النقدي، بالطبع مصر تحتاج لحزمة اجتماعية لكن لا اعتقد أن صندوق النقد الدولي سيوافق حالياً على ذلك".
حتى الآن لم تعلن مصر عن نتائج بحوث الإنفاق والدخل التى أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لكن البنك الدولي كشف أن معدل الفقر ارتفع فى البلاد عام 2022 إلى نحو 32.5% من 29.7% في السنة المالية 2019-2020، من إجمالي عدد مواطني مصر الذين يزيدون عن 105 ملايين نسمة.