واصل الاقتصاد الروسي في الربع الأخير من عام 2020 تعافيه من الركود، وتقليص الانكماش الناجم عن تداعيات الجائحة، وذلك بالتزامن مع قرار الرئيس فلاديمير بوتين بعدم فرض إغلاق ثانٍ في البلاد.
وأعلنت دائرة الإحصاء الحكومية الفيدرالية يوم الخميس انخفاض الناتج المحلي الإجمالي 1.8% عن العام الماضي، الذي جاء أفضل من متوسط توقُّعات الاقتصاديين بانخفاض بنسبة 2.2%.
وقالت الدائرة، إنَّه قد تمَّ تحديث بيانات معدَّل الانكماش الخاصة بالفصول السابقة للعام بأكمله إلى 3% بدلاً من 3.1%.
تسارع التضخم
انكمش اقتصاد أكبر مُصدِّرٍ للطاقة في العالم خلال العام الماضي بمعدَّلٍ أقل من العديد من الاقتصادات المماثلة، بعد أن فرضت روسيا قيوداً أخف لمكافحة انتشار كوفيد-19 بعد الإغلاق الأولي. والجدير بالذكر أنَّ مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي للبلاد أقل نسبياً من قطاعات أخرى، وبشكل خاص قطاع الطاقة.
ونتيجة لتعافي الاستهلاك، وارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، وضعف الروبل؛ تسارعت زيادة معدَّل التضخم، مما دفع بنك روسيا الشهر الماضي إلى رفع أسعار الفائدة لأوَّل مرة منذ 2018 مع احتمال حدوث مزيد من الزيادات.
ونقلت وكالة أنباء "إنترفاكس" عن مكسيم ريشيتنيكوف وزير الاقتصاد الروسي يوم الخميس قوله، إنَّ الحكومة ستخفِّض توقُّعاتها السابقة للنمو الاقتصادي للعام 2021، والبالغة 3.3% بعد تقرير دائرة الاحصاءات عن تسجيل انكماش أقل خلال العام الماضي. وأشار ريشيتنيكوف إلى أنَّ أداء الاقتصاد في الربع الأول سيكون متساوياً في الأغلب مع أداء الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2020.
[object Promise]زيادة الاستثمارات
تعمل الحكومة الروسية على إنهاء إجراءات الدعم التي أقرَّتها لمواجهة الجائحة، فيما تخطط لتعزيز الإنفاق على البنية التحتية هذا العام. ويساهم في تمويل ذلك الإنفاق صندوق الثروة السيادي الروسي الذي تبلغ قيمة أصوله 182 مليار دولار.
وقال وزير المالية أنطون سيلوانوف، إنَّ أموال الصندوق يمكن أن تبدأ في التدفُّق خلال النصف الأول من العام الجاري، ليصل إجمالي مساهمات الصندوق إلى تريليون روبل (13 مليار دولار) على أن يتمَّ تدفُّقها على مدار 3 سنوات، بما يعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي.
وتتوقَّع ألكسندرا سوسلينا خبيرة الميزانية في مؤسسة مجموعة الخبراء الاقتصاديين البحثية، ومقرُّها موسكو، نمو الاقتصاد بنحو 2.5% هذا العام في حال استمرت أسعار النفط عند معدَّلاتها الحالية.
وترى سوسلينا أنَّ "الاقتصاد يتعافى ببطء"، لافتةً إلى أنَّ "مساهمة صندوق الثروة السيادي في الإنفاق الحكومي سيدفع المؤشرات الاقتصادية للارتفاع، لكنَّه لن يدفع الاقتصاد الروسي لتسجيل مستويات جديدة من النمو، إذ سيكون تأثيره قصير الأجل".
ويضع كلٌّ من ضعف الروبل، والارتفاع الكبير في التضخم مزيداً من الضغوط على مستويات المعيشة المتدهورة للمواطنين الروس، إذ لا يزال مستوى الدَّخل الحقيقي المتاح للإنفاق أقل بنحو 10% من المستويات التي وصل إليها قبل ضم بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014، الذي ترتب عليه فرض عقوبات دولية على روسيا.
ولذلك لجأت الحكومة إلى فرض قيود على أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية في محاولة لكبح جماح التضخم الذي ارتفع في فبراير بأسرع وتيرة له منذ عام 2016. كما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك 5.8% اعتباراً من 15 مارس بحسب تقديرات البنك المركزي.
بطء توزيع اللقاح في روسيا
تشهد أغلب الدول بأنحاء أوروبا كافةً موجة ثالثة من تفشي الإصابات بفيروس كوفيد 19، مما دفع بعض الحكومات إلى فرض عمليات إغلاق جديدة. لكنَّ روسيا تواصل تخفيف القيود بالتزامن مع انخفاض أعداد الإصابات المسجَّلة، وذلك على الرغم من إخفاق الحملة الحكومية لتشجيع المواطنين على التلقيح الشامل في تحقيق استجابة كبيرة تُذكر حتى الآن.
وعلى الرغم من إصدار بوتين قرار البدء في البرنامج في ديسمبر الماضي، إلا أنَّ حوالي 4.3% فقط من السكان في روسيا تلقّوا الجرعة الأولى من اللقاح، مقارنة بـ11% في تركيا، وحوالي 30% في الولايات المتحدة، ونحو 50% في بريطانيا.
وترى تاتيانا أورلوفا، المحللة في "إميرجينوميكس"، ومقرُّها لندن، أنَّ "بقاء نسبة السكان الذين تمَّ تلقيحهم منخفضة، سيجعل روسيا معرَّضة لخطر موجة ثالثة مدمِّرة قد تضر بآفاق التعافي". وتقول: "إنَّ تردد السكان بشأن تلقي اللقاحات يمثِّل خطراً كبيراً على التوقُّعات الاقتصادية في المدى القريب".